الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

القريب البعيد...

_الفراشَة وشِباكُ العنكبوت :
                              القريب البعيد
فعلاً هالني مارأيت،كانت تلك الفراشة التي وقعت عليها عَينايَ فجأةً تطير بطريقةٍ غير طبيعيَّةٍ بالقرب من شباكٍ للعنكبوت،كأنَّها أحد مُجازِفي عروضِ السيرك التي كنَّا نتابعها على التلفاز أيَّام الزّمن الجميل،رجَّحتُ من تحليقها المترنِّح أنَّ سكراتُ الموتِ مادفعت بها للتخبُّط بهذه الطريقة الدَّاعية للتأمُّل من قِبلِ كُلِّ ذي لبِّ حيٍّ.
تأسَّفتُ على نفسي عندها،وعلى ماهي مقبِلةٌ عليه لامحالة،وحالُ روحي كيف سيكون إذا كان هذا حال الفراشة البريئة عند إحتضارها.
كلُّ هذا دار بفؤادي دون أن أُبعِد ناظِريَّ عنها لحظةً واحدةً،وفجأةً وقَعت في الشِّباك وبمجرَّد وقوعها سكَنت حركَتها،سَعِدتُ لأنَّ روحها فارقت جسدها قبل أن تَرى العنكبوت يقوم بلفِّها كقطعةِ تحليةٍ لوقتٍ لاحق،لكن هذا الأخير لم ينتبه بعدُ لوجودها لأنَّها لم تأتي بأيِّ حركةٍ تُعلِم بزيارتِها غير المتوقَّعة.
ورغم أن القصَّة تبدو قد إنتهت،لكن الفضول ظلَّ يداعِبني حول ماسيحل بما تبقّى من رَمزِ الرِّقةِ والجمال في خضمِّ خيوط الأهوال،بقيتُ أترقَّب حركة العنكبوت الذي بدى في قيلولةٍ،بيدَ أنَّ المفاجأة تمثَّلت في كون الفراشة تحرَّكت من جديد!.
من الواضح أنَّها لم تكن تحتضر كما كنت أعتقد،ربَّما كانت محاولة ناجحة للإنتحار وهذا مايفسِّر ركونها عندما وقعت في الفخِّ،كان خياراً غفلت عنه فعلا،كيف لفراشة بكل ماأوتيت من جمال وخفَّةٍ أن تفكِّر بوضع هكذا نهاية بشعة لحياتها،لكن ظنوني تأكدت عندما رأيت أنَّ محاولاتها للإفلات لم تكن جادِّة بما فيه الكفاية،بل كانت بمثابة دقِّ جرسِ الباب لإيقاظ العنكبوت الغافل،وفعلا نالت مرادها أخيراً بعد رفَّةٍ بل رفَّتينِ من جناحيها السَّاحرين،تنبَّهَ صاحِب البيت أخيراً لرسالتها ليتوجَّه مهرولاً إليها بينما توقَّفت هي
عن المقاومة نهائيًّا حتى قبل بلوغه إيَّاها.
قد علَّمتني الكثير الكثير إثر خروجها من هذا العالم بهذه الطريقة الدراميَّة،وجعلتني أرثي لحالِ الكثير من فراشاتِ بني جنسنا التي قدَّمت أرواحها قرباناً من أجل كائناتٍ،أو أهدافٍ هي في الغالبِ لاتستحق حتَّى لفت إنتباهها أو تضييع أوقاتٍ ثمينة من الحياة في سبيل نَيلِها.
                          القريـــــب البعيـــــد
                                ٠٩/١٠/٢٠١٨
                                   ٠٥:١٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...