الصمت ...الفضيلة الغائبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي- العراق - 15-4-2019
يعتقد البعضٌ أن صمت الإنسان هو عدم معرفته بالأمور أو جهله لبعض منها، لٰكن قد يكون الأمر مختلفـًا، فيقول أحدهم: "صمتى لا يعنى جهلى بما حولى، ولٰكنه يعنى أن ما حولى لا يستحق الكلام.". فهناك من يرى أن الصمت هو نوع من الترفع عن أحاديث وثرثرة لا تُجدى، ولا تؤدى نفعـًا لصاحبها فيفضّل أن يتوقف عن الكلمات، وأذكر كلمات قالها لى أحد أصدقائى: "أصمتُ أحيانا لأننى أعلم أن حديثى لن يغير شيئـًا.". أتفق أن التغيير الذى يَنشُده العالم يحتاج إلى العمل لا الكلمات، إلا أنه ينبغى لنا أن ننتبه لأن الصمت هنا هو لسببين: أولهما هو طرح أمور لا تستحق أن يضيع الإنسان فيها وقته، وثانيهما أن هناك صمتـًا يرى فيه صاحبه أن الكلمات لن تُجدى، وحينئذ وإن صمت ذٰلك الشخص عن الكلمات لٰكنه يجب أن يستمر فى أداء رسالته فى الحياة بالأعمال. ولٰكن، حذارِ أن تجعل صمتك أداة لجَرح الآخرين! كما عبّر عن ذٰلك "برنارد شو": "إن أداة الصمت هى أفضل تعبير عن الاحتقار."!
هناك سبب آخر لصمت بعض الناس، فهم يرَون فيه خيرًا لهم لأنه يكون وسيلتهم فى طريق الحياة ليتعلموا حكمة السير فيه؛ فبالصمت يُصغون جيدًا إلى ما يقال ومن ثم يتعلمون؛ فتصبح الكلمات التى يستمعون لها مصباحـًا يَهديهم فى ظلام الطريق، أو مرشدًا يحمى من أخطاء من الممكن أن تحدث فيتجنبون الوقوع فيها، فتخفف هٰذه الكلمات من أخطار المسير؛ وهنا يكون استخدام الصمت فى حياة الإنسان هو محاولة اكتساب مزيد من الحكمة. ويتحدث الكاتب الشاعر "جُبران خليل جُبران" عن الصمت والكلام، فيقول: "قد يكون فى الكلام بعض الراحة، وقد يكون فى الصمت بعض الفضيلة.".
للصمت فن، فإذا كنتَ فنانـًا فى صمتك، أصبحتَ مبدعـًا فى كلامك.". جالت هٰذه الكلمات فى فكرى، ونحن فى حياة أصبحت تمتلئ بالأحرف والكلمات: إن الجميع يتحدثون، فهل من مستمع لتلك الكلمات
صمتك وقت غضبك قوة .....صمتك وقت فوزك ثقة .....صمتك وقت عملك ابداع ....صمتك وقت سخريتهم ترفع ....صمتك وقت نصيحة الناس لك ادب ...صمتك وقت حزنك صبرواحتساب للاجر....أحيانـًا يكون الصمت أبلغ من الكلام، وأكثر فائدة ونفعـًا، أو على الأقل قد يكون أقل ضررًا. الصمت قد يكون فيه حكمة وقوة، وقد يكون فيه نُبل ورسالة.
منذ مدة وأنا أقلب الفكر في موضوع الصمت، هل هو رذيلة أوهو بالأحرى نقص في صفات الكمال؛ أم أنه فضيلة تكتمل بها الشخصية المتوازنة وتتجمل بحسنها..... تأملت المسألة طويلاً في ظل زمان انقلبت فيه الموازين، وتغيرت فيها ملامح الأشياء وقيمتها ومكانتها في العقل والوجدان. وكلما هممت بالكتابة أجد «الصمت» يدعوني للتريث واختبار المعاني أكثر فأكثر قبل النطق بها.
كيف انقلبت الموازين بهذا الشكل!؟ ألم يقولوا قديماً: «إذا تمَّ العقل نقص الكلام». قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي: (من صمت نجا) قال الغزالي: «هذا من فصل الخطاب وجوامع كلمه صلى اللّه عليه وسلم وجواهر حكمه، ولا يعرف ما تحت كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء، وذلك أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من نحو كذب وغيبة ونميمة ورياء ونفاق وفحش ومراء وتزكية نفس وخوض في باطل، ومع ذلك إن النفس تميل إليها»، ثم يعدد الغزالي فضائل الصمت «في الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار وفراغ الفكر للعبادة والذكر والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة»...ويروى أنه التقى بعض الملوك، فأجمعوا على مدح الصمت. قال أحدهم: «أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل» وقال آخر: «أنا على ردّ ما لم أقلّ أقدر مني على ردّ ما قلتُ»
وقد يعجب البعض من جرأة المتعلمين في الخوض في كل وادٍ دون روية؛ لكن زيج زيجلر يقول: «ثُلث ما يتعلمه حاملو درجة الدكتوراه من علم يأتي من خلال دراستهم الأكاديمية فقط، أما الباقي فيكون حصيلة التأمل والمراقبة أثناء سنوات عمرهم الباقية. لذا فليس كل متعلم مفكِّر».
ثم متى ندرك أن الإنجازات لا تتولد في الضجيج؛ بل تتشكل ملامحه في سكون الصمت والتأمل العميق. يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله: «لا أقبل شيئاً على علاته، وهذا ما أصابني بداء التأمل».
بالتأكيد؛ الصمت ليس محموداً على الإطلاق لكننا نعيش في زمن تزاحمت الأفواه من حولنا وتشابكت الألسن ووقع في شراكها خلق كثير. قال صلى الله عليه وسلم «رحم الله امرأً تكلم فغنم أو سكت فسلم».
العالم لا يتوقف عن الكلام، ولا يُقدّر الصمت، ويُصفّق دائماً لمن يتحدث أكثر، ويصفه بالانفتاح والحضور والاجتماعية وسعة الأفق.. بل أصبحت الانطوائية والميل إلى السكوت مرض يتنصّل منه البعض، وتنهال على صاحبه الأوصاف السوداء تارة والساخرة تارة أخرى من معقد ومغلق ومحدود الفكر وكئيب.. هل نحن في زمن قلب الحقائق وتبدل المفاهيم الراسخة على مر العصور، أم أننا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا وذاتنا؟ أسئلة تطرح نفسها وتحتاج منا إلى إجابات حاسمة كي لا نضل الطريق.
فضيلة الصمت .
ـــــــــــــــــــ قديما قالوا: "إذا تمَّ العقل نقص الكلام". وأثني احدهم علي فضيلة الصمت فقال: "هو زينة بدون حلية، ووهيبة بدون سلطان، وحصن بدون حائط".
رأيتُ الكلام يزينُ الفتى *** والصَّمتُ خير لمن قد صَمَتْ
فكم من حروفٍ تجرُّ الحتوفَ *** ومن ناطقٍ ودّ أن لو سَكَتْ
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صمت نجا)) [أحمد والترمذي] أي من صمت عن النطق بالشر، قال الغزالي: "هذا من فصل الخطاب وجوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - وجواهر حكمه، ولا يعرف ما تحت كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء، وذلك أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من نحو كذب وغيبة ونميمة ورياء ونفاق وفحش ومراء وتزكية نفس وخوض في باطل، ومع ذلك إن النفس تميل إليها لأنها سباقة إلى اللسان ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع والشيطان، فالخائض فيها قلما يقدر على أن يلزم لسانه فيطلقه فيما يحب ويكفه عما لا يحب، ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار وفراغ الفكر للعبادة والذكر والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة".
عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عظني وأوجز، فقال: (( إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا، وَاجْمَعْ الْإِيَاسَ مِمَّا فِي يَدَيْ النَّاسِ)) [رواه أحمد]
روي أنه التقى أربعة من أذكياء الملوك: ملك الهند، وملك الصين، وملك الفرس، وملك الروم.. فاجتمعوا على ذم الكلام ومدح الصمت، فقال أحدهم: "أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل" وقال الآخر: "إنّي إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني" وقال الثالث: "عجيب للمتكلم، إن رجعت عليه كلمته ضرّته، وإن لم ترجع لم تنفعه"، وقال الرابع: "أنا على ردّ ما لم أقلّ أقدر مني على ردّ ما قلتُ"
اعمل أكثر مما تتكلم
ــــــــــــــــــــــــــ الصامتون من خير أهل الأرض.. هم من يصنعون التغيير ويُضيفون كثيراً في عصر الثرثرة.. الفئة النادرة التي تعمل أكثر مما تتكلم.
يقول زيجلر: "ثُلث ما يتعلمه حاملو درجة الدكتوراه من علم يأتي من خلال دراستهم الأكاديمية فقط، أما الباقي فيكون حصيلة التأمل والمراقبة خلال سنوات عمرهم الباقية، لذا فليس كل متعلم مفكِّر".
إن الإنجاز لن يولد في الضجيج بل تتشكل ملامحه وسط غابات من الصمت ومن السكون، والانطوائية ليست عيباً، بل دليل نبوغ في أحيانٍ كثيرة.
والصمت يمنحك طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك والتركيز بعقلانية على إجابتك.. قال د. عبد الوهاب المسيري - رحمه الله -: «لا أقبل شيئاً على علاته، وهذا ما أصابني بداء التأمل».
لكل حالة لبوسها
ــــــــــــــــ جعل الله - تعالى -الصمت ستراً على الجاهل، وزيناً للعالم.. روي أن رجلاً كان يجلس إلى أبي يوسف، تلميذ أبي حنيفة، ويطيل الصمت، فقال له أبو يوسف يوماً: ألا تتكلم؟ فقال بلى: متى يفطرُ الصائم؟ فأجابه: إذا غابت الشمس، فقال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف، وقال: لقد أصبت في صمتك وأخطأت أنا في طلبي لنطقك، ثم قال:
عجبتُ لأزراءِ العيي بنفسهِ *** وصمتُ الذي كان بالصمتِ أعلما
وفي الصمتِ سترٌ للعيي *** وإنما صحيفةُ لبّ المرءِ أنْ يتكلّما
فالصمت ليس محموداً على الإطلاق والكلام أيضاً.. بل يبقى لكل مقام مقال، ولكل حالة لبوسها، ولو كان الصمت فضيلة بإطلاق لماتت النصائح الصادقة وغاب التوجيه السديد وفقدنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ميز هذه الأمة وقامت عليه خيريتها.. تعيش الكلمةُ الصادقة ويُخلد صاحبها، ويبقى في وجدان الناس ويسكن ذاكرة قلوبهم، أما الضجيج الكاذب فربما يبقى قليلا لكن سيظل هشا مُهمشاً في زاوية الصخب.. سيعيش نكرة ويمضي نكرة، ويموت في جوف الفراغ سراباً بلا معنى.
إن الصمت وإن صاحبه سلامة مؤقتة لكنه مسمار يُدَقُ في نعش الفضيلة، قال - تعالى -: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78-79]
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله امرءا تكلم فغنم أو سكت فسلم)) [صحيح الجامع: 3492] وأفهم بذلك أن قول الخير خير من السكوت لأن قول الخير ينتفع به من يسمعه والصمت لا يتعدى صاحبه.
- ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) [متفق عليه] قال القرطبي: "معناه أن المصدق بالثواب والعقاب المترتبين على الكلام في الدار الآخرة لا يخلو إما أن يتكلم بما يحصل له ثواباً أو خيراً فيغنم أو يسكت عن شيء فيجلب له عقاباً أو شراً فيسلم، وعليه فـ «أو» للتنويع والتقسيم، فيسن له الصمت حتى عن المباح لأدائه إلى محرم أو مكروه، وبفرض خلوه عن ذلك فهو ضياع الوقت فيما لا يعنيه، و((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
وأفاد الخبر أن قول الخير خير من الصمت لتقديمه عليه. وأنه إنما أمر به عند عدم قول الخير.. قال القرطبي: "وقد أكثر الناس الكلام في تفصيل آفات الكلام وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر وحاصله أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان وأعظمها في الهلاك والخسران فالأصل ملازمة الصمت إلى أن يتحقق السلامة من الآفات والحصول على الخيرات، فحينئذ تخرج تلك الكلمة مخطومة وبأزمة التقوى مزمومة".
قال ابن القيم - رحمه الله -: ".. وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى للدين، وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نُوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذَّل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بُلوا في الدنيا بأعظم بليه تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل".
وقال أحدهم: "الصمت عن الخنا، أفضل من الكلام بالخطا".
وقال شمس الدين السفاريني: "المعتمد أنَّ الكلام أفضل؛ لأنَّه من باب التحلية، والسكوت من التخلية، والتحلية أفضل، ولأنَّ المتكلم حصل له ما حصل للساكت وزيادةٌ، وذلك أنَّ غاية ما يحصل للساكت السلامة، وهي حاصلةٌ لمن يتكلم بالخير مع ثواب الخير"
عندما أرغب في الكلام، أصمت. وعندما أتقن لغة الكلام، أصمت.
الصمت، فنٌّ، من يتقنه لا يخفق أبداً في تحقيق مراده، في أيّ ظرف كان، أو موقف، أو زمن. فالصمت لغة، مثل لغات العالم، تضيفها الى رصيد معرفتك.
يقول وليم هنريت: "الصمت فنّ من فنون الكلام".
من بلغ النضج العقلي ولديه الحكمة الكافية من الخبرة، تكلّم صمتًا. بربِّكم، هل من أحد ندم على صمته أم على كلامه؟
إن لغة الصمت هي لغة العظماء، فهي لغة أقوى وأبلغ من الكلام. هو العلم الأصعب من علم الكلام، فالصمت هو ما يصعب على الكلّ تفسيره، وهو أفضل جواب عن كلّ سؤال. والصمت أيضًا هو لغة الضعفاء الذين يخافون الكلام والذين رضخوا لواقعهم. فهو يجمع بين طيّاته أضداداً، قليلها سلبي وكثيرها إيجابي.
الصمت يمدّك بطاقة قويّة، فيستكين تفكيرك، ويغوص الى أعماقه، تدخل الى أحداثك، ويكون تركيزك في إجاباتك أقوى وأنقى وأصفى، ويمنح عقلك قوّة عظيمة لا مثيل لها، يجعلك تسيطر على من هم أقوى منك، ترغمهم على الإفصاح عما يجول في داخلهم. وفي معظم الأحيان الصعبة، يولّد الاحترام، يدمّر أسلحة من تتشاجر معهم.
الصمت يعلّمك فنّ الإصغاء والإستماع الذي يفتقده معظم الناس. يقال: هو الحلّ الأمثل للمشاكل الزوجيّة التافهة. عندما يصمت شريكك، أصمت، فيتساءل عن السبب ويبدأ الكلام.
لا بدّ من لزوم الصمت أحيانًا ليسمعنا الآخرون (غلاسكو)
أصمت عندما يتحدّث البحر بصوت أمواجه، وحين يبتسم الطفل، وينمو غصن جديد على شجرة عتيقة، أو يغرّد عصفور.
أصمت عندما يكون الصمت هو اللغة الوحيدة للتفاهم في جوّ يسوده الكلام الفارغ والآراء المختلفة والعنجهيّة الفكريّة.
أصمت، عندما أجد أن الحديث في المجتمع هو حديث مملّ، ولا نتيجة من متابعة الكلام، فالنقاش مع الطرف الآخر لا يجدي نفعاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي- العراق - 15-4-2019
يعتقد البعضٌ أن صمت الإنسان هو عدم معرفته بالأمور أو جهله لبعض منها، لٰكن قد يكون الأمر مختلفـًا، فيقول أحدهم: "صمتى لا يعنى جهلى بما حولى، ولٰكنه يعنى أن ما حولى لا يستحق الكلام.". فهناك من يرى أن الصمت هو نوع من الترفع عن أحاديث وثرثرة لا تُجدى، ولا تؤدى نفعـًا لصاحبها فيفضّل أن يتوقف عن الكلمات، وأذكر كلمات قالها لى أحد أصدقائى: "أصمتُ أحيانا لأننى أعلم أن حديثى لن يغير شيئـًا.". أتفق أن التغيير الذى يَنشُده العالم يحتاج إلى العمل لا الكلمات، إلا أنه ينبغى لنا أن ننتبه لأن الصمت هنا هو لسببين: أولهما هو طرح أمور لا تستحق أن يضيع الإنسان فيها وقته، وثانيهما أن هناك صمتـًا يرى فيه صاحبه أن الكلمات لن تُجدى، وحينئذ وإن صمت ذٰلك الشخص عن الكلمات لٰكنه يجب أن يستمر فى أداء رسالته فى الحياة بالأعمال. ولٰكن، حذارِ أن تجعل صمتك أداة لجَرح الآخرين! كما عبّر عن ذٰلك "برنارد شو": "إن أداة الصمت هى أفضل تعبير عن الاحتقار."!
هناك سبب آخر لصمت بعض الناس، فهم يرَون فيه خيرًا لهم لأنه يكون وسيلتهم فى طريق الحياة ليتعلموا حكمة السير فيه؛ فبالصمت يُصغون جيدًا إلى ما يقال ومن ثم يتعلمون؛ فتصبح الكلمات التى يستمعون لها مصباحـًا يَهديهم فى ظلام الطريق، أو مرشدًا يحمى من أخطاء من الممكن أن تحدث فيتجنبون الوقوع فيها، فتخفف هٰذه الكلمات من أخطار المسير؛ وهنا يكون استخدام الصمت فى حياة الإنسان هو محاولة اكتساب مزيد من الحكمة. ويتحدث الكاتب الشاعر "جُبران خليل جُبران" عن الصمت والكلام، فيقول: "قد يكون فى الكلام بعض الراحة، وقد يكون فى الصمت بعض الفضيلة.".
للصمت فن، فإذا كنتَ فنانـًا فى صمتك، أصبحتَ مبدعـًا فى كلامك.". جالت هٰذه الكلمات فى فكرى، ونحن فى حياة أصبحت تمتلئ بالأحرف والكلمات: إن الجميع يتحدثون، فهل من مستمع لتلك الكلمات
صمتك وقت غضبك قوة .....صمتك وقت فوزك ثقة .....صمتك وقت عملك ابداع ....صمتك وقت سخريتهم ترفع ....صمتك وقت نصيحة الناس لك ادب ...صمتك وقت حزنك صبرواحتساب للاجر....أحيانـًا يكون الصمت أبلغ من الكلام، وأكثر فائدة ونفعـًا، أو على الأقل قد يكون أقل ضررًا. الصمت قد يكون فيه حكمة وقوة، وقد يكون فيه نُبل ورسالة.
منذ مدة وأنا أقلب الفكر في موضوع الصمت، هل هو رذيلة أوهو بالأحرى نقص في صفات الكمال؛ أم أنه فضيلة تكتمل بها الشخصية المتوازنة وتتجمل بحسنها..... تأملت المسألة طويلاً في ظل زمان انقلبت فيه الموازين، وتغيرت فيها ملامح الأشياء وقيمتها ومكانتها في العقل والوجدان. وكلما هممت بالكتابة أجد «الصمت» يدعوني للتريث واختبار المعاني أكثر فأكثر قبل النطق بها.
كيف انقلبت الموازين بهذا الشكل!؟ ألم يقولوا قديماً: «إذا تمَّ العقل نقص الكلام». قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي: (من صمت نجا) قال الغزالي: «هذا من فصل الخطاب وجوامع كلمه صلى اللّه عليه وسلم وجواهر حكمه، ولا يعرف ما تحت كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء، وذلك أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من نحو كذب وغيبة ونميمة ورياء ونفاق وفحش ومراء وتزكية نفس وخوض في باطل، ومع ذلك إن النفس تميل إليها»، ثم يعدد الغزالي فضائل الصمت «في الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار وفراغ الفكر للعبادة والذكر والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة»...ويروى أنه التقى بعض الملوك، فأجمعوا على مدح الصمت. قال أحدهم: «أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل» وقال آخر: «أنا على ردّ ما لم أقلّ أقدر مني على ردّ ما قلتُ»
وقد يعجب البعض من جرأة المتعلمين في الخوض في كل وادٍ دون روية؛ لكن زيج زيجلر يقول: «ثُلث ما يتعلمه حاملو درجة الدكتوراه من علم يأتي من خلال دراستهم الأكاديمية فقط، أما الباقي فيكون حصيلة التأمل والمراقبة أثناء سنوات عمرهم الباقية. لذا فليس كل متعلم مفكِّر».
ثم متى ندرك أن الإنجازات لا تتولد في الضجيج؛ بل تتشكل ملامحه في سكون الصمت والتأمل العميق. يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله: «لا أقبل شيئاً على علاته، وهذا ما أصابني بداء التأمل».
بالتأكيد؛ الصمت ليس محموداً على الإطلاق لكننا نعيش في زمن تزاحمت الأفواه من حولنا وتشابكت الألسن ووقع في شراكها خلق كثير. قال صلى الله عليه وسلم «رحم الله امرأً تكلم فغنم أو سكت فسلم».
العالم لا يتوقف عن الكلام، ولا يُقدّر الصمت، ويُصفّق دائماً لمن يتحدث أكثر، ويصفه بالانفتاح والحضور والاجتماعية وسعة الأفق.. بل أصبحت الانطوائية والميل إلى السكوت مرض يتنصّل منه البعض، وتنهال على صاحبه الأوصاف السوداء تارة والساخرة تارة أخرى من معقد ومغلق ومحدود الفكر وكئيب.. هل نحن في زمن قلب الحقائق وتبدل المفاهيم الراسخة على مر العصور، أم أننا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا وذاتنا؟ أسئلة تطرح نفسها وتحتاج منا إلى إجابات حاسمة كي لا نضل الطريق.
فضيلة الصمت .
ـــــــــــــــــــ قديما قالوا: "إذا تمَّ العقل نقص الكلام". وأثني احدهم علي فضيلة الصمت فقال: "هو زينة بدون حلية، ووهيبة بدون سلطان، وحصن بدون حائط".
رأيتُ الكلام يزينُ الفتى *** والصَّمتُ خير لمن قد صَمَتْ
فكم من حروفٍ تجرُّ الحتوفَ *** ومن ناطقٍ ودّ أن لو سَكَتْ
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صمت نجا)) [أحمد والترمذي] أي من صمت عن النطق بالشر، قال الغزالي: "هذا من فصل الخطاب وجوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - وجواهر حكمه، ولا يعرف ما تحت كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء، وذلك أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من نحو كذب وغيبة ونميمة ورياء ونفاق وفحش ومراء وتزكية نفس وخوض في باطل، ومع ذلك إن النفس تميل إليها لأنها سباقة إلى اللسان ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع والشيطان، فالخائض فيها قلما يقدر على أن يلزم لسانه فيطلقه فيما يحب ويكفه عما لا يحب، ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار وفراغ الفكر للعبادة والذكر والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة".
عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عظني وأوجز، فقال: (( إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا، وَاجْمَعْ الْإِيَاسَ مِمَّا فِي يَدَيْ النَّاسِ)) [رواه أحمد]
روي أنه التقى أربعة من أذكياء الملوك: ملك الهند، وملك الصين، وملك الفرس، وملك الروم.. فاجتمعوا على ذم الكلام ومدح الصمت، فقال أحدهم: "أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل" وقال الآخر: "إنّي إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني" وقال الثالث: "عجيب للمتكلم، إن رجعت عليه كلمته ضرّته، وإن لم ترجع لم تنفعه"، وقال الرابع: "أنا على ردّ ما لم أقلّ أقدر مني على ردّ ما قلتُ"
اعمل أكثر مما تتكلم
ــــــــــــــــــــــــــ الصامتون من خير أهل الأرض.. هم من يصنعون التغيير ويُضيفون كثيراً في عصر الثرثرة.. الفئة النادرة التي تعمل أكثر مما تتكلم.
يقول زيجلر: "ثُلث ما يتعلمه حاملو درجة الدكتوراه من علم يأتي من خلال دراستهم الأكاديمية فقط، أما الباقي فيكون حصيلة التأمل والمراقبة خلال سنوات عمرهم الباقية، لذا فليس كل متعلم مفكِّر".
إن الإنجاز لن يولد في الضجيج بل تتشكل ملامحه وسط غابات من الصمت ومن السكون، والانطوائية ليست عيباً، بل دليل نبوغ في أحيانٍ كثيرة.
والصمت يمنحك طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك والتركيز بعقلانية على إجابتك.. قال د. عبد الوهاب المسيري - رحمه الله -: «لا أقبل شيئاً على علاته، وهذا ما أصابني بداء التأمل».
لكل حالة لبوسها
ــــــــــــــــ جعل الله - تعالى -الصمت ستراً على الجاهل، وزيناً للعالم.. روي أن رجلاً كان يجلس إلى أبي يوسف، تلميذ أبي حنيفة، ويطيل الصمت، فقال له أبو يوسف يوماً: ألا تتكلم؟ فقال بلى: متى يفطرُ الصائم؟ فأجابه: إذا غابت الشمس، فقال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف، وقال: لقد أصبت في صمتك وأخطأت أنا في طلبي لنطقك، ثم قال:
عجبتُ لأزراءِ العيي بنفسهِ *** وصمتُ الذي كان بالصمتِ أعلما
وفي الصمتِ سترٌ للعيي *** وإنما صحيفةُ لبّ المرءِ أنْ يتكلّما
فالصمت ليس محموداً على الإطلاق والكلام أيضاً.. بل يبقى لكل مقام مقال، ولكل حالة لبوسها، ولو كان الصمت فضيلة بإطلاق لماتت النصائح الصادقة وغاب التوجيه السديد وفقدنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ميز هذه الأمة وقامت عليه خيريتها.. تعيش الكلمةُ الصادقة ويُخلد صاحبها، ويبقى في وجدان الناس ويسكن ذاكرة قلوبهم، أما الضجيج الكاذب فربما يبقى قليلا لكن سيظل هشا مُهمشاً في زاوية الصخب.. سيعيش نكرة ويمضي نكرة، ويموت في جوف الفراغ سراباً بلا معنى.
إن الصمت وإن صاحبه سلامة مؤقتة لكنه مسمار يُدَقُ في نعش الفضيلة، قال - تعالى -: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78-79]
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله امرءا تكلم فغنم أو سكت فسلم)) [صحيح الجامع: 3492] وأفهم بذلك أن قول الخير خير من السكوت لأن قول الخير ينتفع به من يسمعه والصمت لا يتعدى صاحبه.
- ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) [متفق عليه] قال القرطبي: "معناه أن المصدق بالثواب والعقاب المترتبين على الكلام في الدار الآخرة لا يخلو إما أن يتكلم بما يحصل له ثواباً أو خيراً فيغنم أو يسكت عن شيء فيجلب له عقاباً أو شراً فيسلم، وعليه فـ «أو» للتنويع والتقسيم، فيسن له الصمت حتى عن المباح لأدائه إلى محرم أو مكروه، وبفرض خلوه عن ذلك فهو ضياع الوقت فيما لا يعنيه، و((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
وأفاد الخبر أن قول الخير خير من الصمت لتقديمه عليه. وأنه إنما أمر به عند عدم قول الخير.. قال القرطبي: "وقد أكثر الناس الكلام في تفصيل آفات الكلام وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر وحاصله أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان وأعظمها في الهلاك والخسران فالأصل ملازمة الصمت إلى أن يتحقق السلامة من الآفات والحصول على الخيرات، فحينئذ تخرج تلك الكلمة مخطومة وبأزمة التقوى مزمومة".
قال ابن القيم - رحمه الله -: ".. وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى للدين، وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نُوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذَّل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بُلوا في الدنيا بأعظم بليه تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل".
وقال أحدهم: "الصمت عن الخنا، أفضل من الكلام بالخطا".
وقال شمس الدين السفاريني: "المعتمد أنَّ الكلام أفضل؛ لأنَّه من باب التحلية، والسكوت من التخلية، والتحلية أفضل، ولأنَّ المتكلم حصل له ما حصل للساكت وزيادةٌ، وذلك أنَّ غاية ما يحصل للساكت السلامة، وهي حاصلةٌ لمن يتكلم بالخير مع ثواب الخير"
عندما أرغب في الكلام، أصمت. وعندما أتقن لغة الكلام، أصمت.
الصمت، فنٌّ، من يتقنه لا يخفق أبداً في تحقيق مراده، في أيّ ظرف كان، أو موقف، أو زمن. فالصمت لغة، مثل لغات العالم، تضيفها الى رصيد معرفتك.
يقول وليم هنريت: "الصمت فنّ من فنون الكلام".
من بلغ النضج العقلي ولديه الحكمة الكافية من الخبرة، تكلّم صمتًا. بربِّكم، هل من أحد ندم على صمته أم على كلامه؟
إن لغة الصمت هي لغة العظماء، فهي لغة أقوى وأبلغ من الكلام. هو العلم الأصعب من علم الكلام، فالصمت هو ما يصعب على الكلّ تفسيره، وهو أفضل جواب عن كلّ سؤال. والصمت أيضًا هو لغة الضعفاء الذين يخافون الكلام والذين رضخوا لواقعهم. فهو يجمع بين طيّاته أضداداً، قليلها سلبي وكثيرها إيجابي.
الصمت يمدّك بطاقة قويّة، فيستكين تفكيرك، ويغوص الى أعماقه، تدخل الى أحداثك، ويكون تركيزك في إجاباتك أقوى وأنقى وأصفى، ويمنح عقلك قوّة عظيمة لا مثيل لها، يجعلك تسيطر على من هم أقوى منك، ترغمهم على الإفصاح عما يجول في داخلهم. وفي معظم الأحيان الصعبة، يولّد الاحترام، يدمّر أسلحة من تتشاجر معهم.
الصمت يعلّمك فنّ الإصغاء والإستماع الذي يفتقده معظم الناس. يقال: هو الحلّ الأمثل للمشاكل الزوجيّة التافهة. عندما يصمت شريكك، أصمت، فيتساءل عن السبب ويبدأ الكلام.
لا بدّ من لزوم الصمت أحيانًا ليسمعنا الآخرون (غلاسكو)
أصمت عندما يتحدّث البحر بصوت أمواجه، وحين يبتسم الطفل، وينمو غصن جديد على شجرة عتيقة، أو يغرّد عصفور.
أصمت عندما يكون الصمت هو اللغة الوحيدة للتفاهم في جوّ يسوده الكلام الفارغ والآراء المختلفة والعنجهيّة الفكريّة.
أصمت، عندما أجد أن الحديث في المجتمع هو حديث مملّ، ولا نتيجة من متابعة الكلام، فالنقاش مع الطرف الآخر لا يجدي نفعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق