الأحد، 2 فبراير 2020

إبداع تحت الأضواء.... إعداد وتقديم عبد المجيد زين العابدين

الْحَلَقَـــــــةُ السَّـــــادِسَـــــةُ:
مَوْعِدُهَا :السَّبْتُ 01/02/2020
*النَّصُّ الْسَّابِعُ  [06]: " تُصَارِعُنَا الْمَنَايَا "، وَصَاحِبُهُ الْمَخْصُوصُ بِالتَّكْرِيمِ:
مَحْمُود يُونِسُ مَنْصُور
تُصَارِعُنَا الْمَنَايَا
تُصَارِعُنَــــا الْمَنَايَا كُلَّ يَومٍ
 وَتَصْرَعُ مَنْ تَشَاءُ مِنَ الْعِبَادِ
 وَيَمْضِي الْعُمْرُ مُكْتَمِلَ الثَّنَايَا
 وَيَطْوِي مَنْ يَنَامُ عَلَى الرَّمَادِ
 وَتَسْبِقُنَا الْأُلُوفُ بِكُلِّ بَابٍ
 وَخَلْفَ الْبَابِ تَرْضَى بِاِنْقِيَادِ
 وَتَسْخَرُ فِي الْفَسِيحِ بِلَا صِرَاعٍ
 وَعِنْدَ السَّدِّ تُصْبِحُ بِاِنْسِدَادِ
******************
 وَتَدْعُونَا الْبِلَادُ لِيَوْمِ فَخْرٍ
 وَعِنْدَ الْحَرْبِ تَعْرِفُ مَنْ تُنَادِي
 حُمَاةَ الْحَقِّ قَدْ صَارُوا فُرَادَى
 وَقَدْ حَصَلُوا عَلَى مَجْدِ الْبِلَادِ
 وَثَارَتْ ثَوْرَةَ الْإِيمَانِ لَمَّا
 طَلَبْنَا الْمَجْدَ..هَيَّا لِلْجِهَادِ
 مَحْمُود يُونُس مَنْصُور
 حِمَّص..سُورِي
** نَظْرَةٌ فِي شَكْلِ النَّصِّ وَمَضْمُونِهِ **
01/التَّقْدِيمُ :
هَذَا الْقَصِيدُ مِنْ فِئَةِ الشِّعْرِ الْكَلَاسِيكِيِّ، ذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ عَلَى بَحْرٍ مِنَ الْبُحُورِ الْخَلِيلِيَّةِ وَاِسْمُهُ الْوَافِرُ،
وَقَدْ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ الشَّاعِرُ مَحْمُود يُونُس مَنْصُور السُّورِيُّ الْأَصْلِ مِنْ دُونِ عِنْوَانٍ ،فَاُضْطُرِرْتُ إِلَى تَعْيِينِهِ اِنْطِلَاقًا  مِنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَتَصَدَّرُ طَالِعَهُ وَهْيَ :"تُصَارِعُنَا الْمَنَايَا " وَفَاءً لِلشَّاعِرِ وَرُوحِ الْقَصِيدِ .
02/ مَوْضُوعُ النَّصِّ:
حَاجَةُ سُورِيَا إِلَى أَبْنَائِهَا لِحِمَايَتِهَا إِبَّانَ الْحَرْبِ وَاِشْتِدَادِهَا عَلَى الْمُوَاطِنِينَ .
03/الْبَحْرُ:
شَاءَ الشَّاعِرُ هُنَا أَنْ يَكْتُبَ عَلَى بَحْرٍ خَلِيلِيٍّ يُسَمَّى بَحْرَ الْوَافِرِ، وَتَفْعِيلَاتِهِ :مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعُولُنْ **فِي الصَّدْرِ وَمِثْلُهَا فِي الْعَجُزِ .لِنَأْخُذِ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ وَلْنَكْتُبْهُ كِتَابَةً عَرُوضِيَّةً كَالْآتِي:
تُصَارِعُنَلْ مَنَايَا كُلْ لَ يَوْمِنْ **وَتَصْرَعُ مَنْ تَشَاءُ مِنَلْ عِبَادِ .  يُقَابِلُ هَذِهِ الْكِتَابَةَ الْعَرُوضِيَّةَ مَا يَلِي مِنَ التَّفْعِيلَاتِ ،أَيْ :مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلْتُنْ فَعُولُنْ **مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعُولُنْ .
نُلَاحِظُ أَنَّ التَّفْعِيلَةَ الْأُولَى أَصْلِيَّةٌ وَهْيَ: مُفَاعَلَتُنْ، أَمَّا التَّفْعِيلَةُ الثّانِيَةُ فَحَصَلَ بِهَا تَغْيِيرٌ تَمَثَّلَ فِي تَسْكِينِ الَّلامِ ،لِذَلِكَ أَصْبَحَتْ :مُفَاعَلْتُنْ الَّتِي هِيَ عَلَى وَزْنِ مَفَاعِيلُنْ ،أَمَّا التَّفْعِيلَةُ الثَّالِثَةُ، فَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ .أَمَّا الْعَجُزُ، فَقَدْ جَاءَتْ مُفَاعَلَتُنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ سَالِمَتَيْنِ خَالِيَتَيْنِ مِنَ التَّغْيِيرِ ،وَالتَّفْعِيلَةُ الثَّالِثَةُ جَاءَتْ هِيَ الْأُخْرَى خَالِيَةً مِنَ التَّغْيِيرِ أَيْ عَلَى وَزْنِ فَعُولُنْ .
*التَّغْيِيرَاتُ:
التَّغْيِيرُ الْإِيقَاعِي الْوَحِيدُ الْحَاصِلُ فِي الْقَصِيدِ، هُوَ :مُفَاعَلَتُنْ يَأْتِي بِهَا الشَّاعِرُ، مَرَّاتٍ،  سَالِمَةً مِنَ التَّغْيِيرِ ،وَمَرَّاتٍ أُخْرَى  تُصْبِحُ مُفَاعَلْتُنْ الَّتِي هِيَ عَلَى وَزْنِ مَفَاعِيلُنْ.
مُلَاحَظَةٌ:
اِسْتَعْمَلَ الشَّاعِرُ فِي عَجُزِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، اِسْمَ الْمَوْصُولِ :"مَا" فِي قَوْلِهِ :" وَتَصْرَعُ مَا تَشَاءُ مِنَ الْعِبَادِ" ،وَلِأَنَّ مَا اِسْمٌ مَوْصُولٌ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ ،فَصَوَابُهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْاِسْمَ الْمَوْصُولَ الْخَاصَّ بِالْعَاقِلِ، وَهْوَ :"مَنْ"  ،ذَلِكَ أَنَّ مَدَارَ حَدِيثِ شَاعِرِنَا الْمُكَرَّمِ إِنَّمَا هُوَ حَوْلَ الْعِبَادِ.
حَازُوا عَلَى : لَا نَقُولُ حَازَ عَلَى الشَّيْءِ فِي لُغَتِنَا الْعَرَبِيَّةِ الْفَصِيحَةِ،وَإِنْ لَاحَظْنَا تَفَشِّيَ اِسْتِعْمَالِهِ الْيَوْمَ ،فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ دَائِرَةِ الْخَطَإِ الشَّائِعِ ، وَالصَّوَابُ أَنْ نَقُولَ :حَازَ الشَّيْءَ لِأَنَّ حَازَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ لِذَلِكَ أَبْدَلْتُهُ بِالْفِعْلِ حَصَلَ الَّذِي يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ عَلَى ،فَنَقُولُ :حَصَلَ عَلَى ،وَذَلِكَ حِفَاظًا عَلَى سَلَامَةِ الْوَزْنِ مِنْ جِهَةٍ مَعَ الْفِعْلِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي وَجَبَ اِسْتِعْمَالـُــهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ ،وَرَجَائِي أَنْ يَقْبَلَ شَاعِرُنَا الْمُكَرَّمُ هَذَا التَّصْوِيبَ.
04/الْعَنَاصِرُ:
الْقَصِيدُ مُتَكَوِّنٌ فِي جُمْلَتِهِ مِنْ سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ ،يُمْكِنُ تَقْسِيمُهُ إِلَى عُنْصُرَيْنِ اِثْنَيْنِ كَالتَّالِي :
1- مِنْ بِدَايَةِ النَّصِّ إِلَى الْبَيْتِ الرَّابِعِ أَيْ إِلَى قَوْلِهِ : بِاِنْسِدَادِ .
اِشْتِدَادُ وَطِيسِ الْحَرْبِ عَلَى سُورِيَا
1- مِنَ الْبَيْتِ الْخَامِسِ أَيْ قَوْلِهِ :وَتَدْعُونَا الْبِلَادُ إِلَى نِهَايَةِ الْقَصِيدِ أَيْ قَوْلِهِ : هَيَّا لِلْجِهَادِ.
حَاجَةُ الْبِلَادِ إِلَى أَبْنَائِهَا لِحِمَايَتِهَا .
05/الشَّاعِرُ مَحْمُود يُونُس مَنْصُور :
مِنَ الْوَاضِحِ، لِقَارِئِ أَبْيَاتِ هَذَا الْقَصِيدِ، أَنَّ الشَّاعِرَ مُتَأَثِّر ٌجِدًّا بِأَهْوَالِ الْحَرْبِ ،وَهْوَ يُشْعِرُكَ بِهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْطِنٍ،مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُظْهِرُ سَلْبِيَّتَهُ أَوْ سَلْبِيَّةَ الْمُوَاطِنِينَ ،بَلْ سَلْبِيَّةَ الْبِلَادِ بِطُمِّ طَمِيمِهَا إِزَاءَهَا وَإِزَاءَ أَهْوَالِهَا وَمَظَاهِرِهَا . اُنْظُرْ إِلَيْهِ، وَهْوَ يَسْتَهِلُّ أَبْيَاتَهُ بِاِسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ تُصَارِعُنَا فِي مَطْلَعِ صَدْرِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ عِلْمًا بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمَنُونِ أَيِ الْمَوْتِ ،وَكَذَلِكَ يُعِيدُ الْفِعْلَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ فِي مَطْلَعِ عَجُزِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَيْضًا.
بَيْنَمَا نَجِدُ الشَّاعِرَ يُعَمِّمُ فِي صَدْرِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِاِسْتِعْمَالِهِ فِعْلَ" صَارَعَ" ،ذَلِكَ أَنَّ صِيغَةَ :"صَارَعَ" الَّتِي هِيَ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ تُفِيدُ الْمُشَارَكَةَ،فَالْمَوْتُ يَصْرَعُ الْبَعْضَ أَمَّا الْبَعْضُ الْآخَرُ، فَكَأَنَّهُ، بِبَقَائِهِ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ ،يَصْرَعُ الْمَوْتَ هُوَ الْآخَرُ، بِأَنْ لَا يَدَعَ لَهُ مَنْفَذًا لِمُصَارَعَتِهِ مِنْ خِلَالِ حِيَلِهِ فِي الْاِمْتِنَاعِ عَنْهُ .
يَتَقَدَّمُ بِنَا الشَّاعِرُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي لِيَكْشِفَ لَنَا عَنْ ظَاهِرَةِ الْفَقْرِ الَّتِي اِنْتَشَرَتْ بِحُكْمِ الْحَرْبِ ،وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :"وَيَطْوِي مَنْ يَنَامُ عَلَى الرَّمَادِ " أَيْ يَبَاتُ طَاوِيًا جَائِعًا كُلُّ مَنْ يَفْتَرِشُ الْأَرْضَ .
زِدْ عَلَى ذَلِكَ اِسْتِعْمَالَهُ أَفْعَالًا تُوَاصِلُ الْإِفَادَةَ بِسَلْبِيَّةِ الْإِنْسَانِ أَمَامَ جُنُونِ الْحَرْبِ وَهَيَجَانِهَا ،وَمِنْ تِلْكُمُ الْأَفْعَالِ :وَ"يَمْضِي"( وَهْوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ الْعُمُرِ ) "وَتَسْبِقُنَا" الْأُلُوفُ ،وَفِي اِجْتِمَاعِهَا رُبَّمَا دَلَّتْ عَلَى الْقُلِّ وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ ،وَ"تَرْضَى " وَ"تُصْبِحُ "،وَكُلُّهَا أَفْعَالٌ تَدُلُّ عَلَى سَلْبِيَّةِ الْإِنْسَانِ أَمَامَ وَطْأَةِ الْحَرْبِ وَهَيَجَانِهَا وَجُنُونِهَا .كُلُّ هَذَا نَلْمَسُهُ فِي الْأَبْيَاتِ الْأرَبْعَةِ الْأُولَى، أَمَّا فِي الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَبَقِّيَةِ ،فَتَتَغَيَّرُ لَهْجَتُهُ إِذْ أَنَّهُ يُصْبِحُ يَتَحَدَّثُ عَنِ اِسْتِحْثَاثِ الْمُوَاطِنِ لِحَزْمِ أُمُورِهِ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْبِلَادِ بِحَدِيثِهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ عَنِ الْبِلَادِ ذَاتِهَا الَّتِي تَبْدُو فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَى مَنْ يُدَافِعُ عَنْهَا ، وَفِي الْمُقَابِلِ تَبَانُ الْفَجْوَةُ عَمِيقَةً ،وَذَلِكَ لِتَفَاوُتِ الْقُوَى بَيْنَ
أَصْحَابِ الْبِلَادِ وَبَيْنَ الْعَنَاصِرِ الَّتِي أَجَّجَتِ الْحَرْبَ فِي سُورِيَا ،هَذِي الْبِلَادِ الَّتِي كَانَتْ بِالْأَمْسِ الْقَرِيبِ جَنَّةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَكَانَ عِبَادُهَا مِنْ أَلْطَفِ الْعِبَادِ وَأَشَدِّهِمْ تَمَسُّكًا بِمَعَانِي الدِّينِ وَحَمِيدِ الْأَخْلَاقِ، وَأَشَدَّهُمْ حَيَوِيَّةً وَنَشَاطًا ،وَمَا أَكْثَرَ مَا فِيهَا مِنْ صِنَاعَاتٍ خَفِيفَةٍ وَثَقِيلَةٍ وَمَا أَشَدَّ تَنَوُّعَهَا .
06/ كَلِمَةُ الْخِتَامِ :
الْقَصِيدُ كَلَاسِيكِيُّ الْوَزْنِ ،فَقَدْ جَاءَ عَلَى بَحْرِ الْوَافِرِ،وَهَذَا الْبَحْرُ كَثِيرُ الْاِسْتِعْمَالِ، قَدِيمًا فِي الْحَرْبِ ، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ  فِي الْعَصْرِ الْجَاهِلِيِّ، أَوْ فِيمَا بَعْدَهُ .
خُذْ لِذَلِكَ مَثَلًا نُونِيَّةَ عَمْرِو بْنِ كَلْثُومٍ فِي الْعَهْدِ الْجَاهِلِيِّ (أَوَاخِرِالْقَرْنِ السَّادِسِ وَأَوَائِلِ الْقَرْنِ السَّابِعِ لِلْمِيلَادِ)،وَهْوَ مِنْ قَبِيلَةِ تَغْلِبَ ، قَبِيلَةٍ كَانَ لَهَا وَزْنُهَا فِي ذَلِكُمُ الْعَهْدِ ،حَيْثُ إِنَّهَا كَانَتْ مُنْتَشِرَةً فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ،وَكَانَتْ تَكِنُّ عِدَاءً مَقِيتًا لِقَبِيلَةٍ أُخْرَى مُجَاوِرَةٍ ، وَهْيَ قَبِيلَةُ بَكْرٍ ،  وَقَدْ قَامَتْ بَيْنَهُمَا حُرُوبٌ عَدِيدَةٌ ،أَسَاسُهَا الْمُفَاخَرَةُ بِالْأَصْلِ وَبِالشَّهَامَةِ وَبِالرِّجَالِ مِنَ الْفُرْسَانِ الْأَشَاوِسِ ،وَالْاِنْتِصَارَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الْحُرُوبِ الَّتِي يَخُوضُونَهَا. يَقُولُ شَاعِرُهَا عَمْرُو بْنُ كَلْثُومٍ  فِي مَطْلَعِهَا :
"أَلَا هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاِصْبِحِينَا **وَلَا تُبْقِي خُمُورَ الْأَنْدَرِينَا "
وَلْنَأْخُذْ لَامِيَّةَ أَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي الَّذِي عَاشَ فِي الْقَرْنِ الْعَاشِرِ الْمِيلَادِي وَتَحْدِيدًا بَيْنَ سَنَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ وَتِسْعِمِائَةٍ ( 915 لِلْمِيلَادِ)وَسَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ (965 )لِلْمِيلَادِ، حَيْثُ يَقُولُ :
"رَمَانِي الدَّهْرُ بِالْأَرْزَاءِ حَتَّى **فُؤَادِي فِي غِشَاءٍ مِنْ نِبَالِ
فَصِرْتُ إِذَا أَصَابَتْنِي سِهَامٌ **تَكَسَّرَتِ النِّصَالُ عَلَى النِّصَالِ".
هَاتَانِ عَيِّنَتَانِ أَرَدْتُ بِهِمَا بَيَانَ صِلَةِ بَحْرِ الْوَافِرِ بِالْحَرْبِ وَالْحَمَاسَةِ ،وَالْأَمْثِلَةُ غَيْرُهُمَا كَثِيرَةٌ .
لَكِنْ عِنْدَمَا نَعُودُ إِلَى شَاعِرِنَا مَحْمُود يُونُسَ مَنْصُور ،فَإِنَّنَا نَنْتَقِلُ إِلَى شَاعِرٍ مُعَاصِرٍ مُسْتَنِيرٍ  يَحْمِلُ هَمَّ بِلَادِهِ ،مُبَيِّنًا لِلْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، مَا صَارَتْ إِلَيْهِ بِلَادُهُ مِنِ تَدَهْوُرٍ وَاِنْحِدَارٍ وَتَشَتُّتٍ وَعَجْزٍ وَتَبَعِيَّةٍ ،وَمَا قَدْ خَلَّفَتِ الْحَرْبُ فِيهَا مِنْ دَمَارٍ وَمَا خَلَّفَتْ فِي صُفُوفِ سُكَّانِهَا مِنْ مَجَازِرَ،وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ مِنْهُ إِنْ هِيَ إِلَّا تَعْبِيرٌ شَدِيدَةٌ لَهْجَتُهُ  ، عَنِ اِسْتِنْكَارِهِ لِهَذَا الْوَضْعِ الْمُزْرِي الَّذِي آلَتْ إِلَيْهِ بِلَادُهُ.
لَئِنْ كَانَ الشَّاعِرُ مُسْتَنْكِرًا لِوَضْعِ بِلَادِهِ ، مُسْتَهْوِلًا وَيْلَاتِ الْحَرْبِ دَاخِلَهَا ، رَغْمَ أَنَّ الْعَصْرَ سِمَةُ الْعِلْمِ فِيهِ تَبَانُ قَوِيَّةً ،وَالتَّقَدُّمُ فِي مَجَالَاتِهِ تَبَانُ وَاضِحَةً ،وَبِالتَّالِي يَنْتَظِرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوَى الْإِنْسَانِيَّةِ رَاقِيًا مُتَقَدِّمًا وَمَحَامِدُ الْأَخْلَاقِ فِيهِ يَنْتَظِرُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ بَيِّنَةً ،بَيْدَ أَنَّ مَا حَصَلَ فِي بِلَادِهِ يَصْدِمُهُ،  إِلَّا أَنَّهُ ، فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ ،بِثَقَافَتِهِ وَمَا يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِقُدْرَةِ تَجَاوُزِ هَذِهِ الْأَزْمَةِ الْوَطَنِيَّةِ ،يَعُودُ إِلَى تَحْرِيكِ سَوَاكِنِ الْمُوَاطِنِ السُّورِيِّ وَيُحَمِّلُهُ مَسْؤُولِيَّتَهُ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا فِي إِنْقَاذِ وَطَنِهِ وَإِعَادَتِهِ إِلَى سَالِفِ تَأَلُّقِه.
*نِــــــــــــــــــــدَاءٌ :
يَا حَبَّذَا لَوْ أَنَّ الشُّعَرَاءَ أَوِ الشَّاعِرَاتِ الَّذِينَ يُرْسِلُونَ إِلَى مَجَلَّةِ شَهْرَزَادَ
نُصُوصَهُمُ الشِّعْرِيَّةَ يَشْكُلُونَهَا الشَّكْلَ التَّامَّ ،لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَعْلِيمِيَّةٌ بِالْأَسَاسِ ،
وَيَرْسُمُونَ فِي بِدَايَتِهَا أَوْ نِهَايَتِهَا مُوجَزًا عَنْ حَيَاتِهمْ :[ * وِلَادَتَهُمْ –
تَارِيخَهَا وَمَكَانَهَا *بَلَدَهُمْ وَجِنْسِيَّتَهُمْ * مِهْنَتَهُمْ * أَعْمَالَهُمْ :تَآلِيفَهُمْ إِنْ
كَانَتْ لَهُمْ تَآلِيفُ أَوْ أَنَّهُمْ يَعْتَزِمُونَ إِصْدَارَ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ *هِوَايَتَهُمْ
أَوْ هِوَايَاتِهِمْ ،لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لِلتَّعْرِيفِ بِهِمْ فِي صُورَةِ اِخْتِيَارِ إِحْدَى
قَصَائِدِهِمْ عِنْوَانًا لِتَكْرِيمِهِمْ ،وَلَرُبَّمَا يَقَعُ إِدْرَاجُهَا مُسْتَقْبَلًا فِي كُتُبِ
النُّصُوصِ ضِمْنَ الْبَرَامِجِ التَّرْبَوِيَّةِ لِغَايَةِ تَدْرِيسِهَا فِي إِحْدَى الْمَرْحَلَتَيْنِ :
الْإِعْدَادِيَّةِ أَوِ الثَّانَوِيَّةِ ،وَشُكْرًا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...