* أعزاءي القراء سلام الله عليكم.
أتمنى أن تنال هذه القصة رضاكم وتلقى تشجيعاتكم.
/ حرام . . والله حرام ياأبي ! /
كان أبي يعمل كسائق أجرة ، وكانت أخطاؤه لاتعد ولا تحصى. كان من بين أخطائه ما يشفع له فيها جهله ، ويمكن للناس أن يغفروها له ، لكن كانت هناك أخطاء لا يمكن أن تغتفر ، لأن نتائجها ظلت معنا وعاشت فينا وأثرت على نفسيتنا ، ألا وهي الأخطاء التربوية . كان يسخر دائما من أمي فينعتها بالسادجة ويمني النفس بأن يطلقها يوما ليأتي بأحسن منها ، أما عني أنا فكان يقول بأني أشبه أمي في سداجتها ، والتي ورثتها حسب رأيه عن أمها. وكان يقول بأن أخي ذي العشر سنين ، والذي يصغرني بعامين أذكى مني بكثير ، بحيث كان يشبهه هو في ذكائه وقدرته على حل المشاكل ، إلى آخره. وياليته كان يقف عند هذا الحد ! كان يعز أخي أكثر مني ويفضله علي تفضيلا. كان يقبله كلما عاد إلى المنزل ، أما أنا ، ذلك الولد السادج حسب رأيه ، فلم يكن يعيرني أي اهتمام ، ولم أذكر يوما أنه قبلني بحرارة أو ضمني إلى صدره كما كان يفعل مع أخي . كان لهذا السلوك تأثير عميق على نفسيتي ، مما جعلني أفشل في دراستي، بل في كل شيء !
لقد بدأت مشاكلي النفسية تظهر للوجود بدخولي سن المراهقة ، حيث اختلط علي كل شيء ، وبدأ طريقي نحو الفشل الدراسي يرتسم أمام عيني ؛ فأنا لم أتجاوز عتبة السلك الأول ، أنا الذي كنت تلميذا نجيبا ، عندما كنت في المدرسة الإبتدائية . وأنا في السنة الأولى إعدادي ، أدركت أنني أصبحت غير قادر على التركيز ؛ أصبح انتباهي مشتتا ، وأصبحت عاجزا على فهم وتحصيل ما أدرسه داخل القسم ! كم مرة كنت أجد نفسي أنظر إلى الأستاذ وهو يشرح الدرس ، لكن عقلي يكون مع أبي ! مرة أراه يفتح دراعيه ليضم أخي إليه ويقبله بحرارة ؛ مرة أراه يأخذه من يده ، وقد تجاهل وجودي أنا ليصطحبه في سيارته من أجل جولة في المدينة ؛ مرة كنت أفاجأ به، وقد عاد متأخرا بالليل ليوقضه وقد خفت صوته ويناوله قطعة من الحلوى ، أو من الشكولاطة الباهضة الثمن. هل هذا من العدل في شيء ياأبتي ؟ لاأخفيكم القول ، أصبح إحساسي بالظلم يزيد يوما بعد يوم ، فتولدت لدي رغبة غريبة ومخيفة ، ألا وهي رغبة الإنتقام من أبي ؛ رغبة كانت نارها تتأجج بداخلي كلما نظرت إلى أخي الذي مايزال ينعم بحب أبي وتفضيله له علي وقد أصبحنا كبارا. أكثر من هذا ، أنا الذي كنت أحب جدا أخي ونحن أطفال صغار ، أصبحت أكن له هو الآخر ، ودون وعي مني نوعا من الكره ، والذي كان ينمو ويتطور مع مرور الأيام ؛ كان هذا الإحساس يعذبني ويسبب لي ألما كببرا ، لكن لم يكن في وسعي فعل أي شيء للتخلص منه. أما الأخطر فهو أنني أصبحت مع توالي الأيام أكره كل الأطفال الذين يتمتعون بحب آبائهم ، في الحي الذي نقطن به ، والذين يعيشون على قدم المساواة مع إخوانهم من طرف آباء واعين بمفهوم تربية الأطفال ؛ أصبحت أحس أن كرهي لهم في طريقه ليصبح شيئا مشروعا ، ككرهي لأبي أو أخي ! إحساس غريب وغير معقول، لكنه وللأسف موجود بداخلي ! لقد أصبحت أعيش اضطرابات نفسية حادة وغير مسبقة ، وارتفعت درجة حبي للإنتقام من أبي ، وكذا من أخي ، وأيضا من كل من هو محبوب لدى والديه من أبناء حينا ، وأصبحت شراستي تعادل شراسة حيوان مفترس لايعرف للرحمة معنى ، فوجدتني يوما ، وبدون أي شعور - نعم بدون أي شعور ! - أشبع أحد الأطفال ضربا ، وأكسر ظلما بعض أسنانه ، مما تسبب في حبسي لمدة ستة أشهر بالسجن المدني .
زارني أبي مرة واحدة وأنا في السجن ، ليس حبا في ، ولكن ليقول لي ، وباختصار شديد " عندما تغادر السجن لا تعد إلى البيت. أنا لاأحبك. "
تنهدت بعمق وقد اغرورقت عيناي دموعا ، لكن أبي لم يكثرت لهذا وانصرف وهو لايبالي. قلت في نفسي " أكيد ، سيكون العيش في الشارع ، مع أبناء الشوارع أرحم بكثير من العيش مع أب لايحبني ولا يعير وجودي أي اهتمام ! "
وتمضي الأيام والشهور . . لكم أن تتخيلوا ماشءتم عن حياتي في الشارع : ماذا آكل ، ماذا أشرب ، أين أنام ، إلى آخر ماهنالك ، لكن لايمكنكم أن تتخيلوا مدى الشوق والحنين الذين كنت أشعر بهما كلما تذكرت أمي ؛ فهي الشخص الوحيد الذي كنت أحبه في حياتي ، والذي كان يبادلني نفس الإحساس. بعد قضاء أكثر من ثلاثة أشهر في الشارع ، هاأنذا أفكر أن أعود إلى البيت يوما ، فقط من أجلها ! وعدت مساء أحد الأيام ! طرقت الباب ، فسمعت صوت أبي يقول : من ؟ من بالباب ؟ لم أجب. بعد لحظة ، فتح الباب. كان أبي من فتح. قال لي : ماذا تريد ؟ لم أجب وطأطأت رأسي ، فقال لي : اذهب إلى حال سبيلك ولا تعد هنا مرة أخرى.لقد سبق وقلت لك إني لا أحبك. هل نسيت ؟
انصرفت على الفور ، وفي هدوء تام ، دون أن أقول أي شيء. كانت الدموع تنهمر بغزارة من عيني ، وكنت أحس بأن قلبي سينفجر من شدة الغيظ.
بعد أقل من عشر دقائق ، سمعت أحدا يناديني باسمي ، كان صوت امرأة : إنها أمي ! كانت تهرول في مشيتها وهي تجفف دموعها بكفي يديها. هاهي ابتسامتها الجميلة تملأ الآن المكان. لم تعد تفصلني عنها سوى سنتيمترات . . أنا الآن في حضنها. ضمتني إلى صدرها وأنا أجهش بالبكاء. اختلطت دموعنا. قبلتني مرة وأخرى وثالثة . . الله ! أحسست أن الدنيا كلها أصبحت ملكي ، وأن الأمل في الحياة قد عاد إلي من جديد ! مشهد رائع ، لكنه سينتهي للأسف في نفس الثانية بحلول أبي في المكان. لم يقل شيئا ، لكن نظرته الشرسة كانت توحي بما لاتحمد عقباه.
عادت أمي إلى البيت وهي ترتجف من شدة الخوف من أبي ، فلربما كان ماأقدمت عليه سببا كافيا ليطلقها ، وعدت أنا من حيث أتيت وقد أدمى الفراق قلبي ، فلربما كانت هذه هي المرة الأخيرة التي أرى فيها أمي. أما عن فكرة الإنتقام من ابي ، فلقد تلاشت تماما أمام هذا الوضع الجديد الذي أتخبط فيه. أنا الآن بحاجة للبحث عن لقمة العيش لكي لاأموت جوعا ، وعن مكان آوي إليه ليقيني من شدة البرد القارس.
مصطفى دهور . أستاذ اللغة الفرنسية.
الدار البيضاء
أتمنى أن تنال هذه القصة رضاكم وتلقى تشجيعاتكم.
/ حرام . . والله حرام ياأبي ! /
كان أبي يعمل كسائق أجرة ، وكانت أخطاؤه لاتعد ولا تحصى. كان من بين أخطائه ما يشفع له فيها جهله ، ويمكن للناس أن يغفروها له ، لكن كانت هناك أخطاء لا يمكن أن تغتفر ، لأن نتائجها ظلت معنا وعاشت فينا وأثرت على نفسيتنا ، ألا وهي الأخطاء التربوية . كان يسخر دائما من أمي فينعتها بالسادجة ويمني النفس بأن يطلقها يوما ليأتي بأحسن منها ، أما عني أنا فكان يقول بأني أشبه أمي في سداجتها ، والتي ورثتها حسب رأيه عن أمها. وكان يقول بأن أخي ذي العشر سنين ، والذي يصغرني بعامين أذكى مني بكثير ، بحيث كان يشبهه هو في ذكائه وقدرته على حل المشاكل ، إلى آخره. وياليته كان يقف عند هذا الحد ! كان يعز أخي أكثر مني ويفضله علي تفضيلا. كان يقبله كلما عاد إلى المنزل ، أما أنا ، ذلك الولد السادج حسب رأيه ، فلم يكن يعيرني أي اهتمام ، ولم أذكر يوما أنه قبلني بحرارة أو ضمني إلى صدره كما كان يفعل مع أخي . كان لهذا السلوك تأثير عميق على نفسيتي ، مما جعلني أفشل في دراستي، بل في كل شيء !
لقد بدأت مشاكلي النفسية تظهر للوجود بدخولي سن المراهقة ، حيث اختلط علي كل شيء ، وبدأ طريقي نحو الفشل الدراسي يرتسم أمام عيني ؛ فأنا لم أتجاوز عتبة السلك الأول ، أنا الذي كنت تلميذا نجيبا ، عندما كنت في المدرسة الإبتدائية . وأنا في السنة الأولى إعدادي ، أدركت أنني أصبحت غير قادر على التركيز ؛ أصبح انتباهي مشتتا ، وأصبحت عاجزا على فهم وتحصيل ما أدرسه داخل القسم ! كم مرة كنت أجد نفسي أنظر إلى الأستاذ وهو يشرح الدرس ، لكن عقلي يكون مع أبي ! مرة أراه يفتح دراعيه ليضم أخي إليه ويقبله بحرارة ؛ مرة أراه يأخذه من يده ، وقد تجاهل وجودي أنا ليصطحبه في سيارته من أجل جولة في المدينة ؛ مرة كنت أفاجأ به، وقد عاد متأخرا بالليل ليوقضه وقد خفت صوته ويناوله قطعة من الحلوى ، أو من الشكولاطة الباهضة الثمن. هل هذا من العدل في شيء ياأبتي ؟ لاأخفيكم القول ، أصبح إحساسي بالظلم يزيد يوما بعد يوم ، فتولدت لدي رغبة غريبة ومخيفة ، ألا وهي رغبة الإنتقام من أبي ؛ رغبة كانت نارها تتأجج بداخلي كلما نظرت إلى أخي الذي مايزال ينعم بحب أبي وتفضيله له علي وقد أصبحنا كبارا. أكثر من هذا ، أنا الذي كنت أحب جدا أخي ونحن أطفال صغار ، أصبحت أكن له هو الآخر ، ودون وعي مني نوعا من الكره ، والذي كان ينمو ويتطور مع مرور الأيام ؛ كان هذا الإحساس يعذبني ويسبب لي ألما كببرا ، لكن لم يكن في وسعي فعل أي شيء للتخلص منه. أما الأخطر فهو أنني أصبحت مع توالي الأيام أكره كل الأطفال الذين يتمتعون بحب آبائهم ، في الحي الذي نقطن به ، والذين يعيشون على قدم المساواة مع إخوانهم من طرف آباء واعين بمفهوم تربية الأطفال ؛ أصبحت أحس أن كرهي لهم في طريقه ليصبح شيئا مشروعا ، ككرهي لأبي أو أخي ! إحساس غريب وغير معقول، لكنه وللأسف موجود بداخلي ! لقد أصبحت أعيش اضطرابات نفسية حادة وغير مسبقة ، وارتفعت درجة حبي للإنتقام من أبي ، وكذا من أخي ، وأيضا من كل من هو محبوب لدى والديه من أبناء حينا ، وأصبحت شراستي تعادل شراسة حيوان مفترس لايعرف للرحمة معنى ، فوجدتني يوما ، وبدون أي شعور - نعم بدون أي شعور ! - أشبع أحد الأطفال ضربا ، وأكسر ظلما بعض أسنانه ، مما تسبب في حبسي لمدة ستة أشهر بالسجن المدني .
زارني أبي مرة واحدة وأنا في السجن ، ليس حبا في ، ولكن ليقول لي ، وباختصار شديد " عندما تغادر السجن لا تعد إلى البيت. أنا لاأحبك. "
تنهدت بعمق وقد اغرورقت عيناي دموعا ، لكن أبي لم يكثرت لهذا وانصرف وهو لايبالي. قلت في نفسي " أكيد ، سيكون العيش في الشارع ، مع أبناء الشوارع أرحم بكثير من العيش مع أب لايحبني ولا يعير وجودي أي اهتمام ! "
وتمضي الأيام والشهور . . لكم أن تتخيلوا ماشءتم عن حياتي في الشارع : ماذا آكل ، ماذا أشرب ، أين أنام ، إلى آخر ماهنالك ، لكن لايمكنكم أن تتخيلوا مدى الشوق والحنين الذين كنت أشعر بهما كلما تذكرت أمي ؛ فهي الشخص الوحيد الذي كنت أحبه في حياتي ، والذي كان يبادلني نفس الإحساس. بعد قضاء أكثر من ثلاثة أشهر في الشارع ، هاأنذا أفكر أن أعود إلى البيت يوما ، فقط من أجلها ! وعدت مساء أحد الأيام ! طرقت الباب ، فسمعت صوت أبي يقول : من ؟ من بالباب ؟ لم أجب. بعد لحظة ، فتح الباب. كان أبي من فتح. قال لي : ماذا تريد ؟ لم أجب وطأطأت رأسي ، فقال لي : اذهب إلى حال سبيلك ولا تعد هنا مرة أخرى.لقد سبق وقلت لك إني لا أحبك. هل نسيت ؟
انصرفت على الفور ، وفي هدوء تام ، دون أن أقول أي شيء. كانت الدموع تنهمر بغزارة من عيني ، وكنت أحس بأن قلبي سينفجر من شدة الغيظ.
بعد أقل من عشر دقائق ، سمعت أحدا يناديني باسمي ، كان صوت امرأة : إنها أمي ! كانت تهرول في مشيتها وهي تجفف دموعها بكفي يديها. هاهي ابتسامتها الجميلة تملأ الآن المكان. لم تعد تفصلني عنها سوى سنتيمترات . . أنا الآن في حضنها. ضمتني إلى صدرها وأنا أجهش بالبكاء. اختلطت دموعنا. قبلتني مرة وأخرى وثالثة . . الله ! أحسست أن الدنيا كلها أصبحت ملكي ، وأن الأمل في الحياة قد عاد إلي من جديد ! مشهد رائع ، لكنه سينتهي للأسف في نفس الثانية بحلول أبي في المكان. لم يقل شيئا ، لكن نظرته الشرسة كانت توحي بما لاتحمد عقباه.
عادت أمي إلى البيت وهي ترتجف من شدة الخوف من أبي ، فلربما كان ماأقدمت عليه سببا كافيا ليطلقها ، وعدت أنا من حيث أتيت وقد أدمى الفراق قلبي ، فلربما كانت هذه هي المرة الأخيرة التي أرى فيها أمي. أما عن فكرة الإنتقام من ابي ، فلقد تلاشت تماما أمام هذا الوضع الجديد الذي أتخبط فيه. أنا الآن بحاجة للبحث عن لقمة العيش لكي لاأموت جوعا ، وعن مكان آوي إليه ليقيني من شدة البرد القارس.
مصطفى دهور . أستاذ اللغة الفرنسية.
الدار البيضاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق