تمشي على استحياء
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي -العراق -22-11-2018
الحياء خلق عظيم جاء به الشرع، وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام، وأقرها، ورغَّب فيها وهو من أميز ما يميز المرأة المسلمة عن غيرها، حياء المرأة المسلمة هو رأسمالها فيه عزها، وبه تحفظ كرامتها، وشرف أهلها، وليس هناك امرأة صالحة لا يزين الحياء خلقها، قال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ"(رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
قال ابن القيم- رحمه الله -: (الحياء مشتق من الحياة، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء، يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ) (رواه البخاري).
قال ابن حبان: (فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر).
الحياء ضرورة في حياة المرأة المسلمة:
ـــــــــــــــــــ إن الحياء سياج يصون كرامة المسلمة، ويحفظ لها سلوكها بعيدًا عن الفحش، وأقوالها بعيدًا عن البذاءة، وبهذا ترتفع به عن السفاسف، وعندما يخرق هذا السياج، ويذهب الحياء فإن المقاييس جميعها يصيبها الخلل، ويصدر عن المسلمة عندئذ ما لا يتناسب مع تفردها وتميزها، والتكريم الذي كرمه الله تعالى بها.
وقد قيل في الحكم: (من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه).
وقال أبو حاتم: (إن المرء إذا اشتد حياؤه، صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه).
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: (من كسي الحياء ثوبه, لم ير الناس عيبه).
من الأمور التي لا يختلف فيها إثنان أن حياء المرأة أمر جميل جدا، ولاغبار على ذلك.. والحياء هنا بمفهومه الإيجابي لا السلبي (الخجل)، فالحياء لايعني المشي ببطىء ولا الكلام بتلعتم ولا التنازل عن حق .. السيدة باذخة الحياء في قصة موسى عليه السلام التي جاءته {تمشي على إستحياء} تدعوه عند أبيها ليشكر له جميله مع إبنتيه بعد أن سقى لهما، كان كلامها واضحا بدون تمتمة ولا تلعتم {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}، كانت ذكية، صاحبة قرار وذات حدس صحيح { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين } ولم تكن تخشى شيئا، كانت قوية وجريئة، حين ترغب في شيء تحققه حتى النهاية.
إستئذانها من أبيها و طرحها لما تحب أسلوب راقي بعيدا عن مدعيات الحداثة و المتجاوزات لحدود الأدب. كانت إمرأة تعرف ماتريد وقد وقع إختيارها على القوي الأمين وهذا يدل على حكمتها و بالفعل تزوجت نبي الله موسى عليه السلام ووفى بوعده لأبيها و أتم العشر سنوات، وظل يحترمها بعد ذلك ويكلمها بذوق وأدب {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون} إذ يستأذنها حين الذهاب ويخبرها بوضوح عن خطواته وغرضه من الذهاب، وهذا من حرصه عليها.
إن الحياء ذوق ورقي وأسلوب، وحلي من أجمل ماتتزين به النساء، إن الحياء ليس مرادف الخنوع والخضوع والجهل ولم يكن يوما بالتخلي عن ما نريده، ولا بالتنازل عن حق أو مبتغى .. الحياء لا يعني أن لا تكوني سيدة قرارك. كوني إمرأة كلامها واضح، تعرف ما تريد بل وأكثر من ذلك تعرف التصرف حيال ذلك، فليكن لك ذلك الحدس القوي الذي يميز بين مايستحق ومالا يستحق. الحياء أن لا تكوني مكبلة وأن لا تكوني مائعة، الحياء ذكاء بين ذلك وذاك.
"فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" 25 سورة القصص ". في الآية مؤشرات ودلائل على طبيعة الفتاة المسلمة الملتزمة التي تؤدي وظيفتها ورسالتها على أرفع صورة مع العفة والطهر والنقاء .
"جاءته" , الهاء عائدة على سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لأن أباها كلفها أن تذهب الى هذا الشاب ليكرمه، ولم يرسلها أبوها الى ذلك الشاب، إلا وهو واثق منها، ومن عفتها ويأمن عليها وهذا دل على ادبها عند أبيها.أما قوله إحداهما دلّ على إبهام تلك الفتاة، فليس لاسمها أهمية من حيث تفاصيل القصة، لا عندنا ولا عند موسى، لأنها مكلفة بمهمة خاصة، ومعنى الابهام هنا ان لا نخوض في تعيين اسمها ولا دليل على ذلك التعيين عندنا.وقوله تمشي ففيه دلالة على السير المقصود للفتاة، فالمشي فيه الأتزان والوقار، فهي ليست مسرعة ولا بطيئة بل بين بين.
ونجد روعة التعبير في قوله وتعالى,على استحياء، فالاستحياء تأكيد الحياء وأبلغ منه لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فالهمزة والسين والتاء تدل على التوكيد، لأن الحياء سيطر عليها وشمل كيانها كله، فهي ليست تعيش حالة حياء إنما تعيش حالة استحياء.
الصورة الفنية الرائعة التي يرسمها قوله تعالى تمشي على استحياء فإن حرف على يعني التمكن من الشيء والسيطرة عليه.والصورة المرسومة في الآية ليست تمكن من الشيء انما مشي على الشيء. انظروا إلى الشارع التي تمشي عليه وتضع عليه قدميها. إنه ليس شارعا مكونا من تراب او اسفلت او غير ذلك إنما هو شارع مكونٌ من الحياء، هل رأيتم الحياء مادة صناعية يصنع منها شارع ؟ هل رأيتم قدمي الفتاة وهي تمشي على ذلك الحياء ؟ هل رأيتم الحياء يسيطر على جسمها كله ولماذا الحياء ؟ لأنها ستخاطب رجلاً وتبغله دعوة ابيها .. فاضطربت وهي تسير في الطريق وكيف تكون خطواتها وهي تمشي على ذلك الاستحياء .
بلاشك هي صورة فنية رائعة تجسد فيها الحياء وتحول من خلق رفيع وفكرة طيبة ليكون شارعاً معبداً تمشي عليه تلك الفتاة .لكن ماذا قالت لموسى؟ ,قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا تخيل اضطرابها وقلقها وهي تنطق بهذه الكلمات والحياء قد سيطر عليها. فلتكن الفتيات الصالحات الملتزمات هكذا ، عندما يقمن بواجبهن في أداء أعمالهن الدعوية والاسلامية.
نماذج من حياء العفيفات
ـــــــــــــــــــ أثنى الله - عز وجل - على الفتاة العفيفة, ابنة الرجل الصالح قالت تعالى: "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"(القصص – الآية 25).
ومن مواقف الحياء، ما جاء عن فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم ـ عندما قالت لأسماء بنت عميس: (يا أسماء, إني أستقبح ما يُصنع بالنساء, يطرح على المرأة الثوب فيصفها), تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها.
فقالت أسماء رضي الله عنها: يا ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, ألا أريكِ شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعتْ بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً.
فقالت فاطمة رضي الله عنها: ما أحسن هذا وأجمله, يعرف به الرجل من المرأة, فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي - رضي الله عنه - , ولا تدخلي عليَّ أحداً.
ومنها حياء الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنها ـ: عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ, قالت: "كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي, واضعة ثوبي, وأقول: إنما هو زوجي وأبي, فلما دفن عمر رضي الله عنه, فوالله ما دخلته إلا مشدودةً عليَّ ثيابي حياءً من عمر - رضي الله عنه –"(رواه الحاكم، وصححه، وصححه الهيثمي).
و ورحم الله امرأة فقدت ابنها، فعن ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهَا: أُمُّ خَلَّادٍ - وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ- تَسْأَلُ عَنْ ابْنِهَا وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنْ ابْنِكِ وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ؟ فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ"، فقَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ"(رواه أبو داود وغيره وضعفه الألباني).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي -العراق -22-11-2018
الحياء خلق عظيم جاء به الشرع، وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام، وأقرها، ورغَّب فيها وهو من أميز ما يميز المرأة المسلمة عن غيرها، حياء المرأة المسلمة هو رأسمالها فيه عزها، وبه تحفظ كرامتها، وشرف أهلها، وليس هناك امرأة صالحة لا يزين الحياء خلقها، قال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ"(رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
قال ابن القيم- رحمه الله -: (الحياء مشتق من الحياة، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء، يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ) (رواه البخاري).
قال ابن حبان: (فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر).
الحياء ضرورة في حياة المرأة المسلمة:
ـــــــــــــــــــ إن الحياء سياج يصون كرامة المسلمة، ويحفظ لها سلوكها بعيدًا عن الفحش، وأقوالها بعيدًا عن البذاءة، وبهذا ترتفع به عن السفاسف، وعندما يخرق هذا السياج، ويذهب الحياء فإن المقاييس جميعها يصيبها الخلل، ويصدر عن المسلمة عندئذ ما لا يتناسب مع تفردها وتميزها، والتكريم الذي كرمه الله تعالى بها.
وقد قيل في الحكم: (من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه).
وقال أبو حاتم: (إن المرء إذا اشتد حياؤه، صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه).
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: (من كسي الحياء ثوبه, لم ير الناس عيبه).
من الأمور التي لا يختلف فيها إثنان أن حياء المرأة أمر جميل جدا، ولاغبار على ذلك.. والحياء هنا بمفهومه الإيجابي لا السلبي (الخجل)، فالحياء لايعني المشي ببطىء ولا الكلام بتلعتم ولا التنازل عن حق .. السيدة باذخة الحياء في قصة موسى عليه السلام التي جاءته {تمشي على إستحياء} تدعوه عند أبيها ليشكر له جميله مع إبنتيه بعد أن سقى لهما، كان كلامها واضحا بدون تمتمة ولا تلعتم {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}، كانت ذكية، صاحبة قرار وذات حدس صحيح { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين } ولم تكن تخشى شيئا، كانت قوية وجريئة، حين ترغب في شيء تحققه حتى النهاية.
إستئذانها من أبيها و طرحها لما تحب أسلوب راقي بعيدا عن مدعيات الحداثة و المتجاوزات لحدود الأدب. كانت إمرأة تعرف ماتريد وقد وقع إختيارها على القوي الأمين وهذا يدل على حكمتها و بالفعل تزوجت نبي الله موسى عليه السلام ووفى بوعده لأبيها و أتم العشر سنوات، وظل يحترمها بعد ذلك ويكلمها بذوق وأدب {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون} إذ يستأذنها حين الذهاب ويخبرها بوضوح عن خطواته وغرضه من الذهاب، وهذا من حرصه عليها.
إن الحياء ذوق ورقي وأسلوب، وحلي من أجمل ماتتزين به النساء، إن الحياء ليس مرادف الخنوع والخضوع والجهل ولم يكن يوما بالتخلي عن ما نريده، ولا بالتنازل عن حق أو مبتغى .. الحياء لا يعني أن لا تكوني سيدة قرارك. كوني إمرأة كلامها واضح، تعرف ما تريد بل وأكثر من ذلك تعرف التصرف حيال ذلك، فليكن لك ذلك الحدس القوي الذي يميز بين مايستحق ومالا يستحق. الحياء أن لا تكوني مكبلة وأن لا تكوني مائعة، الحياء ذكاء بين ذلك وذاك.
"فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" 25 سورة القصص ". في الآية مؤشرات ودلائل على طبيعة الفتاة المسلمة الملتزمة التي تؤدي وظيفتها ورسالتها على أرفع صورة مع العفة والطهر والنقاء .
"جاءته" , الهاء عائدة على سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لأن أباها كلفها أن تذهب الى هذا الشاب ليكرمه، ولم يرسلها أبوها الى ذلك الشاب، إلا وهو واثق منها، ومن عفتها ويأمن عليها وهذا دل على ادبها عند أبيها.أما قوله إحداهما دلّ على إبهام تلك الفتاة، فليس لاسمها أهمية من حيث تفاصيل القصة، لا عندنا ولا عند موسى، لأنها مكلفة بمهمة خاصة، ومعنى الابهام هنا ان لا نخوض في تعيين اسمها ولا دليل على ذلك التعيين عندنا.وقوله تمشي ففيه دلالة على السير المقصود للفتاة، فالمشي فيه الأتزان والوقار، فهي ليست مسرعة ولا بطيئة بل بين بين.
ونجد روعة التعبير في قوله وتعالى,على استحياء، فالاستحياء تأكيد الحياء وأبلغ منه لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فالهمزة والسين والتاء تدل على التوكيد، لأن الحياء سيطر عليها وشمل كيانها كله، فهي ليست تعيش حالة حياء إنما تعيش حالة استحياء.
الصورة الفنية الرائعة التي يرسمها قوله تعالى تمشي على استحياء فإن حرف على يعني التمكن من الشيء والسيطرة عليه.والصورة المرسومة في الآية ليست تمكن من الشيء انما مشي على الشيء. انظروا إلى الشارع التي تمشي عليه وتضع عليه قدميها. إنه ليس شارعا مكونا من تراب او اسفلت او غير ذلك إنما هو شارع مكونٌ من الحياء، هل رأيتم الحياء مادة صناعية يصنع منها شارع ؟ هل رأيتم قدمي الفتاة وهي تمشي على ذلك الحياء ؟ هل رأيتم الحياء يسيطر على جسمها كله ولماذا الحياء ؟ لأنها ستخاطب رجلاً وتبغله دعوة ابيها .. فاضطربت وهي تسير في الطريق وكيف تكون خطواتها وهي تمشي على ذلك الاستحياء .
بلاشك هي صورة فنية رائعة تجسد فيها الحياء وتحول من خلق رفيع وفكرة طيبة ليكون شارعاً معبداً تمشي عليه تلك الفتاة .لكن ماذا قالت لموسى؟ ,قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا تخيل اضطرابها وقلقها وهي تنطق بهذه الكلمات والحياء قد سيطر عليها. فلتكن الفتيات الصالحات الملتزمات هكذا ، عندما يقمن بواجبهن في أداء أعمالهن الدعوية والاسلامية.
نماذج من حياء العفيفات
ـــــــــــــــــــ أثنى الله - عز وجل - على الفتاة العفيفة, ابنة الرجل الصالح قالت تعالى: "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"(القصص – الآية 25).
ومن مواقف الحياء، ما جاء عن فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم ـ عندما قالت لأسماء بنت عميس: (يا أسماء, إني أستقبح ما يُصنع بالنساء, يطرح على المرأة الثوب فيصفها), تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها.
فقالت أسماء رضي الله عنها: يا ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, ألا أريكِ شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعتْ بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً.
فقالت فاطمة رضي الله عنها: ما أحسن هذا وأجمله, يعرف به الرجل من المرأة, فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي - رضي الله عنه - , ولا تدخلي عليَّ أحداً.
ومنها حياء الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنها ـ: عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ, قالت: "كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي, واضعة ثوبي, وأقول: إنما هو زوجي وأبي, فلما دفن عمر رضي الله عنه, فوالله ما دخلته إلا مشدودةً عليَّ ثيابي حياءً من عمر - رضي الله عنه –"(رواه الحاكم، وصححه، وصححه الهيثمي).
و ورحم الله امرأة فقدت ابنها، فعن ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهَا: أُمُّ خَلَّادٍ - وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ- تَسْأَلُ عَنْ ابْنِهَا وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنْ ابْنِكِ وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ؟ فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ"، فقَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ"(رواه أبو داود وغيره وضعفه الألباني).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق