الاثنين، 17 فبراير 2020

إبداع تحت الأضواء تقديم الشاعر الراقي عبد المجيد زين العابدين

الْحَلَقَـــــــةُ الثَّـــــامِنَــــةُ:
مَوْعِدُهَا :السَّبْتُ 15/02/2020
*النَّصُّ الْثامن [08]:" كُنْتُ مِثْلَكْ " ، وَصَاحِبُهُ الْمَخْصُوصُ بِالتَّكْرِيمِ:
الشَّاعِرُ: أَحْمَد بُوقَرَّاعَة
كُنْتُ مِثْلَــــــكْ
رُبّمَا أَنْكَرْتُ مَا عَرَّاهُ نَبْشٌ أَوْ سُيُـــــــــولْ
 غَيْرَ أَنَّ فِيَّ شَيْئًا مِنْـــــــــــهُ نَادَانِي يَقُـولْ:
 كُنْتُ مِثْلَكْ
 كَانَ وَجْهِي مِثْلَ  وجْهِكْ
 يَعْبِقُ زَهْرًا ،وَ طَوْرًا يُسْتَفَاضُ مِنْهُ دَمْعُكْ
 كُنْتُ أَسْقِيهِ بِعِطْرٍ ،خَيْرَ مَشْمُـــــومٍ يَرُدُّكْ
 أَكْسِرُ لَحْظِي تَيَاهًا مَا يَطِيرُ منْهُ عَقْلُـــــكْ
************************
 كُنْتُ مِثْلَكْ
 كُنْتُ مَكْسُوًّا بِلَحْمٍ أَيْنَ مِنْهُ رَقْعُ جِـــــــــلْدَكْ
 فِيهِ إِضْرَامُ لَهِيبٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ عُرُوقِـــــــكْ
 أَرْكُضُ مِنْ سُخْنِ عِرْقِي نَحْوَ أَخْطَارٍ تَكُدُّكْ
 لَسْتُ أَنْصَاعُ لِأَمْرٍ لَوْ رَأْيتَ،ضَمَّكَ الخَوْفُ وَهَدَّكْ.
*************************
 كُنْتُ مِثْلَكْ
 لَا أُبالِي باللَّيَالِي
 هَلْ نُجُومٌ نوَّرَتْهَـــا أَمْ عَمَــــــــاءٌ و أُفُـــولْ
 أَوْ بِيَوْمٍ كَانَ شَمْسًا حَرَّقَتْ وَجْـــــهَ النَّهَـــار
 اَوْ غُيُومًا تَحْتَهَا أَرْيَاحُ صُفْرٌ مُثْقَلاتٌ بِالغُبَار
 أَوْ سَحَابًا دَمْدَمَ الرَّعْدُ و أَنْبَى بِالهُطُــــــــول
*************************
 كُنْتُ مِثْلَكْ
 أجْمَعُ الأَشْيَاءَ كَرْهًا واغْتِصَابَا
 تَأْكُلُ عَيْنِي السَّمَاءَ و الأَرَاضِينَ انْتِهَابَــــا
 تَأْكُلُ عَيْنِي ، و جَوْفِي جَائِعٌ يَبْكِي ارْتِيَابَــا
**********************
 كُنْتُ مِثْلَكْ
 كُنْتُ أَمْشِي نَاسِيًا أَنِّي أَزُول
 كَمْ مَشَيْتُ خَلْفَ نَعْش بَاهِتَ العَيْنِ حَزِين
 ثُمَّ عُدْتُ ضَاحِكًــــــــــــا طَلْــقَ الجَبيـــنْ
 مِثْلُكَ الآنَ أَمَامِي قَدْ تُبَاكِيـــــــكَ الشُّجُون
 ثُمَّ تَمْشِي ناسِيًا ذَاتَ يَوْمٍ قَدْ تَكُــــــــــــون
 مِثْلَمَا أَنْتَ تَرَانِي بَيْنَ صَخْـــــــرٍ وَ طُيُونْ
 شَقْفَ عَظْمٍ جَرَّفَتْ قَبْرًا سُيُول
 أَنْتَ مِثْلِي
 كُنْتَ زَهْرًا ، كَيْفَ تَنْسَى أَنَّ للزَّهْرِ ذُبُولْ
أحمـــــــــــد بوقراعة
الرّياض :تُونِسُ /سُوسَةُ فِي 06/01/2020
*نَظْرَةٌ فِي شَكْلِ النَّصِّ وَمَضْمُونِهِ *
01/التَّقْدِيمُ :
هَذَا النَّصُّ الَّذِي أَمَامَنَا لَيْسَ كَسَابِقِيهِ مِنَ النُّصُوصِ ،ذَلِكَ أَنَّهُ نَصٌّ شِعْرِيٌّ فِيهِ مِسْحَةٌ فَلْسَفِيَّةٌ، إِنْ لَمْ أَقُلْ إِنَّ الشَّاعْرَ فِيهَا يَتَّخِذُ الْفَلْسَفَةَ مُنْطَلَقًا لَهُ .صَاحِبُهُ الشَّاعِرُأَحْمَدُ بُو قَرَّاعَةَ مِنْ تُونِسَ ،وَمِنْ خِلَالِ بَعْضِ الرُّدُودِ،اِسْتَقرَّ فِي ذِهْنِي أَنَّهُ أُسْتَاذٌ جَامِعِيٌّ ، وَعِنْوَانُ قَصِيدِهِ :"كُنْتُ مِثْلَكْ " ،وَهْوَ جُمْلَةٌ اِسْمِيَّةٌ مَا فَتِئَ يَفْتَتِحُ بِهَا أَوَائِلَ مَقَاطِعِهِ الْخَمْسَةِ، وَهْيَ كَذَلِكَ جُمْلَةٌ تُوحِي إِلَيْكَ بِأَسْئِلَةٍ ،تَبْدُو بِهَا غَنِيَّةً ، وَفِي ذَاتِ الْآوِنَةِ ،تُشَوِّقُكَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا ،عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ :"كُنْتُ مِثْلَكْ فِي أَّيِّ شَيْءٍ؟ أَوْ فِي أَيِّ صِفَةٍ؟ أَوْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ؟ أَوْ فِي أَيِّ مَوْقِعٍ ؟
02/مَوْضُوعُ الْقَصِيدِ:
ثُنَائِيَّةُ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ أَضْدَادِ الصِّفَاتِ .
03/الْبَحْرُ:
النَّصُّ لَمْ يَشَإ ِالشَّاعِرُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى بَحْرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْأَبْحُرِ الْخَلِيلِيَّةِ ،وَإِنَّمَا اِتَّبَعَ إِيقَاعًا لَهُ يَسْتَكْثِرُ فِيهِ مِنِ اِسْتِعْمَالِ تَفْعِيلَةِ :" فَاعِلَاتُنْ " الَّتِي هِيَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ بَحْرِ الرَّمَلِ ،الَّذِي هُوَ بَحْرٌ خَلِيلِيٌّ، وَتَفْعِيلَاتُهُ هِيَ :فَاعِلَاتُنْ الَّتِي تَتَكَرَّرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الصَّدْرِ ،وَمِثْلَ ذَلِكَ فِي الْعَجُزِ.
لَقَدْ تَحَرَّرَ الشَّاعِرُ، هُنَا، مِنَ الْاِسْتِعْمَالِ الْكَامِلِ لِهَذِهِ التَّفْعِيلَاتِ ،إِنَّمَا لَمْ يَشَإِ الْخُرُوجَ عَنْ إِيقَاعِهِ فِي عُمُومِ أَسْطُرِهِ الشِّعْرِيَّةِ ،وَإِنْ لَاحَظَ الْقَارِئُ الْمُتَأَنِّي أَنَّ هُنَاكَ تَفْعِيلَةً أُخْرَى تُحَاوِلُ مُزَاحَمَةَ ذَرَّتِهَا: فَاعِلَاتُنْ، وَهْيَ مُسْتَفْعِلُنْ ،نُلَاحِظُ وُجُودَهَا ،مَثَلًا، فِي بِدَايَةِ السِّطْرِ السَّابِعِ ،حَيْثُ يَقُولُ :يَعْبَقُ زَهْـ/ـــــــــــــرَنْ وَطَـــوْرَنْ:نَجِدُ أَنَّ التَّفْعِيلَةَ الْأُولَى :يَعْبَقُ زَهْ: جَاءَتْ عَلَى وَزْنِ: مُتْفَعِلُنْ، وَأَصْلُهَا مُسْتَفْعِلُنْ ،بَيْنَمَا التَّفْعِيلَةُ الثَّانِيَةُ :رَنْ وَطْوْرَنْ :جَاءَتْ عَلَى وَزْنِ فَاعِلَاتُنْ ،وَهْيَ التَّفْعِيلَةُ الطَّاغِيَةُ فِي كَامِلِ النَّصِّ ،لَكَأَنَّهَا جَاءَتْ لِتَبُذَّ سَابِقَتَهَا وَتُقَزِّمَهَا بِأَنْ تَقُولَ لَهَا :إِنِّي هُنَا فِي أَغْلَبِ الْمَوَاقِعِ ،بَيْنَمَا أَنْتِ لَا تُسْتَعْمَلِينَ إِلَّا كَمُتَّكَإٍ لَيْسَ أَكْثَرَ .هَذَا، وَإِنَّ الشَّاعِرَ فَضَّلَ أَنْ يَكُونَ نَصُّهُ مَقَاطِعَ ،كُلُّ مَقْطَعٍ مِنْهُ يَتَضَمَّنُ وَحْدَةً مَعْنَوِيَّةً مُعَيَّنَةً ،عَلَى غِرَارِ مَا أَبْدَعَهُ شُعَرَاءُ الْمَهْجَرِ.
إِنَّ الْقَارِئَ لِقَصَائِدِهِمْ يُلَاحِظُ هَذَا الشَّكْلَ مِنْ تَقْسِيمِ نُصُوصِهِمْ بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ .خُذْ لِذَلِكَ مَثَلًا قَصِيدَةَ إِيلِيَا أَبِي مَاضِي الَّتِي مِنْ مَقَاطِعِهَا،هَذَا الْمَقْطَعُ:
جِئْتُ لَا أَعْلَمُ مِنْ أَيْــنَ وَلَكِنِّي أَتَيْـــتُ
 وَلَقَدْ أَبْصَرْتُ قُدَّامِي طَرِيقًــا فَمَشَيْتُ
 وَسَأَبْقَى مَا شِيًا إِنْ شِئْتُ هَـذَا أَمْ أَبَيْتُ
 كَيْفَ جِئْتُ؟ كَيْفَ أَبْصَرْتُ طَرِيقِي ؟
 لَسْتُ أَدْرِي.
أُضِيفُ إِلَى هَذَا مَقْطَعًا مِنْ مَقَاطِعَ لِقَصِيدَةِ :"أَخِـــــــــــــي" لِمِيخَائِيلَ  نُعَيْمَةَ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ مَا يَلِي:
أَخِي! إنْ ضَجَّ بعدَ الْحَرْبِ غَرْبِيٌّ بِأَعْمَالِهْ
وقَدَّسَ ذِكْرَ مَنْ مَاتُوا وَعَظَّمَ بَطْشَ أبطالِهْ
فَلَا تَهْزَجْ لِمَنْ سَادُوا وَلَا تَشْمُتْ بِمَنْ دَانَا
بَلِ اِرْكَعْ صَامِتاً مِثْلِي بِقَلْبٍ خَاشِــــعٍ دَامٍ
لِنَبْكِي حَظَّ مَوْتَانَا.
 مِمَّا أُلَاحِظُهُ حَوْلَ مَقْطَعِ إِيلِيَا أَبِي مَاضِي أَنَّهُ ضَمَّ أَرْبَعَةَ أَبْيَاتٍ فَقَطْ بِتَفْعِيلَةِ الرَّمَلِ: فَاعِلَاتُنْ ،وَالشَّاعِرُ شَاءَ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّدْرِ وَالْعَجُزِ مَعَ حَذْفِ تَفْعِيلَةٍ مِنْ آخِرِ الصَّدْرِ وَأُخْرَى مِنْ آخِرِ الْعَجُزِ ،وَهَكَذَا تَحَصَّلَ عَلَى هَذِهِ التَّرْكِيبَةِ الَّتِي تَتَّكِئُ أَسَاسًا عَلَى تَفْعِيلَةِ الرَّمَلِ .
أَمَّا مَقْطَعُ نُعَيْمَةَ، فَمُتَكَوِّنٌ مِنْ مَفَاعِيلُنْ، وَهْيَ تَفْعِيلَةُ الْهَزَجِ الَّتِي يُكَرِّرُهَا فِي سِطْرٍ مُوَحَّدٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مُجْتَمِعَةٍ وَمُلْتَحِمَةٍ ،وَبِذَلِكَ، خَرَجَ مِنَ النَّمَطِ الْكَلَاسِيكِيِّ .أَمَّا شَاعِرُنَا صَاحِبُ القَصِيدِ الْحَالِيِّ ،فَقَدْ كَانَ لَهُ تَعَامُلُهُ الذَّاتِيُّ مَعَ تَفْعِيلَةِ الرَّمَلِ أَعْنِي :فَاعِلَاتُنْ ،فَهْوَ يَسْتَهِلُّ جَمِيعَ مَقَاطِعِهِ بِقَوْلِهِ :"كُنْتُ مِثْلَكْ " الَّتِي هِيَ عَلَى وَزْنِ :"فَاعِلَاتُنْ "،وَهَذَا النَّمَطُ مِنَ الْاِسْتِعْمَالِ يُخَلِّفُ نَغَمًا رَائِقًا لَدَى الْقَارِئِ ،كَمَا يُحْدِثُ فِيهِ تَشْوِيقًا إِلَى سَمَاعِ الْقَصِيدِ بِأَكْمَلِهِ ، لَكِنْ لَهُ تَصَرُّفُهُ فِي تَوْزِيعِهَا ، فمَرَّةً يُكَرِّرُهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مِثْلَمَا جَاءَ فِي سِطْرِهِ الْأَوَّلِ:"رُبَّمَا أَنْكَرْتُ مَا عَرَّاهُ نَبْشٌ أَوْ سُيُولْ "أَوْ مَرَّتَيْنِ مِثْلَمَا جَاءَ فِي السِّطْرِ الرَّابِعِ:"كَانَ وَجْهِي مِثْلَ وَجْهِكْ "، أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ،مِثْلَمَا جَاءَ فِي سِطْرِهِ الْعِشْرِينَ :"أَجْمَعُ الْأَشْيَاءَ كَرْهًا وَاِغْتِصَابَا"أَوْفِي سِطْرِهِ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ :"كُنْتُ أَمْشِي نَاسِيًا أَنِّي أَزُولْ " ،وَهَذَا التَّنَوُّعُ فِي اِخْتِلَافِ عَدَدِ تَفْعِيلَةِ :فَاعِلَاتُنْ مِنْ سِطْرٍ إِلَى سِطْرٍ آخَرَ ،هُوَ الْآخَرُ لَهُ مُخَلَّفَاتُهُ الْإِيَقاعِيَّةُ فِي أُذُنِ الْقَارِئِ،فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي أَصْبَحَ عَدُوَّ التَّطْوِيلِ ، بِحَيْثُ إِنَّهُ يَمُجُّ الْقَصَائِدَ الْمُطَوَّلَةَ الْكَلَاسِيكِيَّةَ،وَيَنْزَعُ إِلَى التَّحَرُّرِ وَيَشْرَئِبُّ إِلَى الْأَنْمَاطِ الْمُتَحَرِّرَةِ شَكْلِيًّا أَوْ كُلِّيًّا.لِذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ الشَّاعِرَ مُلْتَزِمٌ، عِنْدَ اِنْتِقَالِهِ مِنْ مَقْطَعِ إِلَى غَيْرِهِ،بِشَكْلٍ إِيقَاعِيٍّ مُعَيَّنٍ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُخَلِّفَ الْاِهْتِزَازَ فِي نَفْسِ الْقَارِئِ السِّمِّيعِ ،وَلَا يَدْعُوهُ، فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، إِلَى مَلَلٍ أَوْ بَرَمٍ ،بَلْ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ،فَإِنَّ النَّصَّ بِإِيقَاعِهِ ذاكَ الَّذِي اِلْتَزَمَهُ الشَّاعِرُ ،بِطَبِيعَتِهِ يَجْذِبُ قَارِئَهُ إِلَيْهِ وَيَسْتَمِيلُهُ إِلَى مُتَابَعَتِهِ بِشَكْلٍ مُرِيحٍ .
04/الْعَنَاصِرُ الْأَسَاسِيَّة:
أ- مِنَ الْبِدَايَةِ (رُبَّمَا أَنْكَرْتُ)إِلَى قَوْلِهِ :عَقْلُــــكْ (السِّطْرُ السَّابِعُ )
عَنْوَانُهُ :اِفْتِخَارُ الْمَيِّتِ بِنَضَارَةِ وَجْهِهِ فَتْرَةَ حَيَاتِهِ .
ب – مِنْ قَوْلِهِ:كُنْتُ مِثْلَكْ. كُنْتُ مَكْسُوًّا (السِّطْرُ الثَّامِنُ) إِلَى قَوْلِهِ : وَهَدَّكْ (السِّطْرُ الثَّانِي عَشَرَ)
عِنْوَانُهُ :اِفْتِخَارُ الْمَيِّتِ بِتَرْكِيبَةِ الْأَحْيَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ .
ج – مِنْ قَوْلِهِ :كُنْتُ مِثْلَكْ .لَا أُبَالِي (الثَّالِثَ عَشَرَ) إِلَى قَوْلِهِ :بِالْهُطُولْ (السِّطْرُ الثَّامِنَ عَشَرَ)
عِنْوَانـُـهُ :الْمَيِّتُ يَرْوِي لَامُبَالَاتَهُ بِالطَّبِيعَةِ.
د – مِنْ قَوْلِهِ : كُنْتُ مِثْلَكْ. أَجْمَعُ.. (السِّطْرُ التَّاسِعَ عَشَرَ ) إِلَى قَوْلِهِ :اِرْتِيَابَا (السِّطْرُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ)
عِنْوَانُهُ :الْمَيِّتُ يَسْتَعْرِضُ قُوَّةَ حَوَاسِّهِ فِي حَيَاتِهِ سَابِقًا .
هــ -مِنْ قَوْلِهِ : كُنْتُ مِثْلَكْ . كُنْتُ أَمْشِي (ِالسِّطْرُ الثَّالِثَ وَالْعِشْرُونَ ) إِلَى قَوْلِهِ : ذُبُولْ (السِّطْرُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ).
عِنْــوَانـُـهُ : تَنَكُّرُ الْمَيِّتِ لِمَصِيرِهِ إِلَى الْفَنَاءِ فَتْرَةَ حَيَاتِهِ.
05/الشَّاعِــــــرُ أَحْمَد بوقَرَّاعَة:
وَاضِحٌ مِنْ أَبْيَاتِ الْقَصِيدِ أَنَّ الشَّاعِرَ:
أ – مِنْ نَاحِيَةِ الْمَضْمُونِ:
عَالَجَ، فِي نَصِّهِ الشِّعْرِيِّ هَذَا ،هَذِهِ الْمُزَاوَجَةَ أَوْ هَذِهِ الثُّنَائِيَّةَ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ أَوْ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ
مُحَاوِلًا إِثَارَةَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ فُرُوقٍ بَيِّنَاتٍ وَأَضْدَادِ الصِّفَاتِ.لِلْعِلْمِ، فَإِنَّ مَوْضُوعَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ لَيْسَ مِنَ الْمَوَاضِيعِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ، بِقَدْرِ تَمَيُّزِهِ بِالْمَنْزَعِ الْفَلْسَفِيِّ ،هَذَا الْمَنْزَعِ الَّذِي يَسْتَحِثُّ صَاحِبَهُ فِي الْمَوَاضِيعِ الَّتِي يَطْرُقُهَا عَلَى الْبَحْثِ أَبَدًا عَنِ الْحِكْمَةِ فِي كُلِّ ظَاهِرَةٍ مِنَ الظَّوَاهِرِ أَيًّا كَانَتْ.
فِي هَذَا النَّصِّ ،نَجِدُ أَنَّ الْعُنْصُرَ الْفَاعِلَ فِيهِ هُوَ الْمَيِّتُ ،يُخَاطِبُ أَيَّ حَيٍّ بِقَوْلِهِ :"كُنْتُ مِثْلَكْ " ،وَهْيَ جُمْلَةٌ اِسْمِيَّةٌ مَلِيئَةٌ بِالْمَعَانِي إِمَّا أَرَادَ الْمُتَابِعُ طَرْحَهَا وَاِسْتِعْرَاضَهَا. هُنَا ،يَأْتِي الشَّاعِرُ بِعَيِّنَةٍ فَقَطْ مِنَ الْمُوَاصَفَاتِ الَّتِي كَانَ الْمَيِّتُ فَتْرَةَ حَيَاتِهِ مُتَّصِفًا بِهَا ،وَيَدَعُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ مَا أَمْكَنَ اِسْتِحْضَارُهُ مِنْ مُوَاصَفَاتٍ أُخْرَى ،لَكِنْ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْاِفْتِتَاحِيَّةِ، وَالَّتِي يَسْتَهِلُّ الشَّاعِرُ بِهَا كُلَّ مَقْطَعٍ مِنْ مَقَاطِعِهِ ،هَدَفٌ مُعَيَّنٌ يَتَمَثَّلُ بِالْأَسَاسِ فِي إِقْنَاعِ الْأَحْيَاءِ بِحَتْمِيَّةِ الْمَوْتِ ،وَأَنَّ حَيَاتَهُ مَنْهِيَّةٌ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ ،كَمَا يَتَمَثَّلُ فِي ضَرُورَةِ الْاِسْتِعْدَادِ لِمَا بَعْدَ الْحَيَاةِ ، أَيْ لِلْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ حُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَ الْآخَرِ وَالْتِزَامِ حُدُودِهِ مَعَهُ ، وَالْإِيَمَانِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الرَّقَابَةِ وَالْمُتَابَعَةِ .
ب – مِنْ نَاحِيَةِ الشَّكْلِ:
إِنَّ تَأَثُّرَ الشَّاعِرِ بِشُعَرَاءِ الْمَهْجَرِ فِي شَكْلِ الْقَصِيدِ وَتَقْسِيمِهِ وَاضِحٌ ،فَهْوَ لَمْ يَسْتَعْمِلِ الْوَافِرَ بِالطَّرِيقَةِ التَّقْلِيدِيَّةِ ،إِنَّمَا اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ بَلْ زَادَ عَلَيْهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ اِسْتِعْمَالِ :تَفْعِيلَةِ : فَاعِلَاتُنْ وَكَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِهَا مِنْ خِلَالِ شَيْءٍ مِنَ التَّحَرُّرِ مِنْ قَوَاعِدِ الْخَلِيلِ .الْمُهِمُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ بِتَوْزِيعٍ إِيقَاعِيٍّ مُرِيحٍ .
06/كَلِمَةُ الْخِتَامِ :
هَذَا الشَّكْلُ مِنَ الشِّعْرِ الْفَلْسَفِيِّ، لَهُ بَصْمَتُهُ فِي التَّارِيخِ الْعَرَبِيِّ، يُذَكِّرُنِي بِشَاعِرَيْنِ :
* أَوَّلُهُمَا أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّي الَّذِي عَاشَ بَيْنَ سَنَتَيْ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ( 130) ومائتين وَإِحْدَى عَشْرَةَ(211)هِجْرِيا . كَانَ شَاعِرًا فَيْلَسُوفًا ذَلِكَ ،أَنَّهُ تَحَدَّثَ عَنِ الْمَاوَرَائِيَّاتِ،وَأَظْهَرَ فِي أَشْعَارِهِ حَيْرَتَهُ وَتَشَاؤُمَهُ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ .تَدُلُّنَا عَلَيْهِ بَعْضُ قَصَائِدِهِ وَمِنْهَا أَبْيَاتُهُ:
"لِدُوا لِلْمَوْتِ وَاِبْنُوا لِلْخَــــرَابِ **فَكُلُّكُمُ يَصِيـــــــرُ إِلَى تَبَابِ"
وَ "رُبَّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْدًا مِرَارًا **ضَاحِكًا مِنْ تَزَاحُمِ الْأَضْدَادِ"
وَقَوْلُهُ أَيْضًــــــا فِي نَفْسِ الْقَصِيدَةِ :"خَفِّفِ الْوَطْءَ مَا أَظُنُّ أَدِيمَ الْــ **أَرْضِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَجْسَادِ "
*أمَّا ثَانِيهِمَا فَهْوَالشَّاعِرُ الْعِرَاقِيُّ جَمِيل صِدْقِي الزَّهَاوِي الَّــذِي عَاشَ بَيْنَ سَنَتَيْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِيمِائَةٍ وَأَلْفٍ( 1863) وَسِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَلْفٍ (1936 ) لِلْمِيلَادِ. كَانَ يُعْتَبَرُ فَيْلَسُوفَ الْعِرَاقِ الْكَبِيرَ ،قَالَ أَبْيَاتًا فِي الْإِنْسَانِ بَعْدَ دَفْنِهِ ،وَهْوَ يَقْصِدُ نَفْسَهُ ،وَحَدِيثُـُــــــــهُ عَنْهَا بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ،وهي التَّــــــــالِيَةُ :
بَعْدَ أَنْ مُتُّ وَاِحْتَوَانِي الْحَفِيرُ **جَاءَنِي مُنْكَرٌ وَجاَء َنَكِيــــرُ
كُنْتُ فِي رَقْدَةٍ بِقَبْرِي إِلَى أَنْ **أَيْقَظَانِي مِنْهَا وَعَادَ الشُّعُورُ
خَارَ عَزْمِي وَلَمْ أَكُنْ أَتَظَنَّى **أَنَّ عَزْمِي يَوْمًا لِشَيْءٍ يَخُورُ
قَالَ مَنْ أَنْتَ وَهْوَ يَنْظُرُ شَزْرًا؟ **قُلْتُ: شَيْخٌ فِي لَحْدِهِ مَقْبُورُ
قَالَ : مَاذَا أَتَيْتَ إِذْ كُنْتَ حَيًّا ؟**قُلْتُ كُلُّ الَّذِي أَتَيْتُ حَقِيــرُ.
وَلِلْقُرَّاءِ الْكِرَامِ أَنْ يَتَصَفَّحُوا رِسَالَةَ الْغُفْرَانِ وَيَسْتَمْتِعُوا بِبَعْضِ فُصُولِهَا ،وَلَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَقْرَؤُوا بَعْضَ قَصَائِدِ الشَّاعِرِ الْعِرَاقِي جَمِيلٍ صِدْقِي الزَّهَاوِي،رَحِمَهُ اللَهُ ،وَخُصُوصًا قَصِيدَتَهُ الرَّائِيَّةَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ فِيهَا عَنْ مَصِيرِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَعْدِ لَحْدِهِ فِي قَبْرِهِ .
*نِــــــــــــــــــــدَاءٌ :
يَا حَبَّذَا لَوْ أَنَّ الشُّعَرَاءَ أَوِ الشَّاعِرَاتِ الَّذِينَ يُرْسِلُونَ إِلَى مَجَلَّةِ شَهْرَزَادَ
نُصُوصَهُمُ الشِّعْرِيَّةَ يَشْكُلُونَهَا الشَّكْلَ التَّامَّ ،لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَعْلِيمِيَّةٌ بِالْأَسَاسِ ،
وَيَرْسُمُونَ فِي بِدَايَتِهَا أَوْ نِهَايَتِهَا مُوجَزًا عَنْ حَيَاتِهمْ :[ * وِلَادَتَهُمْ –
تَارِيخَهَا وَمَكَانَهَا *بَلَدَهُمْ وَجِنْسِيَّتَهُمْ * مِهْنَتَهُمْ * أَعْمَالَهُمْ :تَآلِيفَهُمْ إِنْ
كَانَتْ لَهُمْ تَآلِيفُ أَوْ أَنَّهُمْ يَعْتَزِمُونَ إِصْدَارَ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ *هِوَايَتَهُمْ
أَوْ هِوَايَاتِهِمْ ،لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لِلتَّعْرِيفِ بِهِمْ فِي صُورَةِ اِخْتِيَارِ إِحْدَى
قَصَائِدِهِمْ عِنْوَانًا لِتَكْرِيمِهِمْ ،وَلَرُبَّمَا يَقَعُ إِدْرَاجُهَا مُسْتَقْبَلًا فِي كُتُبِ
النُّصُوصِ ضِمْنَ الْبَرَامِجِ التَّرْبَوِيَّةِ لِغَايَةِ تَدْرِيسِهَا فِي إِحْدَى الْمَرْحَلَتَيْنِ :
الْإِعْدَادِيَّةِ أَوِ الثَّانَوِيَّةِ ،وَشُكْرًا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...