الثلاثاء، 29 يناير 2019

كبرياء المتنبي .... اعداد الأديب عماد كورشي

كبرياء #المتنبي.. حيَّرت الغرب.. فدرس شعره
( هند بوظو - الثورة نت )

إن الشرقي مولداً، هو وحده القادر على تقدير (المتنبي) حق قدره، وإن أمته هي التي لعينيها وحدها تعين تلك المكانة، والحكم فيما إذا كان سيحتفظ بها طوال عصور.

نادرة هي الدراسات التي تتبعت شعر وفلسفة المتنبي وتقييم نتاجه دونما مبالغات في مدحه أو حتى ذمه، وبعيداً عن الأحكام العجلى على حياته ونسبه وشعره حتى موته.. وما بعد.. فإن الدراسة التي قدمها الدكتور -ريجيس بلاشير- عن أبي الطيب المتنبي يمكن وصفها بالموضوعية والشاملة، وهي كما يقول المترجم الدكتور إبراهيم الكيالي أولى الدراسات القيمة التي ألفها أجنبي أحب لغة العرب وتذوق أدبهم، والتي أفاد منها أكثر المؤلفين العرب المعاصرين، طرحت الدراسة قضايا ذات علاقة بالجوانب الغامضة في أصل المتنبي وحياته وسلوكه وعقيدته ومحاولة جلائها وتوضيحها، والوصول إلى نتائج حاسمة، وقد تم ذلك بعقلية الرجل الأوروبي، ومنهج البحث العلمي الحديث.
وتتبع محاولات المتنبي الشعرية في بغداد والشام، شارحاً حالة بلاد الشام عند عودة المتنبي إلى شعر البلاط ومدحه للبرجوازيين وصغار أمراء الشام.. ومدحه للإخشييديين في الشام. ثم تحدث عن المتنبي وسط الحمدانيين في حلب، ومصر، وإقامته في العراق ثم المتنبي في فارس، وموته.‏

يظهر في هذه الدراسة (التي أعتقد أن كثيراً من الكتب التي تناولت المتنبي استفادت كثيراً من هذه الدراسة «بلاشير».‏

المهم أن المؤلف يظهر موقفاً متشدداً من الأساليب الدراسية والتأليفية التي اتبعها المؤلفون العرب في الكتابة عن المتنبي، وأن هذه الدراسة القيمة ستسهم من وجهة نظر الغربيين في الكشف عن شخصية المتنبي وتفسير عبقريته وأسباب خلود شعره على مر العصور والأزمان.‏

استوقفني من فصول الكتاب جميعها (قراءة ونقد ديوان المتنبي في العالم العربي وبالذات ديوانه عند المستشرقين.. فنحن نعي وندرك اهتمام أمته وإعجابها به ونعلم أنه قلما حظي شاعر عربي بمكانة كمكانته في قلوبهم ودراساتهم.‏

عند المستشرقين، فما كادت اللغة العربية تصبح غرضاً للبحوث حتى أخذت أشعار أبي الطيب تلفت أنظار المستشرقين، ففي سنة 1656 (ولأول مرة) نشر غوليوس المتوفى سنة 1667 مقطوعة من شعر المتنبي متبوعة للمحة عن سيرته، بعد مضي ثلاثين سنة ظهر غالاند المتوفى سنة 1715 كتاب فيه ترجمة المتنبي مأخوذة من وفيات الأعيان لابن خلكان، لكن أول من اكتشف تقريباً شاعر الكوفة وعرَّفه إلى جمهور واسع هو رايسك المتوفى سنة 1774، ونشر له ست عشرة مقطوعة غزلية ومرثيتين بالنص العربي مصحوبة بالترجمة الألمانية.‏

ما يدعونا للتوقف عند قراءات ودراسات وبحوث المستشرقين لأبي الطيب، يحتاج إلى أكثر من قراءة من جانبنا، لهؤلاء فقد تباينت مواقفهم تجاه حياته، قبل شعره، واحتارت أحكامهم في أمره، منهم من أحبه، ودافع عن نتاجه بالبراهين والحجج، وكثيرون رأوا أن المتنبي ليس من العظمة، ولا من الحضارة بالقدر الذي قيل عنه..

والسؤال المطروح: هل وفق المستشرقون أكثر من النقاد العرب في إشعارنا بمزايا أبي الطيب، ووضع هذا مكانه الحق في الشعر العربي أولاً، ثم الشعر الكوفي ثانيا؟
ويجيب الكاتب: إن الكثيرين اخفقوا في تلك المهمة لأن بعضهم مثل هندلي، ودوفال، وديتان.. وجدوا في شاعر الكوفة، تبعاً لافتتان لم يكلفوا أنفسهم عناء تعليله، عبقرية عليا ذات أثر شعري «غني، قوي، مهيب، تسوده البساطة الريفية، واختيار أكثر الصور رقة، ولطافة» أو لأن سواهم مثل رايسك، ودي ساسي، اللذين سيطرت عليهما عقيدة الذوق السليم، وبالرغم من محاولة الثاني مقاومتها.. فلم يريا في أبي الطيب سوى مهرج حقير ووقح في آن واحد. وطموح لاحياء عنده، ومدَّع للعلم لا يدين بشهرته إلا (لفساد الذوق عند العرب) أو لأن العدد الأكبر من المستشرقين، سيطر عليهم شعور بأن العرب وحدهم جديرون بالحكم على شعر المتنبي، ولذا اقتصروا، بكل بساطة، على ترديد تقييم النقد الشرقي في العصر الوسيط أو اتباع اتجاهاته.‏

ومع ذلك فإن أكثر النقاد العلميين والمشككين بعبقرية المتنبي اعترف قائلاً: «إن المتنبي هو فيكتور هوغو الشرق».‏

الكتاب (الدراسة) يطرح فكرة جديرة بالنقاش والبحث مفادها: ما الأمور التي تجعل حياة المتنبي وأثره الشعري جديرة باهتمام الغربيين بهما؟‏

يتضح من الدراسات النقدية وأحكام المستشرقين وأيضاً هذا الكتاب الذي بين أيدينا وقوع هؤلاء في لبس- بين (الرجل) المتنبي صاحب الكبرياء والطامح للمجد والثراء، وبين الشاعر (العبقري) الذي يتذلل ويتملق بإفراط وجشع للمال.‏

«إن رذيلتي الكبر والتبجح لا تأتلفان مع التذلل لممدوحيه من حماة الأدب والفن، ولكن لم يقدروا أن مظاهر الكبرياء وتحدي الخصوم والمغتابين أوجبهما عليه، على المتنبي ضرورة الدفاع عن ثقة الناس به والتسامي في نظر حماته، الذي كان من السهل خداعهم، إنها موضوعات عادية في شعر البلاط.. تدخل ضمن التقاليد الصرفة للشعر الجاهلي حيث القدح والتفاخر والمديح الشخصي مدعاة لموضوعات مطولة».‏

والسؤال الذي يدعو للإعجاب والعجب ما طرحه الكاتب على المستشرقين ربما بعدما عجز عن إيجاد جواب شافٍ يستنجد به من الباحثين والنقاد العرب أنفسهم الذين عجزوا فعلاً عن إيجاد دراسات تغني المهتمين بشعر المتنبي وتجد أجوبة عن أسئلة لم تعرف طريقها بشكل كامل ومطمئن عن المتنبي (الشاعر والإنسان)، في عودة للسؤال يقول الكاتب: «القياس لنا (نحن الغربيين) قضية شائكة جداً المكانة التي يجدر أن يحتلها بين الشعر الكوني شاعر من العصر الوسيط لا يزال موضع إعجاب إلى اليوم من مراكش إلى الهند.. وأن الفكر الشرقي لا يسعفنا بأي مصدر».‏

ويقول الكاتب على المستشرقين أن يجدوا جواباً شافياً، بعيداً عن معجبين بالمتنبي لأسباب قومية فقط، لا أدبية.

الدراسات العربية العاطفية، لم تشفِ غليل هؤلاء ولم تتمكن من إيجاد السر في سحر شعره، وإيقاع حروف أبياته..
أليس المتنبي: أولاً كما قال فؤاد أفرام البستاني: «الحقيقة أن المتنبي شاعر عظيم وهو، ككل شاعر عظيم، عظيم الحسنات، وعظيم السيئات أيضاً».‏
أليس السر في عظمة المتنبي أنه اختصر الرجولة بـ «الكبرياء» التي تتعدى عليها صروف الدهر.

أرى كُلنا يبغي الحياة لنفسه‏
حريصاً عليها مستهاماً بها صَبَّا‏
فحب الجبان النفس أوردهُ التُّقى‏
وحبُّ الشجاع النفس أورده الحربا‏

(الكتاب: أبو الطيب المتنبي - تأليف: ريجيس بلاشير - ترجمة ابراهيم الكيلاني - صادر عن اتحاد الكتاب العرب‏)
ديوان أبي الطيب المتنبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...