الأحد، 26 يناير 2020

إبداع تحت الأضواء.... إعداد وتقديم عبد المجيد زين العابدين

إِبْــــــــدَاعٌ تَحْتَ الْأَضْوَاءِ
الْحَلَقَـــــــةُ الْخَـــــامِسَـــــةُ:
مَوْعِدُهَا :السَّبْتُ25/01 /2020
*النَّصُّ الْخَامِسُ  [05]: هِيَ الَّتِي بَادَرَتْنِي ..، وَصَاحِبُهُ الْمَخْصُوصُ بِالتَّكْرِيمِ:
الشَّاعِـرُ : شُكْرِي وَارْدَة.
هِــيَ الَّتِي بَادَرَتْنِي بِكُلِّ الْحُبْ
 وَاِخْتَرَقَتْ ضُلُوعِي إِلَى الْقَلْبْ
 هِيَ الَّتِي أَنْهَتْ مِشْوَارِي الصَّعْبْ
 وَبَرَّأَتْ مُغَامَرَاتِي مِنْ كُلِّ ذَنْبْ
********************
 أَنَا الَّذِي كُنْتُ لِنَارِهَا كُومَ حَطَبْ
 وَلِأَشْجَانِهَا رَاحَةً بَعْدَ التَّعَبْ
 وَأَنَا الَّذِي عَشِقْتُهَا وَ رَفَضْتُ الْحَرْبْ
 لَكِنَّهَا بَاعَتْنِي فِي الْأَخِيرِ بِغَيْرِ سَبَبْ
**********************
 أَثَارَتْ قِصَّتُنَا الْكَثِيرَ مِنَ الْعَجَبْ
 فَحَرَّرْتُ فِي شَأْنِهَا عَدِيدَ الْكُتُبْ
 تَتَحَدَّثُ عَنْ مَشَاعِرَ دُونَ أَدَبْ
 عَنْ مَسَارِ حُبٍّ يَمْضِي بِلَا دَرْبْ
 عَنْ شَمْسِ عِشْقٍ تَطْلَعُ مِنَ الْغَرْبْ
 عَنْ جَسَدٍ يَتَحَسَّسُكَ وَلَا يُرِيدُ مِنْكَ الْقُرْبْ
د.شُكْرِي وَارْدَة
* نَظْرَةٌ فِي شَكْلِ النَّصِّ وَمَضْمُونِهِ :
01/ التَّــقْدِيمُ :
هَذَا النَّصُّ الْمُتَكَوِّنُ فِي جُمْلَتِهِ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ(14)سِطْرًا ، لَمْ أَجِدْ لَهُ عِنْوَانًا فِيمَا رَأَيْتُ ،فَاِكْتَفَيْتُ بِوَضْعِ كَلِمَاتِهِ الثّلَاثِ الْأُولَى :"هِيَ الَّتِي بَادَرَتْنِي "فِي السِّطْرِ الْأَوَّلِ الْمُتَصَدِّرِ لِلْقَصِيدِ، عِنْوَانًا لَهُ،ذَلِكَ أَنَّ الْعِنْوَانَ إِذَا أُرِيدَ الْاِجْتِهَادُ فِي اِخْتِيَارِهِ،فَإِنَّمَا ذَلِكَ يُعْزَى عَادَةً إِلَى كَاتِبِ كَلِمَاتِهِ، فَهْوَ أَحْرَى بِهَذَا الْاِخْتِيَارِ،أَمَّا فِي اِخْتِيَارِي لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْاِسْمِيَّةِ الْمُتَكَوِّنَةِ مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ،عِنْوَانًا لَهُ ،فَذَلِكَ لَا يَشُذُّ عَنْ قَاعِدَةِ الْاِخْتِيَارِ الْأَصْلِيَّةِ ،بِحُكْمِ أَنَّهُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْمُتَصَدِّرَةِ لِنَصِّهِ.
هَذَا النَّصُّ يَرْسُمُ صُورَةَ الْخِيَانَةِ فِي التَّقَارُبِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَصْدَ التَّزَاوُجِ وَبِنَاءِ عُشِّ لِلزَّوْجِيَّةِ،أَمَّا الطَّرَفُ الْخَائِنُ فِي هَذَا النَّصِّ فَهْوَ الْمَرْأَةُ ،بَيْدَ أَنَّهُ  يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الْخَائِنُ فِي غَيْرِهِ مِنَ النُّصُوصِ.
02/مَوْضُوعُ الْقَصِيدِ:
خِيَانَةُ اِمْرَأَةٍ لِرَجُلٍ صَادِقٍ مُحِبٍّ لَهَا بِالْاِبْتِعَادِ عَنْهُ رَغْمَ مُبَادَرَتِهَا فِي إِعْلَانِهَا لَهُ عَنْ حُبِّهَا .
03/الْبَحْرُ:
هَذَا الْقَصِيدُ ، لَيْسَ عَلَى النَّمَطِ الْخَلِيلِيِّ ،لَكِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْإِيقَاعِ الْمُتَأَتِّي خَاصَّةً مِنَ الْأَسْجَاعِ فِي أَوَاخِرِ الْأَسْطُرِ ،فَكُلُّ الْأَسْطُرِ مَخْتُومَةٌ بِحَرْفِ الْبَاءِ ، وَفِي هَذَا مَا يَلْفِتُ السَّامِعَ أَوِ الْقَارِئَ الْمُتَابِعَ ،زِدْ عَلَى ذَلِكَ
اِنْتِشَارَ التَّفْعِيلَةِ :"مُسْتَفْعِلُنْ "فِي أَوَائِلِ الْأَسْطُرِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَلْفِتُ اِنْتِبَاهَ الْقَارِئِ أَوِ المُسْتَمِعِ .مِنْ هُنَا ،يُمْكِنُ أَنْ أَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ نَمَطَ الشِّعْرِ فِي هَذَا النَّصِّ ،إِنَّمَا هُوَ شِعْرٌ مِنْ غَيْرِ الْعَمُودِيِّ وَالْحُرِّ ،إِذَا اِسْتَثْنَيْنَا وُجُودَ تَفْعِيلَةَ :مُسْتَفْعِلُنْ فِي أَوَائِلِ الْأَسْطُرِ مَعَ الْأَسْجَاعِ بِاِخْتِيَارِ كَلِمَاتٍ مَخْتُومَةٍ بِحَرْفِ الْبَاءِ.
04/عَنَاصِرُهُ الْأَسَاسِيَّةُ:
يُمْكِنُ تَقْسِيمُ هَذَا النَّصِّ إِلَى ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ كَالْآتِي :
أ‌- مِنْ بِدَايَةِ النَّصِّ ....إِلَى قَوْلِهِ : مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ (السِّطْرُ الرَّابِعُ ).
عِنْوَانُهُ :دَوْرُ الْمَرْأَةِ فِي إِسْعَادِ الرَّجُلِ .
ب‌- مِنْ قَوْلِهِ :أَنَا الَّذِي كُنْتُ ...إِلَى قَوْلِهِ :بِغَيْرِ سَبَبٍ (السِّطْرُ الثَّامِنُ ).
خِيَانَةُ الْمَرْأَةِ لِصَدِيقِهَا بَعْدَ التَّظَاهُرِ لَهُ بِوَفَائِهَا .
ت‌- مِنْ قَوْلِهِ :أَثَارَتْ قِصَّتُنَا ...إِلَى قَوْلِهِ :مِنْكَ الْقُرْبْ (السِّطْرُ الرَّابِعَ عَشَرَ )
اِسْتِغْرَابُ الشَّاعِرِ خِيَانَةَ الْمَرْأَةِ لِحَبِيبِهَا وَسُوءُ أَثَرِهَا عَلَيْهِ .
05/الشّاعِرُ شُكْرِي وَارْدَهْ :
ظَاهِرٌ أَنَّ الشَّاعِرَ شُكْرِي وَارْدَهْ يَتَبَرَّأُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ هَذَا الرَّهْطِ مِنْ هَؤُلَاءِالنِّسَاءِ الْمُتَلَاعِبَاتِ بِالْقُلُوبِ الْمُنْفَتِحَةِ وَالْخَاوِيَاتِ مِنَ الْوَفَاءِ لِمَا يُفْضِينَ بِهِ ،بَادِئَ ذِي بَدْءٍ ،مِنْ قِيَمِ الْحُبِّ وَالْوَفَاءِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الْعَهْدِ.
يُمْكِنُ أَنْ نَنْعَتَ مِثْلَ هَذَا الرَّهْطِ مِنَ النِّسَاءِ بِالَأَنَانِيَّاتِ اللَّاتِي لَا يَهُمُّهُنَّ مِنَ الرِّجَالِ وَفَاؤُهُنَّ لَهُمْ وَمُعَاهَدَتُهُنَّ بِقَدْرِ مَا يَهُمُّهُنَّ الْوَضْعُ الْمَادِّيُّ وَالْاِجْتِمَاعِيُّ لِهَذَا وَاِخْتِلَافُهُ عَنِ الْوَضْعِ الْاِجْتِمَاعِيِّ لِلْآخَرِ.
هُنَا تَنْقَلِبُ الْقِيَمُ ،وَالْمَقَايِيسُ ، فَهْيَ،عِنْدَ هَذَا الطَّرَفِ ،غَيْرُهَا عِنْدَ الطَّرَفِ الْمُقَابِلِ.
أَمَّا فِي هَذَا النَّصِّ، فَالشَّأْنُ إِنَّمَا هُوَ شَأْنُ الْمَرْأَةِ مَعَ  الرَّجُلِ . قَدْ  تَتَّحِدُ أَحْيَانًا وَتَنْسَجِمُ هَذِهِ مَعَ هَذَا بِصُورَةٍ اِنْسِيَابِيَّةٍ وَتِلْقَائِيَّةٍ أَوْ قُلْ بِصُورَةٍ عَاطِفِيَّةٍ وَحَمِيمِيَّةٍ بَعِيدَةٍ كُلَّ الْبُعْدِ عَنْ قِرَاءَةِ الْحِسَابَاتِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَادِّيَّاتِ ،وَمَا أَقَلَّ وَأَنْدَرَ أَنْ نُعَايِنَ مِثْلَ هَذَا الْوَضْعِ فِي حَيَاتِنَا الْعَصْرِيَّةِ الرَّاهِنَةِ .
لِهَذَا يُمْكِنُ تَقْيِيمُ هَذَا النَّصِّ الشِّعْرِيِّ كَمَرْجِعٍ أَسَاسِيٍّ فِي بِنَاءِ الْعَلَاقَاتِ الزَّوْجِيَّةِ بِتَصَوُّرٍ هُوَ إِلَى الْمَادِّيَّةِ وَالْمَصْلَحِيَّةِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى التَّقَارُبِ فِي الْأَفَكَارِ وَالْاِتِّحَادِ فِي الْبِنَاءِ ،وَهَذَا الْأَغْلَبُ الْجَارِي فِي عَصْرِنَا.
الشَّاعِرُ شُكْرِي وَارِدَة يَطْرَحُ هَذِهِ الْإِشْكَالِيَّةَ بِصُورَةٍ فِيهَا التَّدَرُّجُ كَالْآتِي :
أ‌- الطَّرْحُ الْأَوَّلُ :
أَنَّ الشَّاعِرَ يُؤَكِّدُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ أَوْ أَنَّ هَذَا الصِّنْفَ مِنَ النِّسَاءِ يُقْبِلُ عَلَى الرَّجُلِ ،وَيُظْهِرُ مَحَبَّتَهُ لَهُ ،وَيَسْتَدِرُّ مِنْهُ الْحُبَّ ،حَتَّى إِذَا مَا اِسْتَتَبَّ الْحُبُّ فِيهِ ،وَظَهَرَ مِنْهُ التَّعَلُّقُ بِهِ ،تَنَكَّرَ لَهُ ،وَذَهَبَ أَيْ هَذَا الرَّهْطُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَى غَيْرِهِ حَيْثُ ظُرُوفُهُ تَبْدُو أَحْسَنَ مِنْ سَابِقِهِ الَّذِي تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ تُخَلِّفَ عَلَاقَتُهَا  بِغَيْرِهِ بِالْاِنْفِصَالِ عَنْهُ ، صَدْمَةً لَهُ قَدْ تُؤَثِّرُ فِيهِ نَفْسَانِيًّا وَبَدَنِيًّا .
لِنَنْظُرْ إِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْأُولَى الَّتِي يَطْرَحُهَا الشَّاعِرُ ،وَيُبَيِّنُ فِيهَا أَنَّ هَذِهِ الْعَلَاقَةَ الْحَمِيمِيَّةَ مُنْطَلِقَةٌ أَسَاسًا مِنَ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَتْ مُنْطَلِقَةً مِنْهُ .مِمَّا يُؤَكِّدُ هَذِهِ الْوِجْهَةَ :*اِسْتِعْمَالُهُ ضَمِيرَ الْغَائِبِ الْمُؤَنَّثِ :"هِيَ "مِنْهَا :قَوْلُهُ : *هِيَ الَّتِي بَادَرَتْنِي – وَقَوْلُهُ :* وَبَرَّأَتْ ... – وَقَوْلُهُ :*هِيَ الَّتِي أَنْهَتْ مِشْوَارِي الصَّعْبْ.
أَلَيْس ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ تَحْمِيلِ مَسْؤُولِيَّةِ نَشْأَةِ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ الْحَمِيمِيَّةِ إِيَّاهَا ،وَأَنَّهُ مُبَرَّأٌ مِنْهَا تَمَامًا ؟وَأَنَّهَا  فَاعِلَةٌ بَيْنَمَا كَانَ هُوَ الضَّحِيَّةُ ،وَعِنْدَ قَوْلِهِ :هِيَ ،فَمُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ ،أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي بَادَرَتْهُ بِالْحُبِّ ، فَمَا عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تُكْمِلَ مِشْوَارَهَا مَعَهُ لِتُوَاصِلَ  مَعَهُ هَذِهِ الْعَلَاقَةَ الْحَمِيمِيَّةَ لَا أَنْ تَبْدَأَهَا ،وَتُبَارِحَهُ فِيمَا بَعْدُ إِلَى غَيْرِهِ ،لِتَعْلَقَ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ تَرَى أَنَّ الْحَيَاةَ مَعَهُ سَتَحْلُو وَتَسْهُلُ وَتَسْعَدُ،لِوَفْرَةِ مَالِهِ أَوْ لِرِفْعَةِ جَاهِهِ ،أَوْ لِسَطْوَةٍ لَهُ فِي هَذَا أَوْ ذَاكَ مِنَ الْحُقُولِ .
الطَّرْحُ الثَّانِي:
عَمَدَ الرَّجُلُ الَّذِي تَحَدَّثَ الشَّاعِرُ عَلَى لِسَانِهِ ،إِلَى إِظْهَارِ سَلْبِيَّتِهِ وَاِنْخِدَاعِهِ بِالْمَظَاهِرِ ،فَبَيَّنَ لَفْظِيًّا أَنَّهَا هِيَ الَّتِي اِخْتَارَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ قَدِ اِخْتَارَهَا ،وَلَكِنَّهُ أَطْلَقَ هَوَاهُ بِالْمَقَاسِ الَّذِي حَدَّدَتْهُ لَهُ ،وَأَنَّهُ كَجَوَابٍ عَلَى مُبَادَرَتِهَا إِلَى صُحْبَتِهِ ، عَشِقَهَا وَالْعِشْقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَثَابَةِ حُبٍّ أَرْفَعَ دَرَجَةً مِنْ حُبِّ الطَّرَفِ الْمُقَابِلِ ، فَهْوَ لِذَلِكَ يُعَدُّ جَوَابًا يُرِيدُهُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مُفْحِمًا وَمُقْنِعًا ،وَلَكِنَّهُ لَقِيَ  مِصْدَاقَ قَوْلِ الشَّاعِرِ :
"وَنَـــــــــــادَيْتَ لَوْ نَــــــــــادَيْتَ حَيًّــــــــا **وَلَكِــــــــنْ لَا حَيَــــــاةَ لِمَـــــنْ تُنَـــــادِي " .
يُرِيدُ الشَّاعِرُ أَنْ يُؤَكِّدَ عَلَى لِسَانِ هَذَا الْمَغْرُورِ أَوِ الْمَغْدُورِ ، أَنَّمَا الدَّوْرُ الْإِيجَابِيُّ كَانَ لَهَا بَيْنَمَا الدَّوْرُ السَّلْبِيُّ كَانَ لَهُ .لِنَنْظُرْ كَيْفَ عَبَّرَ الشَّاعِرُ عَنْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُتَحَدِّثَ عَنْهُ كَانَ الضَّحِيَّةَ :يَسْتَعْمِلُ نَفْسَ الْعِبَارَةِ ، أَيْ :" أَنَا الَّذِي "فِي بِدَايَةِ السِّطْرَيْنِ : الْخَامِسِ وَالسَّابِعِ ، وَفِي اِسْتِعْمَالِهِ لِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ :"أَنَا"فِيهِ مَا فِيهِ مِنَ النَّدَمِ وَالْحَسْرَةِ وَالْإِحْسَاسِ الْمَرِيرِ بِالْخَيْبَةِ فِي بِنَاءِ مُسْتَقْبَلِهِ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمُتَحَدِّيَةِ ، زِدْ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ :"لَكِنَّهَا بَاعَتْنِي فِي الْأَخِيرِ بِغَيْرِ سَبَبْ "وَهْيَ نِهَايَةٌ يُمْكِنُ عَدُّهَا مَأْسَاوِيَّةً بِالنِّسْبَةِ لِمِثْلِ هَذَا الرَّجُلِ السَّلْبِيِّ.
ت - الطَّرْحُ الثَّالِثُ :
فِي هَذَا الطَّرْحِ ،تَظْهَرُ ثَوْرَةُ الْمَخْدُوعِ ،وَذَلِكَ يَبْدُو جَلِيًّا فِي كَثْرَةِ مَا كَتَبَ عَنْ هَذَا الْاِنْخِدَاعِ ، مِنْ ذَلِكَ تَعَدُّدُ الْكُتُبِ الَّتِي تَحَدَّثَ فِيهَا عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْأَلِيمَةِ ، كَمَا يُظْهِرُ مِنْ خِلَالِهَا  شِدَّةَ أَلَمِهِ مِنْ هَذَا الْحُبِّ الضَّائِعِ،وَتَنَكُّرَهُ لَهُ.
لِنَنْظُرْ فِي قَوْلِهِ :"وَذَلِكَ عِنْدَ حَدِيثِهِ فِي نِهَايَةِ النَّصِّ عَنْ:" مَسَارِ حُبٍّ بِلَا دَرْبْ" وَ"عَنْ شَمْسٍ تُشْرِقُ مِنَ الْغَرْبْ "مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُبَّ غَيْرُ طَبِيعِيٍّ بِالْأَسَاسِ ،وَأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُنْطَلَقُهُ ،وَلَيْسَتْ هِيَ ،وَهْوَ الَّذِي يُمْسِكُ بِزِمَامِ أُمُورِهِ وَلَا يَدَعُهَا عِنْدَهَا لِتَعْبَثَ بِهِ عَبَثَهَا الَّذِي تَجَلَّى فِي النَّصِّ .
06/كَلِمَـــــةُ الْخِتَـــــــامِ:
يُعَالِجُ الشَّاعِرُ ، فِي نَصِّهِ هَذَا ،ظَاهِرَةً اِجْتِمَاعِيَّةً قَدِيمَةً وَجَدِيدَةً مُتَجَدِّدَةً ،وَهْيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ أَسَاسًا بِكَيْفِيَّةٍ تَكُونُ ،عَادَةً مَجْهُولَةً،وَكَثِيرَةَ الْمُفَاجَآتِ أَوْ مُخْتَلِفَتَهَا ،ذَلِكَ أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ تَزَاوُجًا ،وَالتَّزَاوُجُ يَسْتَدْعِي التَّأَمُّلَ وَالتَّغْيِيرَ وَاِخْتِيَارَ الْأَفْضَلِ ،مِنْ كِلَا الطَّرَفَيْنِ ،أَعْنِي مِنَ الْفَتَاةِ أَوْ مِنَ الْفَتَى .
صَحِيحٌ أَنَّ هَذَا التَّمَشِّي هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ مَهْمَا كَانَتْ إِرَادَةُ الطَّرَفَيْنِ قَوِيَّةً ،وَلَكِنَّ الْحَاصِلَ فِي النِّهَايَةِ لَا يُقَرِّرُهُ لَا الذَّكَرُ وَلَا الْأُنْثَى ،وَإِنَّمَا يَخْتَارُ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبِيلَهُ بِحَسَبِ مَا يَقْرَأُهُ فِي نَفْسِهِ وَيَعْتَمِلُ فِي دَاخِلِهَا مِنَ الْعَوَاطِفِ الْقَابِلَةِّ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ أَوِ الرَّافِضَةِ لَهُ.
هُنَا ،تَحْدُثُ الْمُفَاجَآتُ، وَرُبَّمَا تَكُونُ صَادِمَةً لِهَذَا الطَّرَفِ أَوْ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ،وَذَلِكَ جَرَّاءَ نَزْعَةِ الْإِنْسَانِ أَحْيَانًا ،إِلَى الْاِبْتِعَادِ عَنْ قَنَاعَاتِهِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي تَقْضِي بِالْاِكْتِفَاءِ بِنَصِيبِهِ مِنَ الْبَوَادِرِ الْأُولَى،وَتَفْضِيلِ الْمَنْحَى الْإِنْسَانِيِّ وَالْأَخْلَاقِيِّ عَلَى الْمَنَاحِي الْمَادِّيَّةِ مِنْهَا وَالْمَصْلَحِيَّةِ وَالدَّمَوِيَّةِ.
هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي عَالَجَهَا الشَّاعِرُ فِي نَصِّهِ هَذَا ،سَتَبْقَى الْيَوْمَ وَغَدًا وَسَوْفَ تَبْقَى عَلَى طُولِ الْمَدَى ،ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَبْقَى بِمَحْدُودِيَّتِهِ فِي التَّفْكِيرِ وَالْوُقُوفِ عَلَى نَصِيبِهِ مِنَ الْغَيْبِ،أَمَّا الشَّاعِرُ فَيَعُودُ الْفَضْلُ إِلَيْهِ فِي إِزَاحَةِ السِّتَارِ عَنْهَا  .
*نِــــــــــــــــــــدَاءٌ :
يَا حَبَّذَا لَوْ أَنَّ الشُّعَرَاءَ أَوِ الشَّاعِرَاتِ الَّذِينَ يُرْسِلُونَ إِلَى مَجَلَّةِ شَهْرَزَادَ نُصُوصَهُمُ الشِّعْرِيَّةَ يَشْكُلُونَهَا الشَّكْلَ التَّامَّ ،لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَعْلِيمِيَّةٌ بِالْأَسَاسِ ، وَيَرْسُمُونَ فِي بِدَايَتِهَا أَوْ نِهَايَتِهَا مُوجَزًا عَنْ حَيَاتِهمْ :[ * وِلَادَتَهُمْ - تَارِيخَهَا وَمَكَانَهَا *بَلَدَهُمْ وَجِنْسِيَّتَهُمْ * مِهْنَتَهُمْ * أَعْمَالَهُمْ :تَآلِيفَهُمْ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ تَآلِيفُ أَوْ أَنَّهُمْ يَعْتَزِمُونَ إِصْدَارَ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ *هِوَايَتَهُمْ أَوْ هِوَايَاتِهِمْ ،لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لِلتَّعْرِيفِ بِهِمْ فِي صُورَةِ اِخْتِيَارِ إِحْدَى قَصَائِدِهِمْ عِنْوَانًا لِتَكْرِيمِهِمْ ،وَلَرُبَّمَا يَقَعُ إِدْرَاجُهَا مُسْتَقْبَلًا فِي كُتُبِ النُّصُوصِ ضِمْنَ الْبَرَامِجِ التَّرْبَوِيَّةِ لِغَايَةِ تَدْرِيسِهَا فِي إِحْدَى الْمَرْحَلَتَيْنِ :الْإِعْدَادِيَّةِ أَوِ الثَّانَوِيَّةِ ،وَشُكْرًا.

هناك 3 تعليقات:

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...