الاثنين، 27 يناير 2020

أكرم العرب ... بقلم د.صالح العطوان الحيالي

اكرم العرب
ــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق - 10-1-2020
الكرم: هو سعة الخلق، فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر من الإنسان، ولا يقال هو كريم حتى يظهر منه ذلك، فيقال للشخص بأنه كريم إذا ظهر منه أعمالٌ كبيرة: كإنفاق مال كثير في عُسرة، أو تحمل حملٍ تُحقن به دماءُ قوم.
 وأكرم الأفعال المحمودة ما يقصد به أشرف الوجوه، وأشرف الوجوه ما يقصد به وجه الله تعالى، فمن قصد وجه الله تعالى في أفعاله فهو التقي الكريم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، فأكرم الناس من قصد بأفعاله المحمودة وجه الله تعالى، وهو الذي يفوز بثواب الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، فخص سبحانه بالأجر العظيم من أراد بإحسانه مرضاة الله الكريم.
 وكل شيء يشرف في بابه يوصف بأنه كريم، كما قال تعالى: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [لقمان: 10]، فأشرف كل جنس أكرمه، ولما كان عطاء الله ورزقه لعباده وثوابه لهم لا نظير له في حسنه وكثرته وسعته وُصف بأنه كريم، كما قال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحج: 50]، وقال تعالى: ﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾[يس: 11].
 وقد سمى سبحانه نفسه بالكريم والأكرم، ووصف نفسه بالكرم، لأن لفظ الكرم جامع للمحاسن، لا يراد به مجرد الإعطاء، بل الإعطاء من تمام معناه، وإلا فالكرم كثرة الخير ويسره، فالله سبحانه أخبر بأنه الأكرم في قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3]، بصيغة التفضيل والتعريف لها ـ، فدل على أنه الأكرم وحده مطلقًا غير مقيد، فدل على أنه متصف بغاية الكرم الذي لا شيء فوقه ولا نقص فيه، فهو سبحانه الكريم مطلقًا الذي كمل كرمه وكبر فضله.
الكرم هو صفة أصيلة في النفس الإنسانية ومعناها الإعطاء الإنفاق وطيب النفس وهو ضد اللؤم والنذالة
قال خليفة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، الصدّيق أبوبكر، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»، وعنه، رضي الله عنه، «الجود حارس الأعراض».
وقال الإمام علي، كرّم الله وجهه، «الكرم أعطف من الرحم».
ويحكى أن إعرابيا نزل بقوم فقال لهم: أرى وجوها وضيئة وأخلاقا رضيّة، فإن تكن الأسماء على نحو ذلك فقد سعدت بكم أمكم، فقال أولهم: أنا عطية، وقال الثاني، أنا كرامة، وقال الآخر: أنا عبدالواسع، وقال الأخير: أنا أدعى فضيلة، فأنشأ الإعرابي يقول:
كرم وبذل واسع وعطية
إلى أين أذهب أنتم أعين الكرم
من كان بين فضيلة وكرامة
لا ريب يفقؤ أعين العدم
فكسوه وأحسنوا إليه وانصرف شاكرا غانما مسرورا بكرمهم وسعيدا.
والكرم اسم واقع على كل نوع من أنواع الفضل، ولفظ جامع لمعاني السماحة والبذل، والكرم صفة أصيلة في النفس الإنسانية، ومعناه الإعطاء، الإنفاق، وطيب النفس، وهو ضد اللؤم والنذالة، والبخل والشح، ومن أجمل الصفات العربية التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.
وهو سلوك متأصل في الشخصية العربية وفي الفرد العربي، مستمد من جينه الموروث، بمعنى أن هناك استعدادا جينيا لدى الإنسان العربي لانتهاج سلوك كريم، وهو يشتد ويتزاوج مع أسلوب التربية في فترة الطفولة والمراهقة، ولا يقتصر التأثير الجيني على أسلوب تربية الوالدين، وإنما تتأثر شخصية الفرد بأفكار المجتمع المحيط به، فتتعمق فيه السجية وتزداد. والجينات هى الوحدة الأساسية للمعلومات الوراثية في كل الكائنات الحية، فهي تحمل المعلومات اللازمة لبناء الخلايا والحفاظ عليها، والقيام بكل الوظائف الحيوية، ومن ثم بناء أجسام الكائنات وإعطاؤها صفاتها المتميزة.
اختلف ثلاثة عند الكعبة في أكرم أهل زمانهم، فقال أحدهم: عبد الله بن جعفر، وقال الآخر: قيس بن سعد، وقال الآخر: عرابة الأوسي، فتماروا في ذلك حتى ارتفع ضجيجهم عند الكعبة.
فقال لهم رجل: فليذهب كل رجل منكم إلى صاحبه الذي يزعم أنه أكرم من غيره، فلينظر ما يعطيه وليحكم على العيان.
فذهب صاحب عبد الله بن جعفر إليه فوجده قد وضع رجله في الغرز ليذهب إلى ضيعة له، فقال له: يا بن عم رسول الله ابن سبيل ومنقطع به.
قال: فأخرج رجله في الغرز وقال: ضع رجلك واستو عليها فهي لك بما عليها، وخذ ما في الحقيبة، ولا تخدعن عن السيف فإنه من سيوف علي، فرجع إلى أصحابه بناقة عظيمة إذا في الحقيبة أربعة آلاف دينار، ومطارف من خز وغير ذلك، وأجلُّ ذلك سيف علي بن أبي طالب.
ومضى صاحب قيس بن سعد إليه فوجده نائما، فقالت له الجارية: ما حاجتك إليه؟
قال: ابن سبيل ومنقطع به.
قالت: فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار ما في دار قيس مال غيره اليوم، واذهب إلى مولانا في معاطن الإبل فخذ لك ناقة وعبدا، واذهب راشدا.
فلما استيقظ قيس من نومه أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها شكرا على صنيعها ذلك.
وقال: هلا أيقظتني حتى أعطيه ما يكفيه أبدا، فلعل الذي أعطيتيه لا يقع منه موقع حاجته.
وذهب صاحب عرابة الأوسي إليه فوجده وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو يتوكأ على عبدين له - وكان قد كف بصره - فقال له: يا عرابة.
فقال: قل.
فقال: ابن سبيل ومنقطع به.
قال: فخلى عن العبدين ثم صفق بيديه، باليمنى على اليسرى، ثم قال: أوّه أوّه، والله ما أصبحت ولا أمسيت وقد تركت الحقوق من مال عرابة شيئا، ولكن خذ هذين العبدين.
قال: ما كنت لأفعل.
فقال: إن لم تأخذهما فهما حران، فإن شئت فأعتق، وإن شئت فخذ.
وأقبل يلتمس الحائط بيده.
قال: فأخذهما وجاء بهما إلى صاحبيه.
قال: فحكم الناس على أن ابن جعفر قد جاد بمال عظيم، وأن ذلك ليس بمستنكر له، إلا أن السيف أجلها.
وأن قيسا أحد الأجواد حكم مملوكته في ماله بغير علمه واستحسن فعلها وعتقها شكرا لها على ما فعلت.
واجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسي، لأنه جاد بجميع ما يملكه، وذلك جهد من مقل.
وقال سفيان الثوري: عن عمرو، عن أبي صالح قال: قسم سعد بن عبادة ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها، فولد له ولد بعد وفاته، فجاء أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد فقالا: إن أباك قسم ماله ولم يعلم بحال هذا الولد إذا كان حملا، فاقسموا له معكم.
فقال قيس: إني لا أغير ما فعله سعد ولكن نصيبي له.
المصادر
ـــــــ
القران الكريم
صحيح مسلم
صحيح البخاري
البداية والنهاية لابن الاثير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...