الخميس، 27 ديسمبر 2018

التنمية البشرية... د.صالح العطوان الحيالي

التنمية البشرية
ــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 15-12-2018
في خضم نشاط الإنسان اليومي، وتفاعله الدائم مع النّاس المحيطين به، يحتاج إلى تنمية قدراته باستمرار، بما يُمكِّنه من القيام بنشاطه وعمله على كافة الأصعدة، فالتنمية البشريّة هي تنمية وتطوير قدرات الإنسان وإمكانيّاته بشكل دائم ومستمر، وذلك بما يُمكنه من ممارسة نشاطه المعتاد، وباعتباره أداة وغاية للتنمية، وللتنمية البشريّة أسس فكريّة تنطلق منها، وشروط ومعايير محددة، ولها آثار تترتب عليها.
التنمية البشرية هي تطوير مهارات الإنسان، وقدراته حتى تمكنه من الوصول بمجهودهِ إلى الإرتقاء بمستوى مرتفع من الإنتاج والدخل.
التنمية البشريّة هي عمليّة زيادة الخيارات المتوفّرة للأفراد، وتشمل ثلاثة خيارات رئيسيّة، وهي توفير حياة صحيّة وبعيدة عن الأمراض، وزيادة انتشار المعرفة، وتوفير الموارد التي تُساهم في وصول الأفراد إلى مستوىً حياتيٍّ لائقٍ، كما تُعرَّف التنمية البشريّة بأنّها العمليّة التي تهدف إلى زيادة كميّة الخيارات المتاحة للنّاس وحجمها؛ عن طريق زيادة المهارات والمُؤهّلات البشريّة
أصدرت الأمم المتحدة تقريرا سمي ب مؤشر التنمية البشرية في دول العالم، ويقيم المؤشر مجهودات التنمية البشرية في كل دولة
صدر التقرير في عام 1991 وقام بإعداده عالم الاقتصاد الباكستاني محبوب الحق، حيث أكد فيه أن التنمية البشرية لا تؤدي مهامها دون أن يكون هناك نمواً اقتصادياً مصاحباً، وإلا لن يكون هناك تحسن في الأحوال البشرية عموماً. وفي العام 1994 صدر تقرير التنمية من الأمم المتحدة الذي أكد أن التنمية البشرية هي نموذج هام من نماذج التنمية والتي من خلالها يمكن لجميع الأشخاص من توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلى أقصى حد ممكن وتوظيفها أفضل توظيف في جميع الميادين. ويخلص التقرير إلى أن التنمية البشرية بقدر ما هي مسعي لتحسين حياة الأجيال الحاضرة فهي كذلك صمام أمان يحمى خيارات الاجيال التي لم تولد بعد. ذلك أن التنمية المستدامة تعمل على توفير الإنصاف داخل الجيل الواحد وبين الأجيال المتعاقبة، فكما أن الجيل الحالي يتحمل عادة معاشات التقاعد للجيل السابق، فإن الجيل القادم سوف يتحمل مصروفات معاشات الجيل الحالي العامل. ذلك أن ديون الدولة تتحملها في المقام الأول الأجيال القادمة حيث أن تلك الديون هي ديون طويلة الأجل.
تظهر التنمية بوضوح الفارق بين الدخل ورفاهية الإنسان من خلال قياس معدل الإنجازات في مجالات الصحة والتعليم والدخل. ويعطي دليل التنمية في بلد ما صورة أكثر وضوحا لحالة مجتمع ورفاهيته من الصورة التي يعطيها الدخل وحده. التنمية البشرية مبنية في المقام الأول على اتاحة الفرصة للمواطن بأن يعيش نوع الحياة الذي يختارها ومزاولة العمل المناسب لهم – وعلى تزويدهم بالأدوات المناسبة والفرص المؤاتية لللوصول إلى تلك الخيارات. وفي السنوات الأخيرة، سعى تقرير التنمية البشرية بقوة إلى إثبات أن هذه المسألة هي مسألة سياسة تقوم بها الدولة بقدر ما هي مسألة اقتصاد – من حماية حقوق الإنسان إلى تعميق الديمقراطية والعمل الجماعي. والتنمية البشرية تنمي القدرات أبناء الوطن بصفة أساسية، وتراعي في نفس الوقت حصول الأقليات دينية أو عرقية أو من المهاجرين على حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع من التعليم والوظائف والمدارس والمستشفيات والعدالة والأمن وغيرها.
نشأة التنمية البشريّة
ـــــــــــــــــــ ظهرت الجذور الأولى للتنمية البشريّة في أمريكا، وتأثّرت بالسلوكيّات اليوميّة للنّاس، فانتشرت بالتّزامن مع ظهور الترجمة اللغويّة كأحد الفنون في سبعينيّات القرن العشرين الميلاديّ، ومع الوقت تطوّرت مروراً بعدّة مراحل، وهي:
المرحلة الكلاسيكيّة وبعد الحرب العالميّة الثانية:
هي فترة ارتبطت فيها التنمية البشريّة مع مفاهيم أُخرى، مثل التنمية الاقتصاديّة؛ حيث كان اهتمام العُلماء والمُفكّرين معتمداً على الدراسة الاقتصاديّة لزيادة الناتج القوميّ الإجماليّ؛ من أجل تطوير مستوى المعيشة ورفع دخل الأفراد للوصول إلى الاستقلاليّة الاقتصاديّة، وظهرت في ذلك الوقت النظريّة الكلاسيكيّة في الاقتصاد، المعتمدة على آراء مجموعة من العلماء المشهورين، وهم آدم سميث، وتوماس مالتوس، وديفيد ريكاردو، واعتبرت النظريّة الكلاسيكيّة أنّ السُكّان ورؤوس الأموال هما المكوّنان اللذان يُساهمان في الوصول إلى التنمية الاقتصاديّة، وصار الطابع الاقتصاديّ مُؤثّراً بوضوح على مفهوم التنمية أثناء ستينات وخمسينات القرن العشرين للميلاد، وفي أواخر الستينات لم يقتصر اهتمام التنمية بزيادة الدّخل فقط، بل صار يعتمد على تنفيذ مجموعة من السياسات التي تسعى إلى تقليل الفقر، ودعم توزيع الدخل بين الأفراد.
مرحلة الفترة الزمنيّة من السبعينات إلى التسعينات:
هي الفترة التي تراجع فيها التأثير الاقتصادي في التنمية البشريّة، وأصبح التأثير الاجتماعيّ هو المُؤثّر الرئيسيّ؛ حيث صارت المجتمعات الغربيّة تُحقّق تطوّرات ملحوظة في معيشتها، ولكنّها لم تُساهم في تحقيق السعادة للنّاس، وفي عام 1970م حرصت هيئة الأُمم المُتّحدة على إعادة دراسة مفهوم التنمية وتحليلها، وتوصّلت إلى أنّها تهدف إلى تحقيق الرفاهيّة وتوفير فوائدها لجميع النّاس؛ حيث تمّ التركيز على عنصرَين، وهما وصول التنمية إلى وضع أفضل من الوضع السابق؛ ممّا يُساهم في تحقيق الرّفاه للأفراد، والحرص على تفعيل العدالة بتوزيع النتائج الناتجة عن الناتج القوميّ؛ لتعميم فوائد التنمية لجميع النّاس.
التطور
ــــــ بدأ مفهوم التنمية البشرية يتضح عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج البلدان التي شاركت في الحرب مصدومة من الدمار البشري والاقتصادى الهائل وخاصة الدول الخاسرة. فبدأ بعدها تطور مفهوم التنمية الاقتصادية وواكبها ظهور التنمية البشرية لسرعة إنجاز التنمية لتحقيق سرعة الخروج من النفق المظلم والدمار الشامل الذي لحق بالبلاد بسبب الحروب. ومن هذا التاريخ بدأت الأمم المتحدة تنتهج سياسة التنمية البشرية مع الدول الفقيرة لمساعدتها في الخروج من حالة الفقر التي تعانى منها مثل ما قامت به مع كل من: بنغلاديش وباكستان وغانا وكولومبيا وكثير من الدول الأخرى، مستغلة في ذلك خبرات البلاد التي أصبحت متقدمة لاتباعها هذا المنهاج. تطور مفهوم التنمية البشرية ليشمل مجالات عديدة منها: التنمية (الإدارية- والسياسية -و التعليمية - والثقافية)، ويكون الإنسان هو القاسم المشترك في جميع المجالات السابقة.
ولهذا فتطور الأبنية: الإدارية والسياسية والتعليمية والثقافية له مردود على عملية التنمية الفردية من حيث تطوير انماط المهارات والعمل الجماعي والمشاركة الفعالة للمواطن في عملية التنمية بغرض الانتفاع بها.
وعلى هذا يمثل منهج التنمية البشرية الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها المخططون وصانعوا القرار لتهيئة الظروف الملائمة لإحداث التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتطور بالمجتمع على طريق الرخاء والرفاهية.
ويمكن إجمال القول أن التنمية البشرية هو المنهج الحكومي في المقام الأول الذي يهتم بتحسين نوعية الموارد البشرية في المجتمع وتحسين النوعية البشرية نفسه، كما تهتم كل مؤسسة وكل شركة بتنمية قدرات العاملين فيها سواء على المستوى الإداري شموليا لتشمل كل العاملين على جميع مستوياتهم الوظيفية.
شروط التنميّة البشريّة
ـــــــــــــــــ
شروط إداريّة: تتعلّق بالمهارات الإداريّة والفنيّة، واعتماد نهج التخطيط الجيّد، المبني على أصوله السليمة.
شروط تقنيّة: كالتنمية فيما يتعلّق باستخدام منجزات العصر وتقنياته المختلفة: كالحاسوب والإنترنت، وشبكات التواصل المختلفة: كالفيس بوك والانستجرام، والتويتر، والواتس آب.
شروط سكانيّة: تتمحور حول الاستعمال الأمثل للموارد البشريّة المتعددة، وارتفاع مستوى المعيشة، وآلية تطوير الإنسان لنفسه لمواجهة صعوبات الحياة المختلفة.
شروط اجتماعيّة: تركز على تعزيز ثقافة العمل والإنجاز البشري فيه، ومرونة البنية الإجتماعيّة، وتحقيق المساواة الإجتماعيّة، وتحقيق قدر من التواصل الإيجابي بين النّاس.
شروط سياسيّة: تقوم على تعزيز الشورى وتفعيل الديمقراطيّة، وحرية الرأي والتعبير، وتداول السلطة وعدم احتكارها.
شروط صحيّة: تتعلق بالارتفاع بمستوى الرعاية الصحيّة.
الأوضاع الطبقية:مرونة البناء الاجتماعى والمساواة الاجتماعية.
الأوضاع النفسية:ضرورة تهيئة المناخ النفسى العام والتشجيع على التنمية
الأوضاع الصحية: تحسن مستويات الرعاية الصحية وانخفاض الوفيات وارتفاع معدلات الحياة.
الأوضاع التعليمية: تطور أساليب التعليم.
العلاقة بين التنمية البشرية وتنمية الذات
ـــــــــــــــــــــــــــــــ تنمية الذات من مكوّنات التنميّة البشريّة، والتنمية البشريّة أوسع في شموليتها ودلالتها من تنمية الذات، ويقصد بتنمية الذات بأنّها تنمية مهارات الحياة العمليّة، مثل: مهارة الاتصال والتواصل، والقيادة، وفن إدارة الوقت، وهناك محددات لتنمية الذات تتمحور حول مدى تناسقها مع أصول الدين، وعادات المجتمع وتقاليده، وكذلك مدى صحة أساليب تنمية الذات، أمّا فيما يتعلق بنظرة الإسلام إلى تنمية الذات، فقد حث الإسلام على التطوير المستمر، بل جعله من معاني مفهوم الخلافة البناء والتعمير بعيداً عن الإفساد والتخريب
أهداف التنمية البشريّة
ــــــــــــــــــــــ
تسعى التنمية البشريّة إلى تحقيق جُملةٍ من الأهداف المهمة، وهي:
توفير الوسائل التي تُسهّل حصول جميع النّاس الذين يعيشون في مجتمع واحد على التعليم، والسعي إلى الحدّ من انتشار الجهل والأميّة بين الأفراد.
المساعدة على ظهور فُرَص العمل المُتزامِنة مع إنشاء ظروف تتناسب معها، سواء في المناطق الحضاريّة أو الريفيّة؛ وذلك للمساهمة في الحدّ من ظاهرة البطالة.
السعي إلى تطوير مستويات الرعاية الصحيّة، وتحديداً المُتعلقة بالأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن خمسة عشر عاماً.
المشاركة في بناء المساكن المناسبة للأفراد من أصحاب الدخول المحدودة.
المساهمة في الحدّ من انتشار الجوع، والسعي إلى زيادة مُعدّلات التغذية بين النّاس.
القضاء على الفقر.
السعي إلى رفع دخول النّاس؛ لتحسين مستوى معيشتهم.
توفير جميع حاجات الأفراد.
توفير الحريّات؛ سواء في الاقتصاد، أو السياسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...