بسم الله الرحمن الرحيم
{{عمر الفاروق...وكنيسة القيامة}}
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات / الأردن
مع تباشير الفتح الإسلامي لبلاد الشام واستقرار الأمر للعدالة الإسلامية شد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرحال نحو أكناف بيت المقدس على راحلته يرافقه خادمه ساعة يركب الجمل دون أبهة وعظمة إلا لله ، وساعة أخرى يركب الخادم ويقود به خليفة المؤمنين في فيافي صحراء جزيرة العرب ويقطع تلك التي تضرب لها أكباد الأبل، تشرئب نفسه مباركة الفتح وزيارة قادته وتفقد جنده وهو مطمئن للقاء الذي يجمعه مع صفرونيوس وأستلام مفاتيح بيت المقدس وأنه لشرف عظيم وقد دانت القدس الشريف لحاضرة الإسلام ورفع من على مسجد الأقصى الذي باركنا حوله أذان الصلاة...
ها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أشرف على الوصول بعد أن شد الرحال إلى المسجد الأقصى في بلاد الشام...
ويلتقي عمر الفاروق بأمين الأمة أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وقد حضر من أجل عقد الصلح مع أهل بيت المقدس من النصارى حينها...ويدخلان رضي الله عنهما ويتفقدا قبة الصخرة ومسجدها على الأرض المباركة وما حولها، ويصلي الفاروق في المسجد الأقصى وقد سبقه إلى هذا الفتح المبين صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأنبياء والمرسلين مما يدل على وحدة العقيدة والتوحيد،
{{...وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}}
ويتفقد عمر رضي الله عنه مع صحبه الكرام مرافق المسجد الأقصى بكل عزة وإكرام وخشوع وتذلل لله العزيز القهار...
ثم ينتقل الركب المبارك وتتطيبا لخاطر الراهب صفرونيوس بطريرك كنسية القيامة حينئذ لزيارتها وهي أقرب مكان وضمن حاضنة المسجد الأقصى لا تبعد عنه أمتار معدودات،
ولهذه الزيارة لفتة كريمة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يلبي دعوة الراهب صفرونيوس ويتجول في مرافق كنيسة القيامة وأركانها وهذا نوع من المودة والتقدير والاحترام لأهل تلك الديار...
وبينما الفاروق يتنقل في ذلك المكان مع صحبه الكرام صدح صوت الأذان الله أكبر الله أكبر...عندها أستعد رضي الله عنه لإداء الصلاة المكتوبة على المؤمنين ،
وبذلك انتهت زيارته إلى كنسية القيامة بعد أن تفقدها وأدخل السرور في نفوس الحاضرين...
والعجيب الغريب على الرغم من قرب المسجد الأقصى منه رضي الله عنه إلا أن سجل عملا يقتدى به بين النصارى والمسلمين إلى يوم الدين من الاحترام والتقدير...فخرج من كنيسة القيامة وعلى مقربة من بابها كبر وصلى اقتداء بقوله صلى الله عليه وسلم:-
{{... وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ}}
وزيادة في هذا التكريم بين النصارى والمسلمين فقد أذن النصارى فيما بعد بإقامة مسجد صغير كمصلى لعامة المسلمين من أوقافهم دون ضجر أو تأفف أو إزعاج فهذا هو عين التسامح... والتعاطف دون التعارض بين الطرفين وهكذا استمر حسن الجوار والتراحم والتألف والتزاور جيلا بعد جيل دون أن يعترض على ذلك أحد من المسلمين أو النصارى على تلك العلاقة التي أسس لها عمر الفاروق وسجل بها ولها فيما عرف بعد ذلك بالعهدة العمرية...
ومما يلفت النظر أن مقابل كنيسة المهد في بيت لحم وعلى مقربة منها بني مسجدا آخر سمي باسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بموافقة وتبرع وعدم ممانعة من النصارى ليصلي فيه كافة المسلمين وقد كان هذا من سنين طويلة وليس من قريب في سنة 1860 تم التبرع بها من قبل الكنيسة،ويقع في ميدان المهد قرب كنيسة المهد في مدينة بيت لحم ...
ويتكون المسجد من ثلاثة طوابق، العلوي يحوي المسجد، والأوسط مرافق المسجد والمتوضأ إضافة إلى المحكمة الشرعية، بينما يوجد في الطابق السفلي محلات تجارية فهو معلم شاهد على مر التاريخ على حسن الجوار والتعايش بأمان دون نزاع أو فرقة أو تشاحن وإنما تعاون وتحابب وألفة ومحبة...
كل هذا يؤرخ للسياسة التي رسمها فاروق الحق رضي الله عنه بالحفاظ على حقوق الآخرين وهكذا تبنى العلاقات بين البشر، فالدين يجمع لا يفرق ويمنع الاعتداء على أي أحد كان،
فكما تحب ألا يعتدى عليك ولو بكلمة واحدة تجرح شعورك, فالواجب يحتم عليك احترام الآخرين.
قال الله تعالى :-
{{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ***
لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ***
وَبِيَعٌ ***
وَصَلَوَاتٌ ***
وَمَسَاجِدُ ***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق