أبو مروان العنزي
من مجموعتي القصصية الأولى ( الحلم )
ط- دار نوفا بلاس الكويت -2012
5- العرس .. وذكريات امرأة ج 1
…… ناهزت أسماء الخمسين عاما من عمرها ، تبدو عليها علامات الوقار والاحترام ظاهرة وواضحة للعيان ، يناديها الجميع أم عزت ، ملكت قلوب أولادها الخمسة ، فلا يرون إلا بعينيها ، طموحهم من طموحها ، فقد طمحت بأهدافها حتى لامست الشمس . عندما تتكلم أم عزت تكشف عن ثقافة في نفسها كونتها التجربة ، وعمقتها الأيام ، تعطيك من الحديث حلاوته ، فتدفعك للإنصات لها من غير ملل .ولا يفوتك شخصيتها القوية ، التي تفرض وجودها من غير قصد منها ، تغوص في أعماقها فتعطيك جواهر الأصداف من بحر الأيام . كنت منهمكا في لعب الشطرنج مع صديقي عبد العظيم- (أبو عزت)- وكعادتي أرفق اللعب بهجوم نفسي. كش ملك ، سيموت الملك بعد نقلات ، نظر إلي مبتسما ، بل قل كش عسكري ، أين الملك ؟ من الصعب الوصول إلى الملك ، كل الساحة تحميه . قلت : سأصل إليه وأخترق كل الحراسات ، مساكين الملوك والقادة يظنون أن جنودهم سيحمونهم ، ضحك وقال : ويهربون من أول الطريق .جميلة لعبة الشطرنج تحرك العقل وتنشط اللسان، خاصة مع لاعب مثل صديقي عبد العظيم . … كانت أسماء جالسة إلى جانبنا غير بعيد عنا وعن أحاديثنا التي تتخلل لعبة الشطرنج ،تقرأ قصة كتبتها مؤخرا. وقد اندمجت في قراءة القصة .قربت مقعدها منا وقالت أستاذ أحمد :
- شخصية عبدو في القصة أبكتني أحسست بقربها مني ، أحس بقصصك أنها من الواقع ، قل لي من أين تختار شخصياتك ؟ وكيف ترسمها ؟ ضحكت ثم قالت : في المرة القادمة سأحكي لك قصة حياتي ، ليستفيد منها الجميع وخاصة أولادي .قال عبد العظيم لقد تعبت من سهرة اليوم وأتعبتك في المقاومة ، أنا أعترف أنك أقوى مني ولكن لا أستسلم أبدا أحب المقاومة والدفاع لآخر لحظة . وفي المرة القادمة ستروي لك أم عزت جانبا من حياة عظيمة ذكرياتها، بليغة حكمتها .
-قلت أنا مستعد لأسمع ولكن بعد أن أهزمك في الشطرنج في المرة القادمة ،أو ربما تهزمني ..من يدري ؟ كل شيء جائز في هذه الأيام .
قال أبو عزت الهزيمة حلوة ، إننا في عصر نتلذذ بالهزايم ،وانتكاس الرايات يا صاحبي .- هذا صحيح ، ولكننا باقون ، والمهم من يضحك بالآخر .
….. في جلسة هادئة شاعرية في حديقة المنزل في بيت صديقي عبد العظيم ، تكلمت أم عزت وبصدق ، وكما عهدتها في أحاديثها .
كنت طفلة كبقية الأطفال أعيش حياة سعيدة مملوءة بالبراءة ، في كنف أسرة كريمة ، أم حنون وأب شفوق ، أشعر بالراحة والسرور ..عندما بدأت أكبر شعرت باهتمام والدتي بالبنات حيث تحرص على أناقتنا وجمال مظهرنا .
... في مرة زارتنا قريبة لأمي ، كنت في الثانية عشر من عمري تقريبا، لا حظت فرحي ومروري من أمامها عدة مرات ، فشعرت بنظراتها الخبيثة الحاسدة ، سمعتها تقول لأمي : من أين جئت بهذه البنت يا أسماء ؟ أية صورة نظرت في حملك ؟ (اكفهر وجه أمي ) ثم قالت : لا تشبهك ولا تشبه أخواتها الجميلات ، أكيد جاءت على عماتها . غضبت أمي وقالت الحمد لله على حسن الخلقة. ردت المرأة : أي خلقة يا خديجة ؟.غضبت أمي ودار حديث غاضب بينهما وراحت المرأة تعتذر ونهضت مغادرة بيتنا .
- قلت وهل كنت تتسمعين على أمك ؟
- ألم أقل لك كنت صغيرة وأقف خارج الصالة ، وكانت لا تراني ؟.
لقد تركت تلك المرأة جرحا عميقا في نفسي لم يندمل إلا بعد سنوات كثيرة من عمري ، أحسست بكياني ينقلب وتغيرت أحوالي ، أدركت يومها أني غير جميلة ،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق