كلمة الكاتبة نهاي.
اشكر الدكتورين بطرس دلة ومنير توما على كلمتهما التي اثْرَت الكتاب واسعدتني واشكر الكاتب والاديب ناجي ظاهر الذي قام بمراجعة القصة وتدقيق اللغة.
قد ادخلت بهذه القصة الكثير من عاداتنا القديمة التي جمعتنا دائما على المحبة والخير. حين لم يكن يلهينا عن بعض كل تلك التقنيات الحديثة التي ادهشتنا ووسعت افاقنا واخذتنا الى عالم اخر غير الذي اعتدناه سابقا. فالهتنا وابعدتنا عن بعضنا البعض. والتي شغلتنا عن المهم والاهم في حياتنا الا وهي لمة العائلة المهمة جدا لارتباطنا ببعض عاطفيا اهلا واقرباء واحبابا. فكان لهذا الابتعاد مخاطره عن احضانهم التي تبث فينا المحبة والالفة واتلاف احدنا على الاخر. والخوف الكبير من عدم الانتباه لمراقبة نوعية الالعاب التي يلهو بها اولادنا طيلة النهار لتلهيهم عن المهم الذي يتطلب اهتماننا الا وهو التفرّغ للبحث والتنقيب عما يدفعنا الى الامام نجاحا وابداعا وخلقا. والخوف الكبير هو من ابتعادهم عاطفيا وتمسكهم بالعاب العنف التي سيطرت على عقول الكثيرين من اولادنا وابعدتهم عن الاهل وحمايتهم والتي قد تضيّعهم وتغيّر مسار حياتهم. والخوف الاكبر هو من مجهول يخيفنا لو استمر هذا الجفاف العاطفي بينهم. وعدم احترام مشاعر بعضنا البعض. وقد قلّ تقدير الاهل واحترام ارائهم واوامرهم واعتمد كل منهم على قدراته لشعوره بقيمة نفسه وبانه ليس بحاجة لفرض اوامر اي كان عليه مهما كانت منزلته. هم لا يعلمون انهم بحاجة ماسة لرعاية الاهل مهما بلغوا من العلم. فالاهل هم السند والحنان والمحبة والارشاد والحضن الذي يقيهم ويوقفوهم عند حدهم لو اندفعوا بطريق شائكة قد تورطهم وتضيعهم..
كلمة الدكتور بطرس دلة كفر ياسيف
الصديقة نهاي داموني ليست جديدة في عالم الاطفال حيث انها تكتب بغزارة وقلمها سيَّال بشكل كبير. لانها تؤمن ان الاطفال هم صغار اليوم ورجال الغد، وعلينا الاهتمام بتربيتهم وتوجيههم بحيث يحملون الراية للاجيال القادمة.
قصتها هذه بعنوان اجيال هي من هذا الرعيل. فهي لا تنفك تعالج قضايا الأجيال الناشئة وتوجّه لهم وجهة نظرها في اصول التربية الحديثة. ولا تكتفي بالمواعظ بل تغور بكتابتها بشكل كبير وبلا حدود. وتنتقل من الصغار الى الكبار كما لو كانت تكتب عن المراة وللمراة. فقد مرّت خلال حياتها بالعديد من العثرات التي تركت اثرها في نفسها ولذلك فانها تعمل على تنبيه الفتيات بشكل خاص الى مشاكل الحياة التي قد يواجهنها في حياتهن المستقبلية.
ولكن الى جانب ذلك فهي لا تنسى انها انسانة مؤمنة ولديها الكثير من الإنسانية التي تبرز واضحة في سطور قصصها. فتبدو كواعظة على منابر الاماكن المقدسة.
ان هذا الاسلوب ياتي كبديل عن تازيم القصة وعن توتر الاحداث التي تجعل القصة مقبولة على الصغار. ولا تستطيع الابتعاد عن هذا الاسلوب لانها تعيش حياتها بتجاربها الحياتيّة التي عانت منها في صباها فجاءت معبرة عن شخصيتها كل التعبير.
هكذا تبدو في مختلف قصصها كمصلحة اجتماعية تدعو الى الى المبادئ الانسانيّة الى البذل والعطاء والتسامح مع الاخرين. فتقتبس من الانجيل او من الاحاديث الشريفة او من كبار الكتاب بعض النصوص التي تثري القارئ الصغير وتوسّع مداركه في بعض التناصات مثلها في ذلك مثل كبار كتاب الاطفال.
اننا نحيّي فيها هذه الروح ونتمنى عليها ان تتابع مشوارها الابداعي في المستقبل.
لك الحياة ايتها الصديقة
الجمعة ١٦.١١.٢٠١٨ باحترام د. بطرس دلة
كفر ياسيف
كلمة الدكتور منير توما
لقد قدمت الكاتبة نهاي ابراهيم بيم.*داموني* في قصة الاطفال اجيال نموذجا للام التي تعظ ولديها نحو الممارسة الحياتية السليمة الناجحة للأولاد بما يخصّ الألعاب الحديثة وغير ذلك في الحاسوب ومقارنتها بما كان سائدا من العاب مفيدة اكثر كونها تجمع الأطفال معا وتزيد من حركتهم ويتبادلون الاحاديث وجها لوجه.
تدمج الكاتبة توجيهاتها ونصائحها بتيبيان الفضائل في التربية على الاولاد تجاه مستقبلهم حيث نرى في نهاية المطافة اتعاظ الولدين وتقبلهما باقتناع كامل كلام الأم مما يجعل من هذه القصة درسا للأطفال والأولاد قدمته الكاتبة بأسلوب رشيق واضح يطغى عليه عنصر الوعظ والإرشاد المباشر. اوردت الكاتبة في قصتها هذه حدثا سرديا دراماتيكيا بغية جعل الجو القصصي أكثر تشويقا واقناعا للطفل القارئ ليتّخِذ من الحدث قدوة عمليّة فاعلة في نفسه مع تاكيدنا وإشادتنا بالجهد المحمود الذي بذلته الكاتبة لإيصال رسالتها تربويًا واجتماعيًا.
بقلم الدكتور منير توما كفر ياسيف
قصة للاطفال . 29.11.018
أَجْيال............
لِسَمِيرةِ الأمِ الجَمِيلَةِ، طِفْلاَنِ جَمِيلاَنِ بِعُمْرِ الوُرُودِ.. الإِبْنَةُ حَنَانُ فِي الصَفِّ السَابِعِ. والإبْنْ عَادِل فِي الصَفِّ الثَّامِنِ. تَخَافُ عَلَيْهِمَا تَعْتَنِي بِهِمَا كَثِيرًا وبِمُسْتَقْبَلهما. ليَتَمَيَّزَا بَيْنَ طلابِ صفِّهيمَا.
عادل وحنان، يَقْضِيَان أغْلَب أوْقَاتهما على الحاسوبِ، وعلَى الأَلْعَابِ بِالهاتفِ. مِمَّا يُضَايِقُ الامَّ فَتَغْضَبُ لِلَهْوِهِمَا عَنْ درُوسِهِمَا بِتَفَاهَاتٍ أخَذَتْ عَقْلَ اغْلَبِيَّةَ أوْلادِنَا حتّى تَأخّرُوا عَنْ دُرُوسهمْ وَعَمّا يُفِيدهُمْ وَيَدْفَعهُمْ للامَامِ. عَتِبَتْ عليْهمَا لأنَّهُمَا يَتَجَاهَلاَنِ طَلَبَاتِهَا.
قَالَتْ لَهُمَا:- إنَّ وَقْتَ الدَّرسِ قَدْ حانَ، أُتْرُكَا الحاسوبَ واذهبَا لمُرَاجَعَةِ واجباتِكمَا المدرَسِيّةِ.
تَصْرُخُ حنان بِدلالٍ، حِين تَنْتَهِي اللُّعْبةُ يا ماما!
يَصْرخُ عادل أعطِني قليلاً مِنَ الوَقْتِ يا ماما لأَتَمَتَّع باللعبةِ!
حِينَ لا يَمْتَثِلانِ لَهَا، تَقْتَرِبُ مِنْهُمَا تُلاَطِفهمَا وَتَقُولُ: إِنْهَضَا الآن يا حَبِيبيَّ دُونَ نِقَاشٍ. فالدُروسُ اهَمُّ مِنْ هَذِهِ الألْعَابِ المُؤْذِيَةِ. أُرِيدُكُمَا مِنْ أَفْضَلِ الطُلاّبِ..
قالتْ حنان: ألمْ تَلْعبِي أنْتِ مِثْلَنَا حِينَمَا كُنْتِ صَغِيرَة؟
قالَ عَادِل: هلْ كانَتْ تَمْنَعُكِ والدتُكِ مِنَ اللَّعِبِ كَمَا تَفْعَلِينَ مَعَنَا؟
أجَابَتِ الأم وَهِيَ تَرْسُمُ عَلَى وَجْهِهَا البَسْمَة. وبِدَاخِلهَا يَشْتَعِلُ حُبُّهَا لَهُمَا، ضَمَّتْهُمَا إِلَى صَدْرِهَا بِحَنَانٍ لِأَسْئِلَتِهِمَا البَرِيئَةِ.
أجَابَتْ: فِي أيَّامِنَا لَمْ يَكُنِ الحَاسُوبُ ولاَ الهَاتِفُ النَقَّالُ. وَلاَ هَذِهِ الأَلْعَابُ المُضِرّةُ التِي تُعَلِّمُ أطْفَالَنَا العُنْفَ والكَرَاهِيَّةَ.
حتّى اعْتَادُوهَا وَحَسِبُوا أنَّ هَذا هُوَ التَّصَّرُّفُ الصَّحِيحُ، والطَّرِيقَةُ الوَحَيدَةُ لِحَلِّ مَشَاكِلهمْ. بِالعُنْفِ والقَتْلِ بِالسّلاَحِ والسكِّينِ وبالقُوَّةِ. لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الحَيَاةَ لاَ تَأتِي إلاَّ بِالتَّرَوِّي والإتِّفَاقِ لِحَلِّ المَشَاكِلِ. هَذِهِ الأَلْعَابُ هِيَ التِي غَيَّرَتْ مَسَارَ أوْلاَدِنَا، فأتْعَبَتْهُم وَأَتْعَبَتِ الأهْلَ مَعَهُمْ.
هَذِهِ الألْعَابُ لَوْ وُجِدَتْ رِقَابَةٌ تَهْتَمُّ بِالتَّرْبِيَةِ وَتَوْعَيَةِ أَوْلاَدِنَا، كانوا مَنَعُوهَا وَالْغَوْهَا مِن هَذِهِ الأَجْهِزَة التِي عَلّمَتْ اولادَنَا أَذِيَّة بَعْضِهِم البَعْضْ. أخَافُ عَلَيْكُمَا مِنْ أََنْ تَحْذُوَا حَذْوَ هَؤُلاَءِ يَا أَحْبَابِي!
أَجَابَتْهَا حَنَان:- أنْتِ عَلَّمْتِنَا المَحَبَّةَ لِأصْدِقَائِنَا والوَفَاءَ لَهُمْ يَا أُمِّي والسَلاَم، لَنْ نَخْذِلَكِ أَبَدًا. فالسَّيِّدُ المَسِيحُ عَلَيْهِ السَلاَمُ أَمَرَنَا بِالمَحَبَّةِ.
قَالَ: أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضَاً. وَقَالَ أيْضًا تَمَنّى لِلْغَيْر مَا تَتَمَنَّاهُ لِنَفْسِكَ. وَجَمِيعُ الدِّيَانَاتِ ايْضًا، فَضَّلَتِ المَحَبَّةَ والتَّعَامُلَ بِطَرِيقَةٍ سِلْمِيَّةٍ وطِيبَةٍ. فَالكَرَاهِيَّةُ هِيَ السَّبَبُ الوَحِيدُ الذِي يَدْفَعُنَا لِلْشَرِّ.
قَالَ عَادِل:- لَكِن أنا أقُولُ عَلَيْنا أنْ نؤذي مَنْ يُؤْذِينا يا أُمَّاهُ
قَالًتِ الأمُ: لَا يَا وَلَدِي، الشَّرُ يَعُودُ عَلَى فَاعِلِهِ بِشَرٍّ أَكْبَرَ.
هُم لاَ يَعْلَمُونَ أنهُ بِالحِنْكَةِ وَالكَلِمَةِ الحُلْوَةِ الطَّيِّبَةِ، نَسْتَطِيعُ أنْ نلْغيَ أعْظَمَ الشُّرُورِ. الَمْ تَسْمَعْ أخْبارَ اليَوْمِ؟ فَإِنْ تَضْرِبُ أيًّا كَانَ يَا وَلَدِي سَيُرَدُّ لَكَ الصَّاعَ صَاعَيْنِ. لَا تَأخُذ هَذِهِ الطُّرُقَ مَنْهَجًا تَنْهَجُهُ. الشُّرُورُ التِّي تَرَاهَا أَمَامَكَ بِالأَلْعَابِ، لَيْسَتْ طَرِيقًا سَلِيمَةً لِلْتَعَامُلِ بَيْنَ النَّاسِ. لِنَعِيشَ مَعًا بِسَلاَمٍ. فَطَرِيقُ الشَرّ نَتَائِجها سَلْبِيَّةٌ خَطِرَةٌ عَلَى حَيَاتِنَا وَحَيَاة مَنْ نُحِبْ. فالشر يُؤْذِيكُمُ وَيُؤذِينَا. لِذَا عَلَيْكَ ألاَّ تُعَرِّضُ نَفْسَكَ لِلْتَهْلكَةِ. فَرُبَّمَا غَدَرُوكَ وَأَنْتَ لَاهٍ عَنْهُمُ. إِنْ تَهِبِ الخَيْرَ لِلْغيْرِ سَتَحيا الحَيَاةِ الهَادِئَةِ السَّعِيدَةِ. وَسَتَرْتَاحُ نَفْسِيَّتُكَ. سَتَحْمِي كُلَّ مَنْ تُحِبُهُمْ بِتَصَرُّفِكَ العَقْلَانِيِّ. هَيَّا انْهَضَا لِتَأدِيَةِ الوَاجِبَاتِ المَدْرَسِيَّةِ، وإلَّا قَطَعْتُ عَنْكُمَا النِّت. لَعَلَّكُمَا تُصْبِحَانِ مِنَ العُظَمَاءِ الذِينَ اخْتَرَعُوا وَسَائِلَ يَعْجَبُ لَهَا العَقْلُ البَشَرِيُّ. إِبْحَثُوا عَمّنِ اخْتَرَعَ الطّائِرَاتِ والكَهْرَبَاءَ وَجَمِيعَ وَسَائِلِ التَّنَُقلُ. وَهَذِهِ الأدَوَات التي بيْنَ أيْدِيكُمْ. وَلا تَنْسوا الوِّيزْ أيْضًا هَذَا البِرْنَامِجُ الذِّي يَدُلَّنَا عَلَى أيِّ عَنْوَانٍ نَحْتُاجُهُ. فَيُخَفِّفُ عَنَّا مُعَانَاتِ البَحْثِ الْمُضْنِي.. يا لَيْتَ جَمِيعَ أَوْلاَدِنَا يَجْتَهِدُونَ بِالعَمَلِ عَلَى خَلْقِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْ خَلْقَهُ أجْيَالُ الأمْسِ. هَيَّا يَا أَوْلاَدِي لقَدْ حَانَ مَوْعِدُ الجَدِّ. أتِمَّا دُرُوسكُمَا واسْتَفِيدَا مِنْ حَدِيثِي هَذَا، وَبَلّغَاهُ لأََصْدِقَائَكُمَا. تَعَاوَنُوا لِتَبْدِعُوا وَتَخْلِقُوا مَا لَمْ يَسْتَطِعْ غَيْرُكُمْ خَلْقُهُ. سَأَقُصُّ اليَوْم عَلَيْكُمَا حِينَ تَنْتَهِيَانِ مِنْ دُرُوسكمَا، عَنْ حَيَاتِنَا عندما كنا مِثْلَكُمَا أَطْْفَالاً صِغَاراً. سأُحَدِثْكُمَا عَنْ مُعَانَاتِ وَتَعَبِ أَجْدَادِنَا. وَطُرُقِ مَعِيشَتِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ لِبَعْضٍ، وَتَعَاوُنِهِم وَمُشَارَكَتِهِمْ بِجَمِيعِ نَشَاطَاتِهِمْ. كَمَا حَدَثْتُكُمَا قَبْلاً.
قَالَ عَادِل: كُلَّ مَا قَصَصْتِهِ عَلَيْنَا حَفَظْنَاه فِي عُقُولِنَا وَقُلُوبِنَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.
حينَ انْهَتْ الأُم حَدِيثَهَا نَهَضَا بِسُرْعَةٍ وَبِدَاخَلِهِمَا رَغْبَةٌ شَدِيدَةٌ لِسَمَاعِ مَا وَعَدَتْهُمَا الوَالِدَةُ الغَالِيَةُ، بِأَنْ تُحَدِّثَهُمَا عَنِ المَاضِي وَجَمَالِهِ، وَعَنِ الفَرْقِ الذِّي غَيَّرَتْهُ الهُمُومِ التِي تَسَبّبَتْ بِها ضُغُوطَاتُ الحَيَاةِ، والتِقَنِيّةِ الحَدِيثَةِ التي اخْتَرَعَهَا عُلَمَاء عُظَمَاءُ، وَاصَلُوا اللّيْلَ مَعَ النَهَارِ لِيَتْقِنُوهَا وَيُحَقِّقُوا بِهَا أَهْدَافَهُمْ بِنَجَاحٍ لِنَنْعَمْ بِهَا نَحٌنُ وَهاذَا الجِيل الذَكِيُ المُبْدِع تِلْمِيذ الحَاسُوب الذّي نَقَّبَ حَتّى عَلِمَ أسرَارًا كُنَّا نَجْهَلُهَا فَعَلَّمَهُم إيَّاهَا بِرْنَامِج جُوجِل العَظِيم والبَرَامِج العَظِيمَة الأُخْرِى.
أقْفَلَاَ الحَاسُوبَ وَحَمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا كُتُبَهُ وَاجْتَهَدَا ليُنْهِيَا الوَاجِبَ بَسُرْعَةٍ. ثم تفَحَّصَا جُوجِلَ وَنَهَلاَ مِنْهُ بَعْضًا مِمّا سَبَكَتْ لَنَا مِنْ جَوَاهِرَ تِلْكَ الأيادِي العَظِيمَُةُ. وَحِينَ انْتَهَيَا، حَمَلاَ مَعَهُمَا إعْجَابَهُمَا لِيَنْقُلاَهُ لِلْغَالِيَةِ التِي طَالَمَا نَثَرَتْ مِنْ عَبِيرِ ثَقَافَتِهَا عَلَيْهِمَا وَصَدَقَتْ.
هَرَعَا إِلَيْهَا لِتُحَدِّثَهُمَا عَنْ جَمَالِ المَاضِي، بِزَمَانٍ لَمْ تُولَد فَيهِ بَعْدَ كُلَّ هَذِهِ التِّقَنِيَّةِ التّي أخْرَسَتْنًا صَمْتًا، وَفَرَّقَتْنَا عَنْ بْعْضِ بِالمَشَاعِرِ، وَأَوْقَفَتْ حَرَكَتَنَا، لِنَبْقَى أَسِيرَيِ الحَاسُوبِ والهَاتِفِ النَقَّالِ. فَتَوَاصَلْنَا مَعًا بالحَرْفِ والصُورَةِ. بَعِيدَا عَنْ أَنْ نَرَى تَعَابِيرَ الوُجُوهِ التي تَكْشِفَ لَنَا حَقيقَةَ المَشَارِ، وردودَ الفِعْلِ وَالأَهْدَافَ. وَأَصْبَحَ لِكُلٍّ مِنَّا عَالَمَهُ الخَاصْ بِهِ. لَمْ يَعُدْ يَشْعُرُ أَحَدٌ مِنَّا بِهُمُومَ الغَيْرِ وَمَتَاعِبِهِمْ، فَالبَعِيدُ عَنِ العَيْنِ، بَعِيدٌ عَنِ القَلْبِ والرُوحِ.
العَابُ اليَوْم فَرّقَتْنَا وخَفَّفَتْ لِقاءَاتِنَا بِبَعْضٍ، وَقلّلَتْ مِنْ حَرَكَاتِنَا. أَبْعَدَتْ الأَهْل وَالأَطْفَالَ عَنْ بَعْضِهِم البَعْضِ. جمَعَتْهُمْ عَلَى الهَاتِفِ وَالحَاسُوبِ، كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ. تَرَكَتُهُمْ بِشَتَاتٍ لاَ يَعْلَمُونَ بِأَيِّ الإِتِّجَاهَات يَمْضُونْ. وَمَا هِيَ الطُرُقُ السَّلِيمَةُ لِرَاحَتِهِم، التِّي تَهْدِيهِمْ لِلأَمَانِ وَطَرِيقِ الصَّوَابِ. فَالتَّقَارُبُ يَفْتَحُ الأَذْهَانَ حِينَمَا نَتَحَدَّثُ سَوِيَّةً، وَنَرَى تَعَابِيرَ الوُجُوهِ وَاضِحَةً بِفَرَحِهَا وَحُزْنِهَا. بمحبتها وكرهها.
قَالَ عَادِل: لِأُخْتِهِ حَنَان، مَا أَجْمَلَ حَدِيثَهَا أُمِّي، وَمَا أَعْظَمَ أْقوَالَهَا، عَنِ حَيَاةِ الأَمْسِ، حِينَ كَانَتِ الحَالُ أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ. كَيْفَ تَفَرَّغَتِ الأمُ حِينَهَا لِتَرْبِيَةِ أَوْلاَدِهَا. تُعَلِّّمُهُمُ الأَدَبَ الأَخْلاَقَ، عِزَّةَ النَّفْسِ، الشَّهَامَةَ، وَمَخَافَةَ الله، وَاتّبَاعَ تَعَالِيمَ دِينِيَّةٍ تُرِيحُ الرُوحَ وَتَبْعِدُ عَنْهُمُ الشَّرّ والأَذَى..
كَانَتِ الأُمَّ مُتَفَرِّغَةً أَكْثَرَ لِتُجِيبَ عَلَى أسْئِلَةِ أَوْلاَدِهَا الكَثِيرَةِ، لِيَكْتَشِفُوا كُلَّ جَدِيدٍ يُصَادِفهُمْ. لِتَوْعِيَتِهِمْ عَمَّا يَدُورُ مِنْ حَوْلِهِمْ خَارِجَ البَيْتِ وَتُؤهِلُهُم لِلْتَّعَامُل مَعَ مُجْتَمَعٍ مُخْتَلِف الطِّبَاع.
كَانَتْ تُعَلِّمهُمُ الصَّلاَةَ وَهِيَ أَهَمُّ البُنُودِ لِحَيَاةٍ سَليمَةٍ. حِينَ لَمْ يَكُنْ يَنْقَطِعُ ذِكْرُ الله مِنْ أَفْوَاهِهِمْ. وَلَمْ يَكُنْ يَقْوَى أَيُّ كَانَ عَلَى أَنْ يُشَكِّكَ بِوُجُودِهِ وَقُدُرَاتِهِ العَظِيمَةِ.
وَقَدْ شَغَلَتِ الأمُ نَفْسَهَا بِهِمْ كَكٍُِلِّ اُمٍ وَاعِيَةٍ لِوَاجِبِها نَحْوَهُم تُرشِدُهُمْ تُعِظهُمْ تُنَبِّهُهُمْ كَيْفَ يَتَمَسَّكُونَ بِتَعَالِيمَ وَضَعَهَا الرَّبُ لِسَلاَمَتِهِمْ، حِينَ كَانَتِ القُلُوبُ نَقِيَّّةً صَافِيَةً مُجَرَّدَةً مِنَ الخُبْثِ والرِّياءٍ..
كَانَ الفُقْرَ حِينَهَا يَجْمَعَهُمْ، يُقَوِّي عِلاَقَاتِهِمْ بِالعَطْفِ وَالتَعَاوُنِ وَالسَّخَاءِ. فَتَجْمَعهُمْ عَلَى الخَيْرِ البَعِيدِ كُلّْ البُعْدِ عَنْ المَخَاطِرِ بِالمُسَانَدَةِ والحِمَايَةِ. بَدَلَ الرَهْبَةِ التي نَحْيَاها اليَوْمَ، والتَي تَتْرُكَنَا بِقَلَقٍ شَدِيدٍ، لِنَغْفُوا بَعْدَهَا عَيْنٌ تَصْحُو وَعيْنٌ تَنَامُ، قَلَقًا وَخَوْفًا مِنَ الغَدْرِ النَّاتِجِ عَنْ سوءِ التَّرْبِيَةِ وَشَرَاسَةِ الأخْلاَقِ. فَلْنَبْحَثْ جادّينَ عَنْ طُرُقٍ تَهْدِينَا كَيْفَ نَتَحَاشَى الشُّرُورَ وَالمَشَاكِلَ المُتَفَاقِمَةَ. لِتَهْدَأَ نُفُوسُنَا مَنْعًا مِنْ أَنْ تَأْخُذَ الحَيًاةُ منَّا رَاحَةَ البَالِ فَلاَ نَعُودُ نَتَفَرَّغُ لَأَعْمَالِنَا المُهِمَّةِ لِنَتَقَدَّمَ وَنَنَجَحَ.
قَالَتْ حَنَان: عَظِيمَةٌ أَنْتِ يَا أُمِّي فَأَقْوَالُكِ تُوقِظُنَا مِنْ جَهْلِنَا تُنَبِّهَنَا لِنَبْتَعِدَ عَمَا يُضَيِّعُ مُسْتَقْبَلَنَا.
وَحِينَمَا انْتَهَيَا مَنَ المُطَالَعَةِ وَحَلِّ فُرُوضِهِمَا وَحَفْظِ الدُّرُوسِِ وَإعَادَةِ حَدِيثِ الوَالِدَةِ الْمُمْتِعِ.
نَهَضَتْ حَنَانُ وَمَعَهَا عَادِلُ، وَهُمَا يَشْكُرَانِ الرَّبَّ عَلَى أَنَّهُمَا أنْتَهَيَا مِنَ الدِّرَاسَةِ، كَيّْ لاَ يُغْضِبَا الغَالِيَةَ وَيَكْسَبَا وُدَّهَا وَيُصْبِحَا مِنَ النَّاجِحِينَ كَمَا وَعَدَاهَا.
قَالَ عَادِل: إنَّ هَذِهِ الوِالِدَةَ الحَنُونَ التِي تُضَحِّي بِكُلِّ غَالٍ مِنْ أجْلِنَا، تَسْتَحِقُّ أَنْ نُسْعِدَهَا، فَلاَ يَخِيبُ بِنَا ظَنُّهَا..
كَمْ حَرَمَتْ نَفْسَهَا مِنْ حُقُوقِهَا لِتَتَفرَّغَ لَنَا، وَكَمْ عَانَتْ وَسَهِرَتِ اللّيَالِي لِرَاحَتِنَا.. لِنُصْبِحَ كَمَا يَجِبُ أَنْ نَكُونَ لِمَصْلَحَتِنَا. فَلْنُعَوِّضْهَا إذَنْ تَعَبَهَا اللَّيْلَ مَعَ النّهَارِ. دُونَ كَلَلٍ مِنْهَا أوْ مَلَلٍ..
قَالَتْ حَنَان: لَقَدِ اقْتَنَعْتُ دَائِمًا بِالمَثَلِ الذِّي كَانَتْ مَامَا تُلْقِيهِ عَلَى مَسَامِعِنَا. أَنّ مَنْ جَدَّ وَجَدَ، وَمَنَ زَرَعَ حَصَدَ. وَمَنْ طَلَبَ العُلاَ سَهِرَ اللّيَالِي. لاَ تُؤَجِّلْ عَمَل اليَوْمِ إلَى الغَدِ. وَخَيْرُ البِرِّ عَاجِلُهُ.
حِينَ أَنْهَيَا حَدِيثَهُمَا اقْتَرَبَا مِنَ الغَالِيةِ
ارْتَمَتْ حَنَانُ بِحِضْنِهَا بِدَلاَلٍ وَقَالَتْ: أَنْهَيْتْْ الوَاجِبَ يَا مَامَا
قَالَتِ الأُمُ: حَسَنًا غَالِيَتِي وَاَنْتَ يَا عَادِلُ؟
قَالَ وَأَنَا يَا أُمِّي أنْهَيْتُ كُلَّ الوَاجِباتِ مِنْ أَجْلِ أَنْ أَنَالَ رِضَاكِ.
جَلَسَ عَادِلُ إلَى جَانِبِهَا وَهُوَ يَقُولُ نَعِدُكِ يَا أُمِّي أَنْ نَكُونَ عِنْدَ حُسْنِ ظَنِكِ فِينَا.
هَيَّا حَدِّثِينَا كَمَا وَعَدْتِنَا، كَيْفَ كَانَتِ الحَيَاةُ قَبْلَ كُلَّ هَذَا التَّغْيِيرِ وَهَذَا التَّقَدُمِ العَظِيمِ. وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الإنْسَانُ لِلْفَضَاءِ وَلِجَمِيعِ هَذِهِ الوَسَائِلِ التِقَنِيَّةِ العَجِيبَةِ التِّي حَيَّرَتِ العُقُولِ والتي راجعناها الان في جوجلَ..
قَالَتِ الأُمُّ: وَهِيَ تَضُمُّ وَلَدَيْهَا بِحِضْنِهَا: كُلُّ هَذَا الذِّي تَرَيانِهِ يَا وَلَدِيَّ مِنْ فَضْلِ رَبِّنَا عَلَيْنَا وَنِعَمِهِ. بِأَنّْ وَهَبَنَا العَقْلَ والذَّكَاءَ والفَهْمَ. فَلَوْ يَكَسبُ أوْلاَدَنَا المَعْلُومَاتِ الكَثِيرَةِ مِنَ النِتِّ وَمِنْ جُوجِلَ. لَخَرَجَ مِنْهُمُ المُخْتَرِعِين والعُلَمَاءُ، الأُدَبَاءُ، المُثَقَّفِونَ، القُضَاةُ، وَغَيْرُهُم. وَهَذَا أَفْضَلُ بِكَثِيرٍ مِنْ قَضَاءِ جُلَّ أَوْقَاتِهِمْ عَلَى هَذِهِ الأَلْعَابِ غَيْرِ المُجْدِيَةِ.
تَنَهَّدَتِ الأُمُ وقَالَتْ: لَكِنْ هَذَا الجِيلُ مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ، لاَ يَعْلَمُ أَيْنَ تَقَعُ مَصْلَحَتُهُمْ وَلاَ يَسْمَعُونَ نَصَائِحَ الأَهْلِ.
ثُمَّ أكْمَلَتْ حَدِيثَهَا عَنِ المَاضِي وَجَمَالِهِ.
قَالَتْ: كَانَتِ الحَيَاةُ صَعْبَةً، لَكِنَّهَا كَانَتْ جَمِيلَةً. كَانَتِ المَحَبَّةُ تَغْلِبُ الكَرَاهِيَّةَ. كَانَ إِخْلاَصٌ بِالتّعَامُلِ والإِنْسَانِيةِ، كان تَفَانٍِ بِالصَدَاقَةِ. وَعَدَمِ اسْتِغيَابِ الفَرْدْ. كَانُوا يَنْصَحُونَ المُخْطِئَ وَيُنَبَّهُونَهُ مَنْ قَبْلِ أَنّْ يَزِلَّ أَوْ يَتُوهَ فِي الطُّرُقِ الخَطِرَةِ. فَكَانَ يَمْتَثِل يَحْتَرِم وَيَطيعُ، كَانَ تَعَاوُنٌ وَمُشَارَكَةُ فِي العَمَلِ، فِي المَشَاغِلِ وَالْمَشَاكِلِ وَالطَّعَامِ. كَانَتِ الأَلْعَابُ مُخْتَلِفَةً كُلِّيًّا عَنْ أَلعابِ اليَوْمِ. كَانَتْ تَجَمُّعَاتٌ وَسُرْعَةٌ بِالحَرَكَةِ. كَانَ الفقر يَجْمَعُهُم. كَانَتْ أُمَهَاتُنَا يَعْجِنَّ العَجِينَ بِأيَدِيْهِنَّ وَيَخْبِزْنَ عَلَى النَّارِ وَالحَطَبِ. فِي فُرْنِيَّةٍ صَنَعُوهَا مِنْ صَخْرٍ طَرِيٍّ قَابِلٍ لَلْعَْجْنِ وَالبِنَاءِ. كَانَتْ رَائِحَةُ الخُبْزِ تَنْتَشِرُ فِي الحَارَةِ فَيَلْتَمُّ الأَهْلُ وَالأَحْبَابُ عَلَى الحَصِيرَةِ، حِينَمَا كَانَتْ هِيَ المَائِدَةَ الوَحِيدَةَ التِّي يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا الأَحْبَابَ لِيَأكُلُوا المَنَاقِيشَ بِالسِمْسِمِ وَالزَّعْتَرِ. وَالمِحَمّرَ مَعَ الدَّجَاج الشَهِيَّ. وَأَكْلَةُ التَّبُّولَةِ والكُبَّةِ التِي صُنِعَتْ فِي جُرْنٍ مَصْنوعٍ مِنَ الحَجَرِ، لِيَطْحَنُوا بِهِ اللَّحْمَةَ وَالبُرْغُلَ وَالبَصَلَ، دَقًّا بِالْمِطْرَقَةِ الصَّلْبَةِ، حِينَ لَمْ يَكُنْ الخلاَّطُ الكَهْرَبَائِيُّ. وَغَيْرَهُ مِنَ أدَوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ أرَاحَتْنَا مِنَ الأعْمَالِ الشَاقَّةِ.
كَمْ أَكَلُوا مِنَ الأَكْلاَتِ الفَاخِرَةِ المَصْنُوعَةِ عَلَى الحَطَبِ. شَرِبُوا القَهَوَةَ التِّي قَامُوا بِتَحْمِيصِهَا عَلَى النَّارِ، وَطَحْنِهَا مَعَ الهَالِ بِطَاحُونَةٍ مُعَدَةٍ لطحنِ القَهْوَةِ. كَانُوا يُنِيرُونَ البَيْتَ بِالقَنْدِيلِ وَاللّوكْسِ. كَانَ السَّهَرُ يَحْلُو فِي ضَوءِ القَمَرِ، فًيَقْضُوزنَ الوَقْتَ بِالأحَادِيثِ عَنِ التَارِيخِ. حِينَ لَمْ يَكُنْ التِّلِفِزْيُونُ. لَمْ يَكُنْ الهَاتفَ النَقَّالُ يُشْغِلهُمْ عَنِ الأحْبَابِ. كَانَتِ التّجَمُعَاتُ تَزِيدُهُمْ فَرَحًا وَسُرُورًا. يَقُصّونَ قِصَصًا جَمِيلَة عَلَى بَعْضِهِم حِينَ كانت تَجْمَعُهُم الطِيبَةُ عَلَى صَحْنٍ وَاحِدٍ، لِهَذَا كَانَتِ اللُّقْمَةُ هَنِّيّّةً. كَانُوا يُشْعِلُونَ النَارَ لِلتَّدْفِئَةِ مِنَ الحَطَبِ وَأَغْصَانِ الأَشْجَارِ اليَابِسَةِ. كَانوا يُعِدُّونَ أَكْلَة العَصِيدَةَ وَلِخْوَيَّةَ التِّي صَنَعُوهَا مِنْ بَقَايَا الخُبْزِ المُتَبَقٌِي مَعَ القِرْفَةِ وِالسُّكَّرِ وَالطَحِينِ. الهِيطَّالِيَّةِ وَالبَحْتَةِ والتَطْلِي التِّي صَنَعوهَا مِن الفَوَاكِهِ المُخْتَلِفَة. وَقَلْيِ العَجِينَةِ بِالزَيْتِ وَرَشِّ السُّكَّرِ عَلَيْهَا. وفتة الشاي والحليب والفوارغ. كَانَتْ هَذِهِ اكلات وحلْوَيَات الأمْسِ. لَمْ يَكُنْ مِثْلَ هَذِهِ الأيَام الْفُ نَوْعٍ مِنَ الحِلْوَيَاتِ المُخْتَلِفَةِ. التّي زَادتْ مَرَضَ السُكَرِي وَغَيْرَهُ مِنْ الأَمْراضِ. لَمْ يُلْقُوا الخُبْزَ فِي الحَاوِيَاتِ مِثْلَمَا يَفْعُلُونَ اليَوْمَ. وَمَا الَذَّ طَعْمَ البَيْضِ البَلَدِي. فَالدَّجَاجُ عَاشَ عَلَى الطَبِيعَةِ والحَيَوَانَاتُ عَاشَتْ عَلَى الأعْشَابِ وَالحُبُوبِ. لََمْ تَأْخُذْ الإبَرِ لِتَكْبِيرِهَا. ولا أطْعَمُوهَا المَخْلُوطَةَ غَيْرَ المَعْرُوفِ مَا هُوَ مَصْدَرُهَا. مِمَّا زَادَ مِنَ الأَمْرَاضِ وَغيَّرَ طَعْمَهَا.. فإنَّ الأَعْشَابَ دَوَاءً لِجَمِيعِ العِلَلِ.
مَا أَرْوَعَهَا أكْلَةُ الخُبِّيزَةِ مَعَ الشُومَرِ وَاللَّيْمُونِ. العِلْتَ واللُّوفَ والِمْجَدَّرَةَ. كَانَ الأَطْفَالَ يَأْكُلُونَ الأَعْشَابِ، مِثْلَ الخُرْفِيشِ والدُّرْدَارِ والبُسْبَاسِ والسِنِيريَا وَخُبْزِ العَذْرَاءِ، البَلُّوطَ الخَرُّوبَ البُطْمَ. كانوا يضعونَ أَوْرَاقَ السَّرِّيسِ فِي المَاءِ لِيَزِيدَ مِنْ عُذُوبَةِ طَعْمِهَا. وَكَمْ أَكَلوا مِنَ الأَعْشَابِ التِّي لاَ يَعْرِفُهَا أَوْلاَدُنَا اليَوْمَ. كَانَ الطَّعَامُ بَسِيطاً يَجْمَعُهُمْ بِالمَحَبَّةِ. فَهَذِهِ الأَعْشَابْ َملِيئَةٌ بِالفَوَائِدِ الصِّحِيَّةِ لِجِسْمِ الإنْسَانِ.. كَانَ تَعَاوُنٌ بَيْنَ الجِيرَانِ وَنَقَاءٌ فِي النَوَايَا، وَطِيبَةٌ فِي القُلُوبِ، وَمُحَافَظَةٌ عَلَى الأَعرَاضِ وَالكَرَامَةِ. كَانَ احْتِراَمٌ وَمُرَاعَاةٌ لِمَشَاعِرِ الغَيْرِ، وَمُشَارَكَةٌ قَوِيَّةٌ بِالمَوَاقَفِ بِالأَفْرَاحِ والأَحْزَانِ. كَانَتْ وَسَائِلُ التَّنَقُّلِ عَلى عَرَبَةٍ يَجُّرُهَا الحِمَارُ أَوِ الحِصَانُ. كَانُوا يَجْمَعُونَ المِيَاهَ مِنْ أَمَاكِنَِ بَعِيدَةٍ لِلْإسْتِعْمَالِ البَيْتِيِّ مِنَ اليَنَابِيعِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَالوِدْيَانِ. والبِئْرِ المَمْلوئةِ مِنْ مَاءِ المطرِ. كَانَ فِي كُلِّ بَيْتٍ زَرِيبَةٍ لِلْحَيَوَانَاتِ، كَالأبْقَارِ وَالخِرْفَانِ وَالمَاعِزِ. لِيَأْخُذُوا مِنْهَا الحَلِيِبَ لِيَصْنَعُوا مِنْهُ اللَّبَنَ، اللَّبنَةَ، الجِبْنَةَ. ايْضا الأَرَانِب والطُيور، كالدَجَاجِ والبَطّ والوَزّ. كَانُوا يَزْرَعُونَ بِمَوَاسِمِ الزَّرْعِ يَجْمَعُوَنَهُ مُؤونَةً لِلْصَيْفِ. مَثَلَ العَدَسِ، الحُمُّصِ، القَمْحِ، الفُولِ، البُرْغُلِ، الفِرِيكَة، والبِلِيلَة لِيَصْنَعُوا مِنْهَا البُرْغُل لِلتَّبُولَةِ، وَالكُبَّةِ والمجَدَّرَةِ... كَانُوا يَجْمَعُونَ الحُبُوبَ اللاَزِمةَ لِلْحَيَوَانَاتِ. كَالشَّعِيرِ، وَالبَرْسِيمِ، وَيَحْصُدُونَهُ بِالمَنَاجِلِ. وليس كاليوم بالمَاكناتِ المُعَدّةِ لِذَلِكَ. كَانَتَ تَكْثُرُ الأيْدِي العَامِلَةُ. كَانَ تَعَاوُنٌ عَظِيمٌ فِي مَوْسِمِ قَطْفِ الزَيْتُونِ لِيَسْتَخرِجوا مِنْهُ الزَّيْتِ وَيَكبِسُونَهُ مَعَ الفلْفِلِ الحَارِّ بالمِلْحِ والليْمُونِ.
كَانَ حِينَها اعْتِنَاءً أَكْبَرَ بِتَرْبِيَةِ الأَوْلاَدِ.
تَعْمَلُ الأمَّ فِي البَيْتِ وَأولاَدُهَا تَحْتَ نْاظِرِيْهَا تُوَجِّهُهُمْ، تَرْعَاهُمْ هِي وَجدَّاتُهُم، الأعْمامُ، والأَخوالُ، الإِخْوةُ، والأخَواتُ.
حِينَ كَانَ الإبْنُ يَضِلُّ طَرِيقَ الصَّوَابَ. كَانَ إِيمَانهُ وَمَخَافَتَهُ مِنَ الله يُبْعِدُانِهِ عَنِ الضَّلاَلِ والتّمَادِي بِالخَطأِ.
كَانَ الأَهلُ مِنْ حَوْلِهُ يَرْدَعُونَهُ وَيَرُدُّونَهُ عَنْ عِنَادِهِ.
وكَانوا يَحْسِبُونَ لِلْوَالِدِ ألْفَ حِسَابٍ. كَانَ لِكَبِيرِ العَائِلَةِ الكَلِمَةُ الأَخِيرَةُ بَعَدَ المُدَاوَلَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِأَيِّ مَوْضُوعٍ لِمَصْلَحَةِ العَائِلَةِ. فَيَتَكَاتَفُونَ وَيَتَعَادَضُونَ وَيَعْمَلُونَ مَعًا بِيدٍ واحِدةٍ. فَهَيْبَةُ الوالدِ فِي البَيتِ كانتْ عَظِيمَةً تُجْبِرُهُمْ علَى الإِمْتِثَالِ. تَرُدُّهُمْ عَنْ التَّصَرُّفِ الخَاطِئِ والضَلاَل، إِحْتِرَاماً وتقديراً لِكَبِيرِ العَائِلَةِ. عَاشُوا الفُقْرَ، لَم يَتَذَمَّرُوا أبَدًا. فَالفَقْرُ يَجْمَعُنَا وَيَزِيدُ الرَّأفَةَ حتّى فِي القُلوبِ القَاسِيَةِ، بالمَحَبَّةِ والتَّضْحِيَاتْ والعَطَاءِ والإِلفةِ. لَيْسَ مِثْلَ اليِوْمِ هَذا فَنَحْنُ اليَوْم نَقْتَنِي لِأَوْلادِنَا كُلَّ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ ثِيَابٍ وأَحْذِيَةٍ والعَابٍ وَهَوَاتِفَ بَاهِظَةِ الثَمَنِ. فالكَثرُ مِنَ الدَلاَلِ يُفٍسِدُ قَوَاعِدَ التَرْبِيَةِ الصالحةِ، واخْلاَق مَنْ لا يُقَدِّرُ تَضْحِيَاتِ الأهل.
سَأَقُصُّ عَلَيْكُمَا قِصَّة عَلَّكُمَا تَسْتَفِيدَا مِنْهَا
إن ابْن الجِيرَان وَلِيد فَقِير الحًال لَمْ يَسْتَطِع الأهْل تَلْبِيَة طَلَبَاتِهِ كَبَاقِي أَبْنَاء جِيلِه. كَتَمَ فِي قَلْبِهِ خَوْفًا مِنْ إيلاَمِهِم لعَجْزِهِم عَنْ تَحْقِيق رَغَبَاتِهِ. شَعَرَ بِفَقْر أهْلَهَ فاعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِهِ عَمِلَ جُهْدِهِ ليعين أهْلِهِ ويُشبِع نَفْسه بِحَاجَاتِهِ التي يرغب بها مِثْل أصْدِقَائِهِ. فصَبَرَ وثابَرَ نَجَحَ وَحَقّقَ لِنَفْسِهِ كُلّ مًا اشْتَهَى وانْتَشَلَ أهْله مِنَ الضِيقِ والفَقْرِ.
وعِمَاد ابْن جِيرَانِنا الغَنيّ، الذِّي اعْتَادَ الدّلاَل وَمَلَكَ كُلَّمَا اشْتَهَى. تَغَاضَى وَتَقَاعسَ عَنْ دُرُوسِه وَوَاجِبَاتِهِ المَدْرَسِيّة. وَعَنْ عَمَلٍ يُثْبِت بِهِ وُجُودِه. قَالَ حِينَمَا نَبّهَهُ أَهْل الخَيْر، لِمَاذَا أُرْهِقُ نَفْسِي بِالسَّهَرِ والتَّعَبِ والدّروس، مَاذا أفْعل بالشِهَادَاتِ وَأَنَا أَمْلُك الكَثِير مِنَ الأَمْوَال؟ بَيْت اَرْض وعِقَارَات. وَكُلّ هَذَا سَيَكُون مُلْكِي أَنَا فِي المُسْتَقْبَل. لِذَا قَضَى وَقْته بِاللّهوِ واللّعب صَرْف الأَمْوَال دُون حِسَاب لِلْزَمَن. لَمْ يَعْلَم أَنّ لا شَيء يَدُوم بِالحَيَاةِ. لَمْ يَسْأَله الأهل مَاذَا يَفْعَل. لَمْ تُؤَنِّبه أمّه حين أخطاء. لَمْ يُرْشِده وَالده عَمَّا سَيَحْدُث لَهُ إنْ تَكَاسَلَ. أوْ أَهْمَل وَاجِبه نَحْوَ مَسْؤولِيَّتِهِ لِبِنَاء مُسُتَقْبَلٍ أَفْضَل، دونَ حَاجَتِة لأيٍّ كَان.. فَهُمْ يَعِيشُون بالنَّعِيمِ لاَ يَشْعُرُون بِهُمُوم المُحْتَاجِين وَضِيق حَالِهِم. فالمُسْتَقْبَل أَمَامَ وَلَدِهِم مَضْمُون. لَمْ يَعْلَمُوا مَاذَا يُخَبِّئ لَهُم الغَيْب. لَمْ يَحْسِبوا لِلزَمَن أَي حِسَاب.
حِين كَبِر عِمَاد لَعِبَ القِمَار. شَرِبَ الخَمْرَة. صَرَفَ عَلَى أصْحَابِهِ وعلى نَفْسِهِ أَمْوالاً طَائِلَةً، تَكَبُّرًا وَغُرُورًا وَاعْتِدَادًا. حَتَّى دَارَ الزَّمَان . وَلِيد أصْبَح بِتَدْبِيرِهِ وَقَنَاعَتِهِ وَطَرِيقِهِ السَّلِيم غَنِّيًا. وَعِمَاد أصْبَحَ صِفْر اليَدَيْنِ لِتَهَوّره وَعَدَم إدْرَاكِهِ بِغَدْرِ الأَيَّام.
لَيْتَ أَهْله حَذَّرُوه أَوْ أَنْذَروه وأعْلَمُوه عَنْ حَيَاة الفَقْر التِي عَاشَها أهْلنا مِن قَبْلَنا، وَكَيْفَ كَانَت القَنَاعَة لَهُمْ عُنْوَان. وَعَن أَهَمِّيَّة التَّدْبِير، حِرْصًا عَلَى الا تًتَدَهْوَر حَالَتِهِم. وَأَن يَحْتَرِموا قَوْلَ الحُكَمَاء أَنَّ القِرْشِ الأَبْيَضْ يَنْفَع فِي اليَوْم الأَسْوَد. وَأَنَّ الدُّنْيَا دَوَّارَة. لِيَتَعًلَّم كَيْفَ يُدِير أمُور حَيَاتِهِ وَيُكْمِلها بِأَمَانٍ وَرَاحَةٍ.
وابْن عَمَّكَ فَادي قَضَى حَيَاتَهُ بالدُروسِ والقِرأةِ. نَهَلَ مِنَ العِلْمِ مَا اسْتَطَاعَ. قَضَى أَوْقَاتًا طَوِيلَةً عَلَى الحَاسُوبِ يُنَقِّب في جُوجِل لِيَتَعَلَم عَنْ المُبْدِعِين والمُخْتَرِعِين وَكُلّ مَنْ حَفَرُوا بالصَّخْرِ وَمَا زَالَتْ أَسْمَاؤُهُم يَتَداوَلَهَا الجَمِيع وَيَتَمَنُّون أَنْ يَحْذوا حَذْوهُم وَيُقَوِّي خِبْرَته حَتَّى أَصْبَحَ مِنَ المُجْتَهِدِين الذِين كُتِبَت أَسْماؤهُم في مَوْسُوعَة جِينِيس.
لَكِنّ أخَاهُ وَلِيد قَضَاهَا يَلْعَب عَلى تِلْكَ الأَلْعَابِ العَنِيفَةِ التِي لَمْ يَسْتَفِد مِنْهَا إلاَّ أَنَّهُ تَعَلَّمَ العُنْف وَضَيَّعَ وَقْته سُدًا. وَقَدْ مَرّ الوَقْت دُونَما فَائِدَةٍ مِنْهُ إِلاَّ ضَيَاع عُمْرًهُ لِيَمُرَّ بَعْدَهَا مُرُورَ الكِرَامِ. لَمْ يًتْرُكَ أَيِّ شَيْءٍ يُخَلِّدَ ذكْرَاهُ كَأَخيهِ.
وَسَأُكْمِلُ لَكُمْ بَعْدَ هًذِهِ القِصَّةِ عَنْ تواضع أَهْلَنَا بِالأَمْسِ يا وَلَدِي أَنْتُمْ لاَ تَعْلَمون كَيْف كَانَ الحَال وَقَدْ كَانَ الوَالِدُ يَقُومُ بِتَصْلِيحِ الأحْذِيَةِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً عَلَى السِّدَّانِ. والأمُ تَقُومُ بِخِيَاطَةِ وَتَرْقِيعِ الثِّيَابِ البالِيِةِ دُونَ أنْ يَتَذَمَّرُوا أو يَنْبِسُّوا بِحَرْفٍ. كيف كَانَتِ الأُمُّ تَقُومُ بِخِيَاطَةِ محفَظَةٍ للكُتُبِ تَصْنَعُهُ مِنْ قِمَاشٍ قَدِيمٍ.
كَانَ الإخْوَةُ يَلْبَسُونَ مَنْ ثِيَابِ بَعْضِهِمْ البَعْض. كانتِ الأُمُّ تَغسِلُ الثيابَ بِيَدَيْها وَتغْليِها على موقِدِ الحَطَبِ. فَلِلْأمّ كَانَتْ وَظِيفَةٌ مُقَدّسَةٌ مُتْعِبَةٌ. حِينَها لَم تَكُنْ وَسَائِلُ الرَّاحَةِ المَوْجُودَةُ اليَوْمَ. لتُعَزِّزَهَا وتُدَلِّلَهَا وَتُرِيحَها مِنَ شَّقَاءِ عَاشَتْهُ حَبِيبَةُ الأمْسِ. لَمْ يَكُنْ يلْهِيهَا عَنْ أوْلاَدِهَا تِلْكَ الاَلاَتُ المُخْتَلِفَةُ مِثْلَ الحَاسُوبَ والهاتف وَغَيْرِها. الفِيس بُوك، التوِيتَر، الأنسْتِغْرَام، الفَايْبِر، الوَاتْسْ أَبْ، المِسِنْجِر وَسْنَابْ اتْشَاتْ والفيفا وَغَيْرَهَا... وَجَمِيعُ بَرَامِجِ التّوَاصَلِ الإجْتِماعِيّ الكَثِيرَةِ. لِهَذَا كَانَتِ الحَيَاةُ أجْمَلَ. فَالأَوْلاَدُ يَحْتَاجُونَ كُلِّ اهْتِمَامَاتِنَا وَأوْقَاتَنَا وَرِعَايَتَنَا والحَنَانَ. وَلَيْسَ تِلْكَ الاَلاَتُ التّي يُخْرِسُونَ بِها أوْلاَدَهُمْ لِيَلْهُونَهُمْ عَنِ التَذَمُّرِ، لِيَتَفَرَّغُوا هُم لِأَشْغَالِهِم وَرَاحَةِ بَالِهِم ومِنَ المَسْؤُولِيَّةِ الكَبِيرَةِ التَي تَحْتَاجُ جُلَّ أوْقَاتِهِم لِلْعِنَايَةِ بهِمْ. فَالأبْنَاءَ يَحْتَاجُونَ العَيْنَ السَاهِرَةَ الرَّقِيبَةَ. لِكَيْ لاَ يَتُوهُوا بِمَتَاهَاتٍ خَطرَةٍ ..
سَرَحَ عَادِلُ وَحَنَانُ اسْتَغْربَا لِهَذَا الفَرْقِ الكَبِيرِ مَا بَيْنَ اليَومِ والأَمْسِ.
قَالَتْ حَنَان: هَلْ كنْتِ يَا أُمِّي تُسَاعِدِينَ الأهلَ بِالزِّرَاعَةِ وبِكلِّ هَذِهِ الأَشْغَالِ الشَّاقَّةِ.
قَالَتِ الامُّ: لاَ يَا ابْنَتِي فَانَا قدْ وُلِدْتُ بِزَمَانِ التِقَنِيَّةِ. لَكِنْ حَدَّثَتْنِي أمّي وَجَدَّتِي عَنِ الأَمْسِ وَجَمَالِهِ. وكَيْفَ أعْتَنِي بِكُمَا وَأُرَاعِيكُمَا كَمَا يَجِبْ.
قالتْ حَنان: لَيْتَ جَمِيعَ الأُمَهَاتِ مِثْلَكِ يَا مَامَا.
اجَابَتِ الأم: يُوجَدُ الكَثِيرَات مِثْلِي يَعْتَنِينَ بِأَوْلاَدِهِنَّ وَمُسْتَقْبَلِهِمْ. وَيَقُمْنَ بِوَاجِبَاتِهِنَّ عَلَى أكْمَلِ وَجْهٍ، نَحْوَ الأهْلِ أيْضًا، والزَوْجِ، الأقَارِبِ، والجِيرَانِ. يَتَصَّرّفْنَ بِأمَانَةٍ وَإِخْلاَصٍ واحْتِرَامِ وَذَوْقٍٍ مَعَ الجَمِيعِ.. ويَبْنِينَ مُسْتَقْبَلَ أوْلاَدِهِنَّ بِنَجَاحٍ مِثْلِي وأَكْثَر. وَقَدْ نَجَدُ أيْضًا الأمَّهَاتِ الفَاضِلاَتِ المُثَقّفَاتِ اللوَاتِي يَقِفْنَ لأَوْلاَدِهِنَّ بِمَحَبَّةٍ يُقَوّونَهُمْ، يُثَقِّفُونَهُمْ، ويَدْعَمُونَهُم بِتَفَانٍ وَإخْلاَصٍ، مِنْ أَجْلِ تَقَدُمِهِم لِيَصِلُوا لِلْنَجَاحِ المَطْلُوبِ. وَقَدْ نَجِدُ الكَثِيرَاتِ مِنْهُنَّ أيضاً يَشْغَلْنَ أعْلَى المَنَاصِبِ بِجُهُودِهِنَّ وَثَقَافَتِهِنَّ وَثِقَتِهِنَّ بِأنْفُسِهِنَّ. كِفَاحِهِنَّ وَتَغْلُّبِهِنًّ عَلَى الصِعَابِ، واجْتِهَادِهِنَّ ومُثَابَرَتِهِنَّ عَلَى الشِيءِ حَتَّى يَصِلْنَهُ.
وَقَدْ نَجِدْ اخْتِلاَفًا فِي الطِّبَاعِ والظُرُوفِ. فَنَجِدُ اَنَّ بَعْضَ الأمَّهَاتِ مُهْمِلاَتٍ بحقِّ أوْلاَدِهِنًّ. أو اللَّوَاتِي لَمْ يُحَالِفْهُنَّ الحَظُّ بالْتَعْلِيمِ العَالِي لِيَتَقَدَّمْنَ بِالحَياةِ.
لَم يَلِجْنَ المَدَارِسَ وَلاَ الجَامِعَاتِ. فبَقِيَتْ مَعْرِفَتُهُنَّ بِالحَياةِ مَحْدُودَةً لاَ تَتَعَدَّى عَتَبَةَ البَيْتِ.
فالخُرُوجُ مِنَ البَيْتِ يَا أوْلاَدِي. يَقَوِّي شَخْصِيَتَنَا لِنَقْهَرَ الظُرُوفَ الصَّعبَةَ ونَتَخطّاهَا. لِنَبْلُغَ أهْدَافَنَا مَهْمَا كَانَتْ صَعْبَةً. فإنْ لَمْ تَجِدِ، المَرأةُ الظُرُوفَ المُنَاسِبَةَ لِتَتَقَدَّمَ. تَبْقَى فِي البَيْتِ مَكَانَها سِرّ. وَظِيفَتَها الوَحِيدَةِ خِدْمَةُ زَوْجِهَا وَأَوْلاَدِهَا... وَتَبْقَى تَجْهَلُ طُرُقَ التَرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ وَمُعَامَلَةَ أوْلاَدِ اليَوْمِ الذِينَ يَحْتَاجُونَ مُعَامَلَةً خَاصَةَ بِثَقافَةٍ عالِيَةٍ ووَعْيٍ أكْبَرٍ، وَإدرَاكٍ يَحَتَاجُ التَفَرُّغَ الكَامِلَ والمَجْهُودَ والدِّرَاسَةَ العَمِيقَةَ لِتَتَعَلَّمْ الأُمّ كَيْفَ تَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِمْ تَرْبِيَةً سَلِيمَةً.
وقَد نَجِدُ الكَثِيرِينَ مِنَ الأَوْلاَدِ يَمْلُكونَ بٍطَبيعَتِهِم القُدُرَاتِ وَالطُّمُوحُ والنَشَاطُ. فَتَجِدهُمْ يُحَارِبُونَ الجَهْلَ والفقرَ بِقُدُرَاتِهِمْ الجَّبَّارَةِ والعَمَلِ المُضْنِي. يَتَحَدُّوْنَ الصِعَابَ حتَّى لَوْ لَمْ يَجِدُوا الدَّعْمَ المَادّيَّ والمَعْنَوِيَّ الاَّ أنَّهُم يَصِلون بِجُهْدِهِمِ الشَخْصِيِّ. وَقَدْ يَضِيعُ البَعْضُ مِنْهُمْ لِضَعْفِهِمْ ثَمَنًا لِجَهْلِ الأَهَلِ وتَخَلِّيهِمْ عَنْهُمْ بالدَّعْمِ، لِيَتَحَدُّوا الصِعَابَ وَيَقْهُرُوا الجَهْلَ وضِيقَ الحَالِ.. وَفِي الأَغْلَبِيَّةِ كُلّ هَذا النَجَاحِ أوِ الفَشَلِ، لَيْسَ فَقَطْ بِدَعْمُ الأَهْلَ، إنَّمَا بِطَبْعُ بعضََ الأوْلاَدِ وَمُيُولَهُمْ وَأَمَالَهُمْ وَنَشَاطَهُمْ وَطُمُوحَهُمْ وَاعْتِمَادَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَضَمِيرِهِمْ الحَيِّ، الذِّي يَرُدُّهُمْ عَنِ الإسَاءَةِ للأَهْلِ، لِيَبْعِدُوا عَنْهُمُ الحُزْنَ وَخَيْبًةَ الأَمَلِ فِيهِمْ... فَيَا لَيْتَ جَمِيعُهُمْ يَمْلُكُونَ هَذِهِ الشَّخْصِيَّةَ يَا أوْلاَدِي.
قَالَ عَادل: لَقَدْ تَعَلَّمْنَا اليَوْمَ مِنْكِ الكَثِيرَ الكَثِيرَ. تَعَلَّمْنَا الإعْتِمَادَ عَلَى أنْفُسِنَا بِاجْتِهَادِنَا لِنَصِلَ إلَى النَجَاحِ الذِّي يَتَمَنَّاهُ لَنا الأَهلُ. وأَنَّ عَلَيْنَا أنْ نَتَّبِعَ كَلاَمَ الله وَنصَائِحَ الأَهْلَ وَمَخَافَةَ الرَبِّ والتّفْكِيرَِ مَلِيًّا بِكُلِّ خَطَوَاتِنَا. وَاهَمِّهَا أنْ نَحْتَرِمَ تَوْجِيهَاتِ الضَّمِيرِ. فَهُوَ الذِّي يَرُدَّنَا عَنِ الخَطَأِ والمَخَاطِرِ. والضَّمِيرُ هُوَ صَوْتُ الله الذِّي يُقَيِّمنَا وينبّهنَا لأخْطَائِنَا. عَلَيْنَا أيْضًا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ الغَيْرِ بِالكَلِمَةِ الحُلْوَةِ، عَلَيْنَا التَرَوِّي بِالحُكْمِ عَلَى الغَيْرِ لَئِلاَّ نَظْلُمَ أحَدًا. وَأَنْ نَتَعَامَلَ بِاللِّينِ مَعَ الأصْدِقَاءِ. والإبْتِعَادُ عَنْ الشَرِّ الذّي يُوَرِّطُنَا وَيُوَرِّطُ الأهلَ مَعَنَا. وَأَنْ نُسَاعِدَ المِسْكِينَ العَاجِزَ. وَنُعِينَ اليَتِيمَ وَنَرْحَمُهُ. نَحْتَرِمَ مَنْ هُم أَكْبَرُ مِنَّا سِنًا ونُسَانِدهُم.
قَالَتْ حَنان: لَيْتَ كُلّ الأمّهَاتِ مثْلَكِ يَا أمِي. تُرْشِدِينَنَا وتَعْتَنِينَ بِنَا لتُقَيِّمِي اعْوِجَاجَنَا. تَمْنَعِينَا مِنَ التَهَوُّرِ. أنْتِ وَحْدَكِ مَنْ يَدْعَمُنَا مَادِيًا وَمَعْنَوِيًّا. تَتَفرّغِينَ لَنا السَّاعَاتِ الطِّوَالَ مِنْ أجْلِ هِدَايَتِنَا. أدَامَكِ اللهُ وَادَامَ صِحَّتَكِ وَوَهَبَكِ الحَيَاةَ السَعِيدَةَ.
اقْتَرَبَا حَنانُ وَعَادِلُ مِنَ الاُمِ، ضَمَّاهَا بِحَنَانٍ وَوَعَدَاهَا بِالنَّجَاحِ. قَالاَ سَنَكُونُ عِنْدَ حُسْنِ سَنَتَعَاونُ معًا أنا وأخْتِي لِنُخْرِجْ كُلَّ مُفِيدٍ مِنْ جُوجِل.. سَنُخَفِّفُ اللّعِبَ عَلَى الحَاسُوبِ والهَاتِفِ النَقَّالِ. سَنُلَبِّي طَلَبَاتِكِ مَهْمَا كَانَتْ. فأنتِ اكثَرُ ألناسِ يَتَمَنَّى لنَا النَّجَاحَ. نَحْنُ مُتَأَكِّدَانِ أنَّ الأمَ بِطَبِيعَةِ الحَالِ مَهْمَا كَانَتْ ثَقَافَتُهَا، هَدَفُهَا الوَحِيدُ رَاحَةُ أوْلاَدِهَا وَنَجاحُهُمْ. لِهَذَا عَلَى الأبْنَاءِ الإِمْتِثَالُ لِأَوَامِرِ الأمّهَاتِ. فَأوَّلُ مَا أمَرَنَا بِهِ الرَبُّ، أَنِ اكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَكَ.
قالت الأُم بِمَحَبَّةٍ كَبيرَةٍ أتَمَنَى أنْ تَنْجَحَا لأَفتَخِرَ بِكُمَا أمَامَ
الجَمِيع. أحِبُكُما وسَأفْدِيكُمَا بِكُلِّ غَالِ..
اشكر الدكتورين بطرس دلة ومنير توما على كلمتهما التي اثْرَت الكتاب واسعدتني واشكر الكاتب والاديب ناجي ظاهر الذي قام بمراجعة القصة وتدقيق اللغة.
قد ادخلت بهذه القصة الكثير من عاداتنا القديمة التي جمعتنا دائما على المحبة والخير. حين لم يكن يلهينا عن بعض كل تلك التقنيات الحديثة التي ادهشتنا ووسعت افاقنا واخذتنا الى عالم اخر غير الذي اعتدناه سابقا. فالهتنا وابعدتنا عن بعضنا البعض. والتي شغلتنا عن المهم والاهم في حياتنا الا وهي لمة العائلة المهمة جدا لارتباطنا ببعض عاطفيا اهلا واقرباء واحبابا. فكان لهذا الابتعاد مخاطره عن احضانهم التي تبث فينا المحبة والالفة واتلاف احدنا على الاخر. والخوف الكبير من عدم الانتباه لمراقبة نوعية الالعاب التي يلهو بها اولادنا طيلة النهار لتلهيهم عن المهم الذي يتطلب اهتماننا الا وهو التفرّغ للبحث والتنقيب عما يدفعنا الى الامام نجاحا وابداعا وخلقا. والخوف الكبير هو من ابتعادهم عاطفيا وتمسكهم بالعاب العنف التي سيطرت على عقول الكثيرين من اولادنا وابعدتهم عن الاهل وحمايتهم والتي قد تضيّعهم وتغيّر مسار حياتهم. والخوف الاكبر هو من مجهول يخيفنا لو استمر هذا الجفاف العاطفي بينهم. وعدم احترام مشاعر بعضنا البعض. وقد قلّ تقدير الاهل واحترام ارائهم واوامرهم واعتمد كل منهم على قدراته لشعوره بقيمة نفسه وبانه ليس بحاجة لفرض اوامر اي كان عليه مهما كانت منزلته. هم لا يعلمون انهم بحاجة ماسة لرعاية الاهل مهما بلغوا من العلم. فالاهل هم السند والحنان والمحبة والارشاد والحضن الذي يقيهم ويوقفوهم عند حدهم لو اندفعوا بطريق شائكة قد تورطهم وتضيعهم..
كلمة الدكتور بطرس دلة كفر ياسيف
الصديقة نهاي داموني ليست جديدة في عالم الاطفال حيث انها تكتب بغزارة وقلمها سيَّال بشكل كبير. لانها تؤمن ان الاطفال هم صغار اليوم ورجال الغد، وعلينا الاهتمام بتربيتهم وتوجيههم بحيث يحملون الراية للاجيال القادمة.
قصتها هذه بعنوان اجيال هي من هذا الرعيل. فهي لا تنفك تعالج قضايا الأجيال الناشئة وتوجّه لهم وجهة نظرها في اصول التربية الحديثة. ولا تكتفي بالمواعظ بل تغور بكتابتها بشكل كبير وبلا حدود. وتنتقل من الصغار الى الكبار كما لو كانت تكتب عن المراة وللمراة. فقد مرّت خلال حياتها بالعديد من العثرات التي تركت اثرها في نفسها ولذلك فانها تعمل على تنبيه الفتيات بشكل خاص الى مشاكل الحياة التي قد يواجهنها في حياتهن المستقبلية.
ولكن الى جانب ذلك فهي لا تنسى انها انسانة مؤمنة ولديها الكثير من الإنسانية التي تبرز واضحة في سطور قصصها. فتبدو كواعظة على منابر الاماكن المقدسة.
ان هذا الاسلوب ياتي كبديل عن تازيم القصة وعن توتر الاحداث التي تجعل القصة مقبولة على الصغار. ولا تستطيع الابتعاد عن هذا الاسلوب لانها تعيش حياتها بتجاربها الحياتيّة التي عانت منها في صباها فجاءت معبرة عن شخصيتها كل التعبير.
هكذا تبدو في مختلف قصصها كمصلحة اجتماعية تدعو الى الى المبادئ الانسانيّة الى البذل والعطاء والتسامح مع الاخرين. فتقتبس من الانجيل او من الاحاديث الشريفة او من كبار الكتاب بعض النصوص التي تثري القارئ الصغير وتوسّع مداركه في بعض التناصات مثلها في ذلك مثل كبار كتاب الاطفال.
اننا نحيّي فيها هذه الروح ونتمنى عليها ان تتابع مشوارها الابداعي في المستقبل.
لك الحياة ايتها الصديقة
الجمعة ١٦.١١.٢٠١٨ باحترام د. بطرس دلة
كفر ياسيف
كلمة الدكتور منير توما
لقد قدمت الكاتبة نهاي ابراهيم بيم.*داموني* في قصة الاطفال اجيال نموذجا للام التي تعظ ولديها نحو الممارسة الحياتية السليمة الناجحة للأولاد بما يخصّ الألعاب الحديثة وغير ذلك في الحاسوب ومقارنتها بما كان سائدا من العاب مفيدة اكثر كونها تجمع الأطفال معا وتزيد من حركتهم ويتبادلون الاحاديث وجها لوجه.
تدمج الكاتبة توجيهاتها ونصائحها بتيبيان الفضائل في التربية على الاولاد تجاه مستقبلهم حيث نرى في نهاية المطافة اتعاظ الولدين وتقبلهما باقتناع كامل كلام الأم مما يجعل من هذه القصة درسا للأطفال والأولاد قدمته الكاتبة بأسلوب رشيق واضح يطغى عليه عنصر الوعظ والإرشاد المباشر. اوردت الكاتبة في قصتها هذه حدثا سرديا دراماتيكيا بغية جعل الجو القصصي أكثر تشويقا واقناعا للطفل القارئ ليتّخِذ من الحدث قدوة عمليّة فاعلة في نفسه مع تاكيدنا وإشادتنا بالجهد المحمود الذي بذلته الكاتبة لإيصال رسالتها تربويًا واجتماعيًا.
بقلم الدكتور منير توما كفر ياسيف
قصة للاطفال . 29.11.018
أَجْيال............
لِسَمِيرةِ الأمِ الجَمِيلَةِ، طِفْلاَنِ جَمِيلاَنِ بِعُمْرِ الوُرُودِ.. الإِبْنَةُ حَنَانُ فِي الصَفِّ السَابِعِ. والإبْنْ عَادِل فِي الصَفِّ الثَّامِنِ. تَخَافُ عَلَيْهِمَا تَعْتَنِي بِهِمَا كَثِيرًا وبِمُسْتَقْبَلهما. ليَتَمَيَّزَا بَيْنَ طلابِ صفِّهيمَا.
عادل وحنان، يَقْضِيَان أغْلَب أوْقَاتهما على الحاسوبِ، وعلَى الأَلْعَابِ بِالهاتفِ. مِمَّا يُضَايِقُ الامَّ فَتَغْضَبُ لِلَهْوِهِمَا عَنْ درُوسِهِمَا بِتَفَاهَاتٍ أخَذَتْ عَقْلَ اغْلَبِيَّةَ أوْلادِنَا حتّى تَأخّرُوا عَنْ دُرُوسهمْ وَعَمّا يُفِيدهُمْ وَيَدْفَعهُمْ للامَامِ. عَتِبَتْ عليْهمَا لأنَّهُمَا يَتَجَاهَلاَنِ طَلَبَاتِهَا.
قَالَتْ لَهُمَا:- إنَّ وَقْتَ الدَّرسِ قَدْ حانَ، أُتْرُكَا الحاسوبَ واذهبَا لمُرَاجَعَةِ واجباتِكمَا المدرَسِيّةِ.
تَصْرُخُ حنان بِدلالٍ، حِين تَنْتَهِي اللُّعْبةُ يا ماما!
يَصْرخُ عادل أعطِني قليلاً مِنَ الوَقْتِ يا ماما لأَتَمَتَّع باللعبةِ!
حِينَ لا يَمْتَثِلانِ لَهَا، تَقْتَرِبُ مِنْهُمَا تُلاَطِفهمَا وَتَقُولُ: إِنْهَضَا الآن يا حَبِيبيَّ دُونَ نِقَاشٍ. فالدُروسُ اهَمُّ مِنْ هَذِهِ الألْعَابِ المُؤْذِيَةِ. أُرِيدُكُمَا مِنْ أَفْضَلِ الطُلاّبِ..
قالتْ حنان: ألمْ تَلْعبِي أنْتِ مِثْلَنَا حِينَمَا كُنْتِ صَغِيرَة؟
قالَ عَادِل: هلْ كانَتْ تَمْنَعُكِ والدتُكِ مِنَ اللَّعِبِ كَمَا تَفْعَلِينَ مَعَنَا؟
أجَابَتِ الأم وَهِيَ تَرْسُمُ عَلَى وَجْهِهَا البَسْمَة. وبِدَاخِلهَا يَشْتَعِلُ حُبُّهَا لَهُمَا، ضَمَّتْهُمَا إِلَى صَدْرِهَا بِحَنَانٍ لِأَسْئِلَتِهِمَا البَرِيئَةِ.
أجَابَتْ: فِي أيَّامِنَا لَمْ يَكُنِ الحَاسُوبُ ولاَ الهَاتِفُ النَقَّالُ. وَلاَ هَذِهِ الأَلْعَابُ المُضِرّةُ التِي تُعَلِّمُ أطْفَالَنَا العُنْفَ والكَرَاهِيَّةَ.
حتّى اعْتَادُوهَا وَحَسِبُوا أنَّ هَذا هُوَ التَّصَّرُّفُ الصَّحِيحُ، والطَّرِيقَةُ الوَحَيدَةُ لِحَلِّ مَشَاكِلهمْ. بِالعُنْفِ والقَتْلِ بِالسّلاَحِ والسكِّينِ وبالقُوَّةِ. لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الحَيَاةَ لاَ تَأتِي إلاَّ بِالتَّرَوِّي والإتِّفَاقِ لِحَلِّ المَشَاكِلِ. هَذِهِ الأَلْعَابُ هِيَ التِي غَيَّرَتْ مَسَارَ أوْلاَدِنَا، فأتْعَبَتْهُم وَأَتْعَبَتِ الأهْلَ مَعَهُمْ.
هَذِهِ الألْعَابُ لَوْ وُجِدَتْ رِقَابَةٌ تَهْتَمُّ بِالتَّرْبِيَةِ وَتَوْعَيَةِ أَوْلاَدِنَا، كانوا مَنَعُوهَا وَالْغَوْهَا مِن هَذِهِ الأَجْهِزَة التِي عَلّمَتْ اولادَنَا أَذِيَّة بَعْضِهِم البَعْضْ. أخَافُ عَلَيْكُمَا مِنْ أََنْ تَحْذُوَا حَذْوَ هَؤُلاَءِ يَا أَحْبَابِي!
أَجَابَتْهَا حَنَان:- أنْتِ عَلَّمْتِنَا المَحَبَّةَ لِأصْدِقَائِنَا والوَفَاءَ لَهُمْ يَا أُمِّي والسَلاَم، لَنْ نَخْذِلَكِ أَبَدًا. فالسَّيِّدُ المَسِيحُ عَلَيْهِ السَلاَمُ أَمَرَنَا بِالمَحَبَّةِ.
قَالَ: أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضَاً. وَقَالَ أيْضًا تَمَنّى لِلْغَيْر مَا تَتَمَنَّاهُ لِنَفْسِكَ. وَجَمِيعُ الدِّيَانَاتِ ايْضًا، فَضَّلَتِ المَحَبَّةَ والتَّعَامُلَ بِطَرِيقَةٍ سِلْمِيَّةٍ وطِيبَةٍ. فَالكَرَاهِيَّةُ هِيَ السَّبَبُ الوَحِيدُ الذِي يَدْفَعُنَا لِلْشَرِّ.
قَالَ عَادِل:- لَكِن أنا أقُولُ عَلَيْنا أنْ نؤذي مَنْ يُؤْذِينا يا أُمَّاهُ
قَالًتِ الأمُ: لَا يَا وَلَدِي، الشَّرُ يَعُودُ عَلَى فَاعِلِهِ بِشَرٍّ أَكْبَرَ.
هُم لاَ يَعْلَمُونَ أنهُ بِالحِنْكَةِ وَالكَلِمَةِ الحُلْوَةِ الطَّيِّبَةِ، نَسْتَطِيعُ أنْ نلْغيَ أعْظَمَ الشُّرُورِ. الَمْ تَسْمَعْ أخْبارَ اليَوْمِ؟ فَإِنْ تَضْرِبُ أيًّا كَانَ يَا وَلَدِي سَيُرَدُّ لَكَ الصَّاعَ صَاعَيْنِ. لَا تَأخُذ هَذِهِ الطُّرُقَ مَنْهَجًا تَنْهَجُهُ. الشُّرُورُ التِّي تَرَاهَا أَمَامَكَ بِالأَلْعَابِ، لَيْسَتْ طَرِيقًا سَلِيمَةً لِلْتَعَامُلِ بَيْنَ النَّاسِ. لِنَعِيشَ مَعًا بِسَلاَمٍ. فَطَرِيقُ الشَرّ نَتَائِجها سَلْبِيَّةٌ خَطِرَةٌ عَلَى حَيَاتِنَا وَحَيَاة مَنْ نُحِبْ. فالشر يُؤْذِيكُمُ وَيُؤذِينَا. لِذَا عَلَيْكَ ألاَّ تُعَرِّضُ نَفْسَكَ لِلْتَهْلكَةِ. فَرُبَّمَا غَدَرُوكَ وَأَنْتَ لَاهٍ عَنْهُمُ. إِنْ تَهِبِ الخَيْرَ لِلْغيْرِ سَتَحيا الحَيَاةِ الهَادِئَةِ السَّعِيدَةِ. وَسَتَرْتَاحُ نَفْسِيَّتُكَ. سَتَحْمِي كُلَّ مَنْ تُحِبُهُمْ بِتَصَرُّفِكَ العَقْلَانِيِّ. هَيَّا انْهَضَا لِتَأدِيَةِ الوَاجِبَاتِ المَدْرَسِيَّةِ، وإلَّا قَطَعْتُ عَنْكُمَا النِّت. لَعَلَّكُمَا تُصْبِحَانِ مِنَ العُظَمَاءِ الذِينَ اخْتَرَعُوا وَسَائِلَ يَعْجَبُ لَهَا العَقْلُ البَشَرِيُّ. إِبْحَثُوا عَمّنِ اخْتَرَعَ الطّائِرَاتِ والكَهْرَبَاءَ وَجَمِيعَ وَسَائِلِ التَّنَُقلُ. وَهَذِهِ الأدَوَات التي بيْنَ أيْدِيكُمْ. وَلا تَنْسوا الوِّيزْ أيْضًا هَذَا البِرْنَامِجُ الذِّي يَدُلَّنَا عَلَى أيِّ عَنْوَانٍ نَحْتُاجُهُ. فَيُخَفِّفُ عَنَّا مُعَانَاتِ البَحْثِ الْمُضْنِي.. يا لَيْتَ جَمِيعَ أَوْلاَدِنَا يَجْتَهِدُونَ بِالعَمَلِ عَلَى خَلْقِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْ خَلْقَهُ أجْيَالُ الأمْسِ. هَيَّا يَا أَوْلاَدِي لقَدْ حَانَ مَوْعِدُ الجَدِّ. أتِمَّا دُرُوسكُمَا واسْتَفِيدَا مِنْ حَدِيثِي هَذَا، وَبَلّغَاهُ لأََصْدِقَائَكُمَا. تَعَاوَنُوا لِتَبْدِعُوا وَتَخْلِقُوا مَا لَمْ يَسْتَطِعْ غَيْرُكُمْ خَلْقُهُ. سَأَقُصُّ اليَوْم عَلَيْكُمَا حِينَ تَنْتَهِيَانِ مِنْ دُرُوسكمَا، عَنْ حَيَاتِنَا عندما كنا مِثْلَكُمَا أَطْْفَالاً صِغَاراً. سأُحَدِثْكُمَا عَنْ مُعَانَاتِ وَتَعَبِ أَجْدَادِنَا. وَطُرُقِ مَعِيشَتِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ لِبَعْضٍ، وَتَعَاوُنِهِم وَمُشَارَكَتِهِمْ بِجَمِيعِ نَشَاطَاتِهِمْ. كَمَا حَدَثْتُكُمَا قَبْلاً.
قَالَ عَادِل: كُلَّ مَا قَصَصْتِهِ عَلَيْنَا حَفَظْنَاه فِي عُقُولِنَا وَقُلُوبِنَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.
حينَ انْهَتْ الأُم حَدِيثَهَا نَهَضَا بِسُرْعَةٍ وَبِدَاخَلِهِمَا رَغْبَةٌ شَدِيدَةٌ لِسَمَاعِ مَا وَعَدَتْهُمَا الوَالِدَةُ الغَالِيَةُ، بِأَنْ تُحَدِّثَهُمَا عَنِ المَاضِي وَجَمَالِهِ، وَعَنِ الفَرْقِ الذِّي غَيَّرَتْهُ الهُمُومِ التِي تَسَبّبَتْ بِها ضُغُوطَاتُ الحَيَاةِ، والتِقَنِيّةِ الحَدِيثَةِ التي اخْتَرَعَهَا عُلَمَاء عُظَمَاءُ، وَاصَلُوا اللّيْلَ مَعَ النَهَارِ لِيَتْقِنُوهَا وَيُحَقِّقُوا بِهَا أَهْدَافَهُمْ بِنَجَاحٍ لِنَنْعَمْ بِهَا نَحٌنُ وَهاذَا الجِيل الذَكِيُ المُبْدِع تِلْمِيذ الحَاسُوب الذّي نَقَّبَ حَتّى عَلِمَ أسرَارًا كُنَّا نَجْهَلُهَا فَعَلَّمَهُم إيَّاهَا بِرْنَامِج جُوجِل العَظِيم والبَرَامِج العَظِيمَة الأُخْرِى.
أقْفَلَاَ الحَاسُوبَ وَحَمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا كُتُبَهُ وَاجْتَهَدَا ليُنْهِيَا الوَاجِبَ بَسُرْعَةٍ. ثم تفَحَّصَا جُوجِلَ وَنَهَلاَ مِنْهُ بَعْضًا مِمّا سَبَكَتْ لَنَا مِنْ جَوَاهِرَ تِلْكَ الأيادِي العَظِيمَُةُ. وَحِينَ انْتَهَيَا، حَمَلاَ مَعَهُمَا إعْجَابَهُمَا لِيَنْقُلاَهُ لِلْغَالِيَةِ التِي طَالَمَا نَثَرَتْ مِنْ عَبِيرِ ثَقَافَتِهَا عَلَيْهِمَا وَصَدَقَتْ.
هَرَعَا إِلَيْهَا لِتُحَدِّثَهُمَا عَنْ جَمَالِ المَاضِي، بِزَمَانٍ لَمْ تُولَد فَيهِ بَعْدَ كُلَّ هَذِهِ التِّقَنِيَّةِ التّي أخْرَسَتْنًا صَمْتًا، وَفَرَّقَتْنَا عَنْ بْعْضِ بِالمَشَاعِرِ، وَأَوْقَفَتْ حَرَكَتَنَا، لِنَبْقَى أَسِيرَيِ الحَاسُوبِ والهَاتِفِ النَقَّالِ. فَتَوَاصَلْنَا مَعًا بالحَرْفِ والصُورَةِ. بَعِيدَا عَنْ أَنْ نَرَى تَعَابِيرَ الوُجُوهِ التي تَكْشِفَ لَنَا حَقيقَةَ المَشَارِ، وردودَ الفِعْلِ وَالأَهْدَافَ. وَأَصْبَحَ لِكُلٍّ مِنَّا عَالَمَهُ الخَاصْ بِهِ. لَمْ يَعُدْ يَشْعُرُ أَحَدٌ مِنَّا بِهُمُومَ الغَيْرِ وَمَتَاعِبِهِمْ، فَالبَعِيدُ عَنِ العَيْنِ، بَعِيدٌ عَنِ القَلْبِ والرُوحِ.
العَابُ اليَوْم فَرّقَتْنَا وخَفَّفَتْ لِقاءَاتِنَا بِبَعْضٍ، وَقلّلَتْ مِنْ حَرَكَاتِنَا. أَبْعَدَتْ الأَهْل وَالأَطْفَالَ عَنْ بَعْضِهِم البَعْضِ. جمَعَتْهُمْ عَلَى الهَاتِفِ وَالحَاسُوبِ، كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ. تَرَكَتُهُمْ بِشَتَاتٍ لاَ يَعْلَمُونَ بِأَيِّ الإِتِّجَاهَات يَمْضُونْ. وَمَا هِيَ الطُرُقُ السَّلِيمَةُ لِرَاحَتِهِم، التِّي تَهْدِيهِمْ لِلأَمَانِ وَطَرِيقِ الصَّوَابِ. فَالتَّقَارُبُ يَفْتَحُ الأَذْهَانَ حِينَمَا نَتَحَدَّثُ سَوِيَّةً، وَنَرَى تَعَابِيرَ الوُجُوهِ وَاضِحَةً بِفَرَحِهَا وَحُزْنِهَا. بمحبتها وكرهها.
قَالَ عَادِل: لِأُخْتِهِ حَنَان، مَا أَجْمَلَ حَدِيثَهَا أُمِّي، وَمَا أَعْظَمَ أْقوَالَهَا، عَنِ حَيَاةِ الأَمْسِ، حِينَ كَانَتِ الحَالُ أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ. كَيْفَ تَفَرَّغَتِ الأمُ حِينَهَا لِتَرْبِيَةِ أَوْلاَدِهَا. تُعَلِّّمُهُمُ الأَدَبَ الأَخْلاَقَ، عِزَّةَ النَّفْسِ، الشَّهَامَةَ، وَمَخَافَةَ الله، وَاتّبَاعَ تَعَالِيمَ دِينِيَّةٍ تُرِيحُ الرُوحَ وَتَبْعِدُ عَنْهُمُ الشَّرّ والأَذَى..
كَانَتِ الأُمَّ مُتَفَرِّغَةً أَكْثَرَ لِتُجِيبَ عَلَى أسْئِلَةِ أَوْلاَدِهَا الكَثِيرَةِ، لِيَكْتَشِفُوا كُلَّ جَدِيدٍ يُصَادِفهُمْ. لِتَوْعِيَتِهِمْ عَمَّا يَدُورُ مِنْ حَوْلِهِمْ خَارِجَ البَيْتِ وَتُؤهِلُهُم لِلْتَّعَامُل مَعَ مُجْتَمَعٍ مُخْتَلِف الطِّبَاع.
كَانَتْ تُعَلِّمهُمُ الصَّلاَةَ وَهِيَ أَهَمُّ البُنُودِ لِحَيَاةٍ سَليمَةٍ. حِينَ لَمْ يَكُنْ يَنْقَطِعُ ذِكْرُ الله مِنْ أَفْوَاهِهِمْ. وَلَمْ يَكُنْ يَقْوَى أَيُّ كَانَ عَلَى أَنْ يُشَكِّكَ بِوُجُودِهِ وَقُدُرَاتِهِ العَظِيمَةِ.
وَقَدْ شَغَلَتِ الأمُ نَفْسَهَا بِهِمْ كَكٍُِلِّ اُمٍ وَاعِيَةٍ لِوَاجِبِها نَحْوَهُم تُرشِدُهُمْ تُعِظهُمْ تُنَبِّهُهُمْ كَيْفَ يَتَمَسَّكُونَ بِتَعَالِيمَ وَضَعَهَا الرَّبُ لِسَلاَمَتِهِمْ، حِينَ كَانَتِ القُلُوبُ نَقِيَّّةً صَافِيَةً مُجَرَّدَةً مِنَ الخُبْثِ والرِّياءٍ..
كَانَ الفُقْرَ حِينَهَا يَجْمَعَهُمْ، يُقَوِّي عِلاَقَاتِهِمْ بِالعَطْفِ وَالتَعَاوُنِ وَالسَّخَاءِ. فَتَجْمَعهُمْ عَلَى الخَيْرِ البَعِيدِ كُلّْ البُعْدِ عَنْ المَخَاطِرِ بِالمُسَانَدَةِ والحِمَايَةِ. بَدَلَ الرَهْبَةِ التي نَحْيَاها اليَوْمَ، والتَي تَتْرُكَنَا بِقَلَقٍ شَدِيدٍ، لِنَغْفُوا بَعْدَهَا عَيْنٌ تَصْحُو وَعيْنٌ تَنَامُ، قَلَقًا وَخَوْفًا مِنَ الغَدْرِ النَّاتِجِ عَنْ سوءِ التَّرْبِيَةِ وَشَرَاسَةِ الأخْلاَقِ. فَلْنَبْحَثْ جادّينَ عَنْ طُرُقٍ تَهْدِينَا كَيْفَ نَتَحَاشَى الشُّرُورَ وَالمَشَاكِلَ المُتَفَاقِمَةَ. لِتَهْدَأَ نُفُوسُنَا مَنْعًا مِنْ أَنْ تَأْخُذَ الحَيًاةُ منَّا رَاحَةَ البَالِ فَلاَ نَعُودُ نَتَفَرَّغُ لَأَعْمَالِنَا المُهِمَّةِ لِنَتَقَدَّمَ وَنَنَجَحَ.
قَالَتْ حَنَان: عَظِيمَةٌ أَنْتِ يَا أُمِّي فَأَقْوَالُكِ تُوقِظُنَا مِنْ جَهْلِنَا تُنَبِّهَنَا لِنَبْتَعِدَ عَمَا يُضَيِّعُ مُسْتَقْبَلَنَا.
وَحِينَمَا انْتَهَيَا مَنَ المُطَالَعَةِ وَحَلِّ فُرُوضِهِمَا وَحَفْظِ الدُّرُوسِِ وَإعَادَةِ حَدِيثِ الوَالِدَةِ الْمُمْتِعِ.
نَهَضَتْ حَنَانُ وَمَعَهَا عَادِلُ، وَهُمَا يَشْكُرَانِ الرَّبَّ عَلَى أَنَّهُمَا أنْتَهَيَا مِنَ الدِّرَاسَةِ، كَيّْ لاَ يُغْضِبَا الغَالِيَةَ وَيَكْسَبَا وُدَّهَا وَيُصْبِحَا مِنَ النَّاجِحِينَ كَمَا وَعَدَاهَا.
قَالَ عَادِل: إنَّ هَذِهِ الوِالِدَةَ الحَنُونَ التِي تُضَحِّي بِكُلِّ غَالٍ مِنْ أجْلِنَا، تَسْتَحِقُّ أَنْ نُسْعِدَهَا، فَلاَ يَخِيبُ بِنَا ظَنُّهَا..
كَمْ حَرَمَتْ نَفْسَهَا مِنْ حُقُوقِهَا لِتَتَفرَّغَ لَنَا، وَكَمْ عَانَتْ وَسَهِرَتِ اللّيَالِي لِرَاحَتِنَا.. لِنُصْبِحَ كَمَا يَجِبُ أَنْ نَكُونَ لِمَصْلَحَتِنَا. فَلْنُعَوِّضْهَا إذَنْ تَعَبَهَا اللَّيْلَ مَعَ النّهَارِ. دُونَ كَلَلٍ مِنْهَا أوْ مَلَلٍ..
قَالَتْ حَنَان: لَقَدِ اقْتَنَعْتُ دَائِمًا بِالمَثَلِ الذِّي كَانَتْ مَامَا تُلْقِيهِ عَلَى مَسَامِعِنَا. أَنّ مَنْ جَدَّ وَجَدَ، وَمَنَ زَرَعَ حَصَدَ. وَمَنْ طَلَبَ العُلاَ سَهِرَ اللّيَالِي. لاَ تُؤَجِّلْ عَمَل اليَوْمِ إلَى الغَدِ. وَخَيْرُ البِرِّ عَاجِلُهُ.
حِينَ أَنْهَيَا حَدِيثَهُمَا اقْتَرَبَا مِنَ الغَالِيةِ
ارْتَمَتْ حَنَانُ بِحِضْنِهَا بِدَلاَلٍ وَقَالَتْ: أَنْهَيْتْْ الوَاجِبَ يَا مَامَا
قَالَتِ الأُمُ: حَسَنًا غَالِيَتِي وَاَنْتَ يَا عَادِلُ؟
قَالَ وَأَنَا يَا أُمِّي أنْهَيْتُ كُلَّ الوَاجِباتِ مِنْ أَجْلِ أَنْ أَنَالَ رِضَاكِ.
جَلَسَ عَادِلُ إلَى جَانِبِهَا وَهُوَ يَقُولُ نَعِدُكِ يَا أُمِّي أَنْ نَكُونَ عِنْدَ حُسْنِ ظَنِكِ فِينَا.
هَيَّا حَدِّثِينَا كَمَا وَعَدْتِنَا، كَيْفَ كَانَتِ الحَيَاةُ قَبْلَ كُلَّ هَذَا التَّغْيِيرِ وَهَذَا التَّقَدُمِ العَظِيمِ. وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الإنْسَانُ لِلْفَضَاءِ وَلِجَمِيعِ هَذِهِ الوَسَائِلِ التِقَنِيَّةِ العَجِيبَةِ التِّي حَيَّرَتِ العُقُولِ والتي راجعناها الان في جوجلَ..
قَالَتِ الأُمُّ: وَهِيَ تَضُمُّ وَلَدَيْهَا بِحِضْنِهَا: كُلُّ هَذَا الذِّي تَرَيانِهِ يَا وَلَدِيَّ مِنْ فَضْلِ رَبِّنَا عَلَيْنَا وَنِعَمِهِ. بِأَنّْ وَهَبَنَا العَقْلَ والذَّكَاءَ والفَهْمَ. فَلَوْ يَكَسبُ أوْلاَدَنَا المَعْلُومَاتِ الكَثِيرَةِ مِنَ النِتِّ وَمِنْ جُوجِلَ. لَخَرَجَ مِنْهُمُ المُخْتَرِعِين والعُلَمَاءُ، الأُدَبَاءُ، المُثَقَّفِونَ، القُضَاةُ، وَغَيْرُهُم. وَهَذَا أَفْضَلُ بِكَثِيرٍ مِنْ قَضَاءِ جُلَّ أَوْقَاتِهِمْ عَلَى هَذِهِ الأَلْعَابِ غَيْرِ المُجْدِيَةِ.
تَنَهَّدَتِ الأُمُ وقَالَتْ: لَكِنْ هَذَا الجِيلُ مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ، لاَ يَعْلَمُ أَيْنَ تَقَعُ مَصْلَحَتُهُمْ وَلاَ يَسْمَعُونَ نَصَائِحَ الأَهْلِ.
ثُمَّ أكْمَلَتْ حَدِيثَهَا عَنِ المَاضِي وَجَمَالِهِ.
قَالَتْ: كَانَتِ الحَيَاةُ صَعْبَةً، لَكِنَّهَا كَانَتْ جَمِيلَةً. كَانَتِ المَحَبَّةُ تَغْلِبُ الكَرَاهِيَّةَ. كَانَ إِخْلاَصٌ بِالتّعَامُلِ والإِنْسَانِيةِ، كان تَفَانٍِ بِالصَدَاقَةِ. وَعَدَمِ اسْتِغيَابِ الفَرْدْ. كَانُوا يَنْصَحُونَ المُخْطِئَ وَيُنَبَّهُونَهُ مَنْ قَبْلِ أَنّْ يَزِلَّ أَوْ يَتُوهَ فِي الطُّرُقِ الخَطِرَةِ. فَكَانَ يَمْتَثِل يَحْتَرِم وَيَطيعُ، كَانَ تَعَاوُنٌ وَمُشَارَكَةُ فِي العَمَلِ، فِي المَشَاغِلِ وَالْمَشَاكِلِ وَالطَّعَامِ. كَانَتِ الأَلْعَابُ مُخْتَلِفَةً كُلِّيًّا عَنْ أَلعابِ اليَوْمِ. كَانَتْ تَجَمُّعَاتٌ وَسُرْعَةٌ بِالحَرَكَةِ. كَانَ الفقر يَجْمَعُهُم. كَانَتْ أُمَهَاتُنَا يَعْجِنَّ العَجِينَ بِأيَدِيْهِنَّ وَيَخْبِزْنَ عَلَى النَّارِ وَالحَطَبِ. فِي فُرْنِيَّةٍ صَنَعُوهَا مِنْ صَخْرٍ طَرِيٍّ قَابِلٍ لَلْعَْجْنِ وَالبِنَاءِ. كَانَتْ رَائِحَةُ الخُبْزِ تَنْتَشِرُ فِي الحَارَةِ فَيَلْتَمُّ الأَهْلُ وَالأَحْبَابُ عَلَى الحَصِيرَةِ، حِينَمَا كَانَتْ هِيَ المَائِدَةَ الوَحِيدَةَ التِّي يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا الأَحْبَابَ لِيَأكُلُوا المَنَاقِيشَ بِالسِمْسِمِ وَالزَّعْتَرِ. وَالمِحَمّرَ مَعَ الدَّجَاج الشَهِيَّ. وَأَكْلَةُ التَّبُّولَةِ والكُبَّةِ التِي صُنِعَتْ فِي جُرْنٍ مَصْنوعٍ مِنَ الحَجَرِ، لِيَطْحَنُوا بِهِ اللَّحْمَةَ وَالبُرْغُلَ وَالبَصَلَ، دَقًّا بِالْمِطْرَقَةِ الصَّلْبَةِ، حِينَ لَمْ يَكُنْ الخلاَّطُ الكَهْرَبَائِيُّ. وَغَيْرَهُ مِنَ أدَوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ أرَاحَتْنَا مِنَ الأعْمَالِ الشَاقَّةِ.
كَمْ أَكَلُوا مِنَ الأَكْلاَتِ الفَاخِرَةِ المَصْنُوعَةِ عَلَى الحَطَبِ. شَرِبُوا القَهَوَةَ التِّي قَامُوا بِتَحْمِيصِهَا عَلَى النَّارِ، وَطَحْنِهَا مَعَ الهَالِ بِطَاحُونَةٍ مُعَدَةٍ لطحنِ القَهْوَةِ. كَانُوا يُنِيرُونَ البَيْتَ بِالقَنْدِيلِ وَاللّوكْسِ. كَانَ السَّهَرُ يَحْلُو فِي ضَوءِ القَمَرِ، فًيَقْضُوزنَ الوَقْتَ بِالأحَادِيثِ عَنِ التَارِيخِ. حِينَ لَمْ يَكُنْ التِّلِفِزْيُونُ. لَمْ يَكُنْ الهَاتفَ النَقَّالُ يُشْغِلهُمْ عَنِ الأحْبَابِ. كَانَتِ التّجَمُعَاتُ تَزِيدُهُمْ فَرَحًا وَسُرُورًا. يَقُصّونَ قِصَصًا جَمِيلَة عَلَى بَعْضِهِم حِينَ كانت تَجْمَعُهُم الطِيبَةُ عَلَى صَحْنٍ وَاحِدٍ، لِهَذَا كَانَتِ اللُّقْمَةُ هَنِّيّّةً. كَانُوا يُشْعِلُونَ النَارَ لِلتَّدْفِئَةِ مِنَ الحَطَبِ وَأَغْصَانِ الأَشْجَارِ اليَابِسَةِ. كَانوا يُعِدُّونَ أَكْلَة العَصِيدَةَ وَلِخْوَيَّةَ التِّي صَنَعُوهَا مِنْ بَقَايَا الخُبْزِ المُتَبَقٌِي مَعَ القِرْفَةِ وِالسُّكَّرِ وَالطَحِينِ. الهِيطَّالِيَّةِ وَالبَحْتَةِ والتَطْلِي التِّي صَنَعوهَا مِن الفَوَاكِهِ المُخْتَلِفَة. وَقَلْيِ العَجِينَةِ بِالزَيْتِ وَرَشِّ السُّكَّرِ عَلَيْهَا. وفتة الشاي والحليب والفوارغ. كَانَتْ هَذِهِ اكلات وحلْوَيَات الأمْسِ. لَمْ يَكُنْ مِثْلَ هَذِهِ الأيَام الْفُ نَوْعٍ مِنَ الحِلْوَيَاتِ المُخْتَلِفَةِ. التّي زَادتْ مَرَضَ السُكَرِي وَغَيْرَهُ مِنْ الأَمْراضِ. لَمْ يُلْقُوا الخُبْزَ فِي الحَاوِيَاتِ مِثْلَمَا يَفْعُلُونَ اليَوْمَ. وَمَا الَذَّ طَعْمَ البَيْضِ البَلَدِي. فَالدَّجَاجُ عَاشَ عَلَى الطَبِيعَةِ والحَيَوَانَاتُ عَاشَتْ عَلَى الأعْشَابِ وَالحُبُوبِ. لََمْ تَأْخُذْ الإبَرِ لِتَكْبِيرِهَا. ولا أطْعَمُوهَا المَخْلُوطَةَ غَيْرَ المَعْرُوفِ مَا هُوَ مَصْدَرُهَا. مِمَّا زَادَ مِنَ الأَمْرَاضِ وَغيَّرَ طَعْمَهَا.. فإنَّ الأَعْشَابَ دَوَاءً لِجَمِيعِ العِلَلِ.
مَا أَرْوَعَهَا أكْلَةُ الخُبِّيزَةِ مَعَ الشُومَرِ وَاللَّيْمُونِ. العِلْتَ واللُّوفَ والِمْجَدَّرَةَ. كَانَ الأَطْفَالَ يَأْكُلُونَ الأَعْشَابِ، مِثْلَ الخُرْفِيشِ والدُّرْدَارِ والبُسْبَاسِ والسِنِيريَا وَخُبْزِ العَذْرَاءِ، البَلُّوطَ الخَرُّوبَ البُطْمَ. كانوا يضعونَ أَوْرَاقَ السَّرِّيسِ فِي المَاءِ لِيَزِيدَ مِنْ عُذُوبَةِ طَعْمِهَا. وَكَمْ أَكَلوا مِنَ الأَعْشَابِ التِّي لاَ يَعْرِفُهَا أَوْلاَدُنَا اليَوْمَ. كَانَ الطَّعَامُ بَسِيطاً يَجْمَعُهُمْ بِالمَحَبَّةِ. فَهَذِهِ الأَعْشَابْ َملِيئَةٌ بِالفَوَائِدِ الصِّحِيَّةِ لِجِسْمِ الإنْسَانِ.. كَانَ تَعَاوُنٌ بَيْنَ الجِيرَانِ وَنَقَاءٌ فِي النَوَايَا، وَطِيبَةٌ فِي القُلُوبِ، وَمُحَافَظَةٌ عَلَى الأَعرَاضِ وَالكَرَامَةِ. كَانَ احْتِراَمٌ وَمُرَاعَاةٌ لِمَشَاعِرِ الغَيْرِ، وَمُشَارَكَةٌ قَوِيَّةٌ بِالمَوَاقَفِ بِالأَفْرَاحِ والأَحْزَانِ. كَانَتْ وَسَائِلُ التَّنَقُّلِ عَلى عَرَبَةٍ يَجُّرُهَا الحِمَارُ أَوِ الحِصَانُ. كَانُوا يَجْمَعُونَ المِيَاهَ مِنْ أَمَاكِنَِ بَعِيدَةٍ لِلْإسْتِعْمَالِ البَيْتِيِّ مِنَ اليَنَابِيعِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَالوِدْيَانِ. والبِئْرِ المَمْلوئةِ مِنْ مَاءِ المطرِ. كَانَ فِي كُلِّ بَيْتٍ زَرِيبَةٍ لِلْحَيَوَانَاتِ، كَالأبْقَارِ وَالخِرْفَانِ وَالمَاعِزِ. لِيَأْخُذُوا مِنْهَا الحَلِيِبَ لِيَصْنَعُوا مِنْهُ اللَّبَنَ، اللَّبنَةَ، الجِبْنَةَ. ايْضا الأَرَانِب والطُيور، كالدَجَاجِ والبَطّ والوَزّ. كَانُوا يَزْرَعُونَ بِمَوَاسِمِ الزَّرْعِ يَجْمَعُوَنَهُ مُؤونَةً لِلْصَيْفِ. مَثَلَ العَدَسِ، الحُمُّصِ، القَمْحِ، الفُولِ، البُرْغُلِ، الفِرِيكَة، والبِلِيلَة لِيَصْنَعُوا مِنْهَا البُرْغُل لِلتَّبُولَةِ، وَالكُبَّةِ والمجَدَّرَةِ... كَانُوا يَجْمَعُونَ الحُبُوبَ اللاَزِمةَ لِلْحَيَوَانَاتِ. كَالشَّعِيرِ، وَالبَرْسِيمِ، وَيَحْصُدُونَهُ بِالمَنَاجِلِ. وليس كاليوم بالمَاكناتِ المُعَدّةِ لِذَلِكَ. كَانَتَ تَكْثُرُ الأيْدِي العَامِلَةُ. كَانَ تَعَاوُنٌ عَظِيمٌ فِي مَوْسِمِ قَطْفِ الزَيْتُونِ لِيَسْتَخرِجوا مِنْهُ الزَّيْتِ وَيَكبِسُونَهُ مَعَ الفلْفِلِ الحَارِّ بالمِلْحِ والليْمُونِ.
كَانَ حِينَها اعْتِنَاءً أَكْبَرَ بِتَرْبِيَةِ الأَوْلاَدِ.
تَعْمَلُ الأمَّ فِي البَيْتِ وَأولاَدُهَا تَحْتَ نْاظِرِيْهَا تُوَجِّهُهُمْ، تَرْعَاهُمْ هِي وَجدَّاتُهُم، الأعْمامُ، والأَخوالُ، الإِخْوةُ، والأخَواتُ.
حِينَ كَانَ الإبْنُ يَضِلُّ طَرِيقَ الصَّوَابَ. كَانَ إِيمَانهُ وَمَخَافَتَهُ مِنَ الله يُبْعِدُانِهِ عَنِ الضَّلاَلِ والتّمَادِي بِالخَطأِ.
كَانَ الأَهلُ مِنْ حَوْلِهُ يَرْدَعُونَهُ وَيَرُدُّونَهُ عَنْ عِنَادِهِ.
وكَانوا يَحْسِبُونَ لِلْوَالِدِ ألْفَ حِسَابٍ. كَانَ لِكَبِيرِ العَائِلَةِ الكَلِمَةُ الأَخِيرَةُ بَعَدَ المُدَاوَلَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِأَيِّ مَوْضُوعٍ لِمَصْلَحَةِ العَائِلَةِ. فَيَتَكَاتَفُونَ وَيَتَعَادَضُونَ وَيَعْمَلُونَ مَعًا بِيدٍ واحِدةٍ. فَهَيْبَةُ الوالدِ فِي البَيتِ كانتْ عَظِيمَةً تُجْبِرُهُمْ علَى الإِمْتِثَالِ. تَرُدُّهُمْ عَنْ التَّصَرُّفِ الخَاطِئِ والضَلاَل، إِحْتِرَاماً وتقديراً لِكَبِيرِ العَائِلَةِ. عَاشُوا الفُقْرَ، لَم يَتَذَمَّرُوا أبَدًا. فَالفَقْرُ يَجْمَعُنَا وَيَزِيدُ الرَّأفَةَ حتّى فِي القُلوبِ القَاسِيَةِ، بالمَحَبَّةِ والتَّضْحِيَاتْ والعَطَاءِ والإِلفةِ. لَيْسَ مِثْلَ اليِوْمِ هَذا فَنَحْنُ اليَوْم نَقْتَنِي لِأَوْلادِنَا كُلَّ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ ثِيَابٍ وأَحْذِيَةٍ والعَابٍ وَهَوَاتِفَ بَاهِظَةِ الثَمَنِ. فالكَثرُ مِنَ الدَلاَلِ يُفٍسِدُ قَوَاعِدَ التَرْبِيَةِ الصالحةِ، واخْلاَق مَنْ لا يُقَدِّرُ تَضْحِيَاتِ الأهل.
سَأَقُصُّ عَلَيْكُمَا قِصَّة عَلَّكُمَا تَسْتَفِيدَا مِنْهَا
إن ابْن الجِيرَان وَلِيد فَقِير الحًال لَمْ يَسْتَطِع الأهْل تَلْبِيَة طَلَبَاتِهِ كَبَاقِي أَبْنَاء جِيلِه. كَتَمَ فِي قَلْبِهِ خَوْفًا مِنْ إيلاَمِهِم لعَجْزِهِم عَنْ تَحْقِيق رَغَبَاتِهِ. شَعَرَ بِفَقْر أهْلَهَ فاعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِهِ عَمِلَ جُهْدِهِ ليعين أهْلِهِ ويُشبِع نَفْسه بِحَاجَاتِهِ التي يرغب بها مِثْل أصْدِقَائِهِ. فصَبَرَ وثابَرَ نَجَحَ وَحَقّقَ لِنَفْسِهِ كُلّ مًا اشْتَهَى وانْتَشَلَ أهْله مِنَ الضِيقِ والفَقْرِ.
وعِمَاد ابْن جِيرَانِنا الغَنيّ، الذِّي اعْتَادَ الدّلاَل وَمَلَكَ كُلَّمَا اشْتَهَى. تَغَاضَى وَتَقَاعسَ عَنْ دُرُوسِه وَوَاجِبَاتِهِ المَدْرَسِيّة. وَعَنْ عَمَلٍ يُثْبِت بِهِ وُجُودِه. قَالَ حِينَمَا نَبّهَهُ أَهْل الخَيْر، لِمَاذَا أُرْهِقُ نَفْسِي بِالسَّهَرِ والتَّعَبِ والدّروس، مَاذا أفْعل بالشِهَادَاتِ وَأَنَا أَمْلُك الكَثِير مِنَ الأَمْوَال؟ بَيْت اَرْض وعِقَارَات. وَكُلّ هَذَا سَيَكُون مُلْكِي أَنَا فِي المُسْتَقْبَل. لِذَا قَضَى وَقْته بِاللّهوِ واللّعب صَرْف الأَمْوَال دُون حِسَاب لِلْزَمَن. لَمْ يَعْلَم أَنّ لا شَيء يَدُوم بِالحَيَاةِ. لَمْ يَسْأَله الأهل مَاذَا يَفْعَل. لَمْ تُؤَنِّبه أمّه حين أخطاء. لَمْ يُرْشِده وَالده عَمَّا سَيَحْدُث لَهُ إنْ تَكَاسَلَ. أوْ أَهْمَل وَاجِبه نَحْوَ مَسْؤولِيَّتِهِ لِبِنَاء مُسُتَقْبَلٍ أَفْضَل، دونَ حَاجَتِة لأيٍّ كَان.. فَهُمْ يَعِيشُون بالنَّعِيمِ لاَ يَشْعُرُون بِهُمُوم المُحْتَاجِين وَضِيق حَالِهِم. فالمُسْتَقْبَل أَمَامَ وَلَدِهِم مَضْمُون. لَمْ يَعْلَمُوا مَاذَا يُخَبِّئ لَهُم الغَيْب. لَمْ يَحْسِبوا لِلزَمَن أَي حِسَاب.
حِين كَبِر عِمَاد لَعِبَ القِمَار. شَرِبَ الخَمْرَة. صَرَفَ عَلَى أصْحَابِهِ وعلى نَفْسِهِ أَمْوالاً طَائِلَةً، تَكَبُّرًا وَغُرُورًا وَاعْتِدَادًا. حَتَّى دَارَ الزَّمَان . وَلِيد أصْبَح بِتَدْبِيرِهِ وَقَنَاعَتِهِ وَطَرِيقِهِ السَّلِيم غَنِّيًا. وَعِمَاد أصْبَحَ صِفْر اليَدَيْنِ لِتَهَوّره وَعَدَم إدْرَاكِهِ بِغَدْرِ الأَيَّام.
لَيْتَ أَهْله حَذَّرُوه أَوْ أَنْذَروه وأعْلَمُوه عَنْ حَيَاة الفَقْر التِي عَاشَها أهْلنا مِن قَبْلَنا، وَكَيْفَ كَانَت القَنَاعَة لَهُمْ عُنْوَان. وَعَن أَهَمِّيَّة التَّدْبِير، حِرْصًا عَلَى الا تًتَدَهْوَر حَالَتِهِم. وَأَن يَحْتَرِموا قَوْلَ الحُكَمَاء أَنَّ القِرْشِ الأَبْيَضْ يَنْفَع فِي اليَوْم الأَسْوَد. وَأَنَّ الدُّنْيَا دَوَّارَة. لِيَتَعًلَّم كَيْفَ يُدِير أمُور حَيَاتِهِ وَيُكْمِلها بِأَمَانٍ وَرَاحَةٍ.
وابْن عَمَّكَ فَادي قَضَى حَيَاتَهُ بالدُروسِ والقِرأةِ. نَهَلَ مِنَ العِلْمِ مَا اسْتَطَاعَ. قَضَى أَوْقَاتًا طَوِيلَةً عَلَى الحَاسُوبِ يُنَقِّب في جُوجِل لِيَتَعَلَم عَنْ المُبْدِعِين والمُخْتَرِعِين وَكُلّ مَنْ حَفَرُوا بالصَّخْرِ وَمَا زَالَتْ أَسْمَاؤُهُم يَتَداوَلَهَا الجَمِيع وَيَتَمَنُّون أَنْ يَحْذوا حَذْوهُم وَيُقَوِّي خِبْرَته حَتَّى أَصْبَحَ مِنَ المُجْتَهِدِين الذِين كُتِبَت أَسْماؤهُم في مَوْسُوعَة جِينِيس.
لَكِنّ أخَاهُ وَلِيد قَضَاهَا يَلْعَب عَلى تِلْكَ الأَلْعَابِ العَنِيفَةِ التِي لَمْ يَسْتَفِد مِنْهَا إلاَّ أَنَّهُ تَعَلَّمَ العُنْف وَضَيَّعَ وَقْته سُدًا. وَقَدْ مَرّ الوَقْت دُونَما فَائِدَةٍ مِنْهُ إِلاَّ ضَيَاع عُمْرًهُ لِيَمُرَّ بَعْدَهَا مُرُورَ الكِرَامِ. لَمْ يًتْرُكَ أَيِّ شَيْءٍ يُخَلِّدَ ذكْرَاهُ كَأَخيهِ.
وَسَأُكْمِلُ لَكُمْ بَعْدَ هًذِهِ القِصَّةِ عَنْ تواضع أَهْلَنَا بِالأَمْسِ يا وَلَدِي أَنْتُمْ لاَ تَعْلَمون كَيْف كَانَ الحَال وَقَدْ كَانَ الوَالِدُ يَقُومُ بِتَصْلِيحِ الأحْذِيَةِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً عَلَى السِّدَّانِ. والأمُ تَقُومُ بِخِيَاطَةِ وَتَرْقِيعِ الثِّيَابِ البالِيِةِ دُونَ أنْ يَتَذَمَّرُوا أو يَنْبِسُّوا بِحَرْفٍ. كيف كَانَتِ الأُمُّ تَقُومُ بِخِيَاطَةِ محفَظَةٍ للكُتُبِ تَصْنَعُهُ مِنْ قِمَاشٍ قَدِيمٍ.
كَانَ الإخْوَةُ يَلْبَسُونَ مَنْ ثِيَابِ بَعْضِهِمْ البَعْض. كانتِ الأُمُّ تَغسِلُ الثيابَ بِيَدَيْها وَتغْليِها على موقِدِ الحَطَبِ. فَلِلْأمّ كَانَتْ وَظِيفَةٌ مُقَدّسَةٌ مُتْعِبَةٌ. حِينَها لَم تَكُنْ وَسَائِلُ الرَّاحَةِ المَوْجُودَةُ اليَوْمَ. لتُعَزِّزَهَا وتُدَلِّلَهَا وَتُرِيحَها مِنَ شَّقَاءِ عَاشَتْهُ حَبِيبَةُ الأمْسِ. لَمْ يَكُنْ يلْهِيهَا عَنْ أوْلاَدِهَا تِلْكَ الاَلاَتُ المُخْتَلِفَةُ مِثْلَ الحَاسُوبَ والهاتف وَغَيْرِها. الفِيس بُوك، التوِيتَر، الأنسْتِغْرَام، الفَايْبِر، الوَاتْسْ أَبْ، المِسِنْجِر وَسْنَابْ اتْشَاتْ والفيفا وَغَيْرَهَا... وَجَمِيعُ بَرَامِجِ التّوَاصَلِ الإجْتِماعِيّ الكَثِيرَةِ. لِهَذَا كَانَتِ الحَيَاةُ أجْمَلَ. فَالأَوْلاَدُ يَحْتَاجُونَ كُلِّ اهْتِمَامَاتِنَا وَأوْقَاتَنَا وَرِعَايَتَنَا والحَنَانَ. وَلَيْسَ تِلْكَ الاَلاَتُ التّي يُخْرِسُونَ بِها أوْلاَدَهُمْ لِيَلْهُونَهُمْ عَنِ التَذَمُّرِ، لِيَتَفَرَّغُوا هُم لِأَشْغَالِهِم وَرَاحَةِ بَالِهِم ومِنَ المَسْؤُولِيَّةِ الكَبِيرَةِ التَي تَحْتَاجُ جُلَّ أوْقَاتِهِم لِلْعِنَايَةِ بهِمْ. فَالأبْنَاءَ يَحْتَاجُونَ العَيْنَ السَاهِرَةَ الرَّقِيبَةَ. لِكَيْ لاَ يَتُوهُوا بِمَتَاهَاتٍ خَطرَةٍ ..
سَرَحَ عَادِلُ وَحَنَانُ اسْتَغْربَا لِهَذَا الفَرْقِ الكَبِيرِ مَا بَيْنَ اليَومِ والأَمْسِ.
قَالَتْ حَنَان: هَلْ كنْتِ يَا أُمِّي تُسَاعِدِينَ الأهلَ بِالزِّرَاعَةِ وبِكلِّ هَذِهِ الأَشْغَالِ الشَّاقَّةِ.
قَالَتِ الامُّ: لاَ يَا ابْنَتِي فَانَا قدْ وُلِدْتُ بِزَمَانِ التِقَنِيَّةِ. لَكِنْ حَدَّثَتْنِي أمّي وَجَدَّتِي عَنِ الأَمْسِ وَجَمَالِهِ. وكَيْفَ أعْتَنِي بِكُمَا وَأُرَاعِيكُمَا كَمَا يَجِبْ.
قالتْ حَنان: لَيْتَ جَمِيعَ الأُمَهَاتِ مِثْلَكِ يَا مَامَا.
اجَابَتِ الأم: يُوجَدُ الكَثِيرَات مِثْلِي يَعْتَنِينَ بِأَوْلاَدِهِنَّ وَمُسْتَقْبَلِهِمْ. وَيَقُمْنَ بِوَاجِبَاتِهِنَّ عَلَى أكْمَلِ وَجْهٍ، نَحْوَ الأهْلِ أيْضًا، والزَوْجِ، الأقَارِبِ، والجِيرَانِ. يَتَصَّرّفْنَ بِأمَانَةٍ وَإِخْلاَصٍ واحْتِرَامِ وَذَوْقٍٍ مَعَ الجَمِيعِ.. ويَبْنِينَ مُسْتَقْبَلَ أوْلاَدِهِنَّ بِنَجَاحٍ مِثْلِي وأَكْثَر. وَقَدْ نَجَدُ أيْضًا الأمَّهَاتِ الفَاضِلاَتِ المُثَقّفَاتِ اللوَاتِي يَقِفْنَ لأَوْلاَدِهِنَّ بِمَحَبَّةٍ يُقَوّونَهُمْ، يُثَقِّفُونَهُمْ، ويَدْعَمُونَهُم بِتَفَانٍ وَإخْلاَصٍ، مِنْ أَجْلِ تَقَدُمِهِم لِيَصِلُوا لِلْنَجَاحِ المَطْلُوبِ. وَقَدْ نَجِدُ الكَثِيرَاتِ مِنْهُنَّ أيضاً يَشْغَلْنَ أعْلَى المَنَاصِبِ بِجُهُودِهِنَّ وَثَقَافَتِهِنَّ وَثِقَتِهِنَّ بِأنْفُسِهِنَّ. كِفَاحِهِنَّ وَتَغْلُّبِهِنًّ عَلَى الصِعَابِ، واجْتِهَادِهِنَّ ومُثَابَرَتِهِنَّ عَلَى الشِيءِ حَتَّى يَصِلْنَهُ.
وَقَدْ نَجِدْ اخْتِلاَفًا فِي الطِّبَاعِ والظُرُوفِ. فَنَجِدُ اَنَّ بَعْضَ الأمَّهَاتِ مُهْمِلاَتٍ بحقِّ أوْلاَدِهِنًّ. أو اللَّوَاتِي لَمْ يُحَالِفْهُنَّ الحَظُّ بالْتَعْلِيمِ العَالِي لِيَتَقَدَّمْنَ بِالحَياةِ.
لَم يَلِجْنَ المَدَارِسَ وَلاَ الجَامِعَاتِ. فبَقِيَتْ مَعْرِفَتُهُنَّ بِالحَياةِ مَحْدُودَةً لاَ تَتَعَدَّى عَتَبَةَ البَيْتِ.
فالخُرُوجُ مِنَ البَيْتِ يَا أوْلاَدِي. يَقَوِّي شَخْصِيَتَنَا لِنَقْهَرَ الظُرُوفَ الصَّعبَةَ ونَتَخطّاهَا. لِنَبْلُغَ أهْدَافَنَا مَهْمَا كَانَتْ صَعْبَةً. فإنْ لَمْ تَجِدِ، المَرأةُ الظُرُوفَ المُنَاسِبَةَ لِتَتَقَدَّمَ. تَبْقَى فِي البَيْتِ مَكَانَها سِرّ. وَظِيفَتَها الوَحِيدَةِ خِدْمَةُ زَوْجِهَا وَأَوْلاَدِهَا... وَتَبْقَى تَجْهَلُ طُرُقَ التَرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ وَمُعَامَلَةَ أوْلاَدِ اليَوْمِ الذِينَ يَحْتَاجُونَ مُعَامَلَةً خَاصَةَ بِثَقافَةٍ عالِيَةٍ ووَعْيٍ أكْبَرٍ، وَإدرَاكٍ يَحَتَاجُ التَفَرُّغَ الكَامِلَ والمَجْهُودَ والدِّرَاسَةَ العَمِيقَةَ لِتَتَعَلَّمْ الأُمّ كَيْفَ تَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِمْ تَرْبِيَةً سَلِيمَةً.
وقَد نَجِدُ الكَثِيرِينَ مِنَ الأَوْلاَدِ يَمْلُكونَ بٍطَبيعَتِهِم القُدُرَاتِ وَالطُّمُوحُ والنَشَاطُ. فَتَجِدهُمْ يُحَارِبُونَ الجَهْلَ والفقرَ بِقُدُرَاتِهِمْ الجَّبَّارَةِ والعَمَلِ المُضْنِي. يَتَحَدُّوْنَ الصِعَابَ حتَّى لَوْ لَمْ يَجِدُوا الدَّعْمَ المَادّيَّ والمَعْنَوِيَّ الاَّ أنَّهُم يَصِلون بِجُهْدِهِمِ الشَخْصِيِّ. وَقَدْ يَضِيعُ البَعْضُ مِنْهُمْ لِضَعْفِهِمْ ثَمَنًا لِجَهْلِ الأَهَلِ وتَخَلِّيهِمْ عَنْهُمْ بالدَّعْمِ، لِيَتَحَدُّوا الصِعَابَ وَيَقْهُرُوا الجَهْلَ وضِيقَ الحَالِ.. وَفِي الأَغْلَبِيَّةِ كُلّ هَذا النَجَاحِ أوِ الفَشَلِ، لَيْسَ فَقَطْ بِدَعْمُ الأَهْلَ، إنَّمَا بِطَبْعُ بعضََ الأوْلاَدِ وَمُيُولَهُمْ وَأَمَالَهُمْ وَنَشَاطَهُمْ وَطُمُوحَهُمْ وَاعْتِمَادَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَضَمِيرِهِمْ الحَيِّ، الذِّي يَرُدُّهُمْ عَنِ الإسَاءَةِ للأَهْلِ، لِيَبْعِدُوا عَنْهُمُ الحُزْنَ وَخَيْبًةَ الأَمَلِ فِيهِمْ... فَيَا لَيْتَ جَمِيعُهُمْ يَمْلُكُونَ هَذِهِ الشَّخْصِيَّةَ يَا أوْلاَدِي.
قَالَ عَادل: لَقَدْ تَعَلَّمْنَا اليَوْمَ مِنْكِ الكَثِيرَ الكَثِيرَ. تَعَلَّمْنَا الإعْتِمَادَ عَلَى أنْفُسِنَا بِاجْتِهَادِنَا لِنَصِلَ إلَى النَجَاحِ الذِّي يَتَمَنَّاهُ لَنا الأَهلُ. وأَنَّ عَلَيْنَا أنْ نَتَّبِعَ كَلاَمَ الله وَنصَائِحَ الأَهْلَ وَمَخَافَةَ الرَبِّ والتّفْكِيرَِ مَلِيًّا بِكُلِّ خَطَوَاتِنَا. وَاهَمِّهَا أنْ نَحْتَرِمَ تَوْجِيهَاتِ الضَّمِيرِ. فَهُوَ الذِّي يَرُدَّنَا عَنِ الخَطَأِ والمَخَاطِرِ. والضَّمِيرُ هُوَ صَوْتُ الله الذِّي يُقَيِّمنَا وينبّهنَا لأخْطَائِنَا. عَلَيْنَا أيْضًا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ الغَيْرِ بِالكَلِمَةِ الحُلْوَةِ، عَلَيْنَا التَرَوِّي بِالحُكْمِ عَلَى الغَيْرِ لَئِلاَّ نَظْلُمَ أحَدًا. وَأَنْ نَتَعَامَلَ بِاللِّينِ مَعَ الأصْدِقَاءِ. والإبْتِعَادُ عَنْ الشَرِّ الذّي يُوَرِّطُنَا وَيُوَرِّطُ الأهلَ مَعَنَا. وَأَنْ نُسَاعِدَ المِسْكِينَ العَاجِزَ. وَنُعِينَ اليَتِيمَ وَنَرْحَمُهُ. نَحْتَرِمَ مَنْ هُم أَكْبَرُ مِنَّا سِنًا ونُسَانِدهُم.
قَالَتْ حَنان: لَيْتَ كُلّ الأمّهَاتِ مثْلَكِ يَا أمِي. تُرْشِدِينَنَا وتَعْتَنِينَ بِنَا لتُقَيِّمِي اعْوِجَاجَنَا. تَمْنَعِينَا مِنَ التَهَوُّرِ. أنْتِ وَحْدَكِ مَنْ يَدْعَمُنَا مَادِيًا وَمَعْنَوِيًّا. تَتَفرّغِينَ لَنا السَّاعَاتِ الطِّوَالَ مِنْ أجْلِ هِدَايَتِنَا. أدَامَكِ اللهُ وَادَامَ صِحَّتَكِ وَوَهَبَكِ الحَيَاةَ السَعِيدَةَ.
اقْتَرَبَا حَنانُ وَعَادِلُ مِنَ الاُمِ، ضَمَّاهَا بِحَنَانٍ وَوَعَدَاهَا بِالنَّجَاحِ. قَالاَ سَنَكُونُ عِنْدَ حُسْنِ سَنَتَعَاونُ معًا أنا وأخْتِي لِنُخْرِجْ كُلَّ مُفِيدٍ مِنْ جُوجِل.. سَنُخَفِّفُ اللّعِبَ عَلَى الحَاسُوبِ والهَاتِفِ النَقَّالِ. سَنُلَبِّي طَلَبَاتِكِ مَهْمَا كَانَتْ. فأنتِ اكثَرُ ألناسِ يَتَمَنَّى لنَا النَّجَاحَ. نَحْنُ مُتَأَكِّدَانِ أنَّ الأمَ بِطَبِيعَةِ الحَالِ مَهْمَا كَانَتْ ثَقَافَتُهَا، هَدَفُهَا الوَحِيدُ رَاحَةُ أوْلاَدِهَا وَنَجاحُهُمْ. لِهَذَا عَلَى الأبْنَاءِ الإِمْتِثَالُ لِأَوَامِرِ الأمّهَاتِ. فَأوَّلُ مَا أمَرَنَا بِهِ الرَبُّ، أَنِ اكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَكَ.
قالت الأُم بِمَحَبَّةٍ كَبيرَةٍ أتَمَنَى أنْ تَنْجَحَا لأَفتَخِرَ بِكُمَا أمَامَ
الجَمِيع. أحِبُكُما وسَأفْدِيكُمَا بِكُلِّ غَالِ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق