غزوة ذات الرقاع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 13-9-2019
تعدّ الغزوات الإسلامية التي شارك فيها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه، بوابة الفتح للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى الدعوة إلى الله بالوسائل الأخرى، والناظر في التاريخ الإسلامي يجد أنّ معظم الغزوات التي شارك فيها المسلمون بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو أحد قادة الجيوش الإسلامية من كبار الصحابة يدرك أنّ المسلمين إنّما أُلجئوا إليها إلجاءً، بعد أن استنفذوا جميع الوسائل للبعد عن القتال، تماماً كما حصل في معركة بدر، وأُحد، وغيرهما، ومع ذلك فإن الغلبة غالباً ما كانت تكون للمسلمين بفضل عقيدتهم الصلبة، وتأييد الله لهم، ومن بين الغزوات التي شارك فيها المسلمون غزوة ذات الرقاع؛ وهي تُمثّل استعادة المسلمين لحقوقهم، والانتقام للغدر الذي حصل بعد معركة الأحزاب
غزوة ذات الرقاع هي غزوة قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة للهجرة ضد بني ثعلبة وبني محارب من غطفان بعد أن بلغه انهم يعدون العدة لغزو المدينة فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين، وقيل في سبعمائة، واستخلف على المدينة أبو ذر الغفاري
اختلفت أقوال العلماء في توقيت حدوث غزوة ذات الرقاع، فمنهم من قال أنّها وقعت في السنة الرابعة للهجرة، بعد غزوة الخندق، ومنهم من قال بعد غزوة خيبر، ومن بين من قال بذلك البخاري رحمه الله، ومنهم من قال أنّها وقعت في السنة الخامسة للهجرة، وقال آخرون أنّها وقعت في السنة الرابعة للهجرة، بعد إجلاء بني النضير من المدينة المنورة
سبب التسمية
ــــــــــــــ ورد في سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بذلك عدّة أقوال، فبين قائلٍ أنّ السبب يعود إلى المنطقة التي جرت فيها المعركة، إلى قائلٍ بأنّ سبب ذلك يختلف تماماً عن اسم المكان، إنّما كان لأمرٍ آخر، وفيما يأتي بيان سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم مع بيان وقت حدوث تلك الغزوة من أقوال العلماء.
يوجد العديد من الأقوال في تسمية غزوة ذات الرقاع بذلك، ومن بين تلك الأقوال:
يرى بعض العلماء أنّ سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم أنّ الصحابة رضي الله عنهم، وفي أثناء مسيرهم لتلك الغزوة جُرحت أقدامهم من المسير، والحجارة، والأشواك التي قابلتهم في رحلتهم، فرقوعها بالخرق، ولفّوها بها حتى يتوقف تدفّق الدماء منها، وحتى يصلوا إلى وجهتهم، لذلك سميت الغزوة بذات الرقاع.
يرى فريق آخر من العلماء أنّ سبب تسمية غزوة ذات الرقاع يعود إلى المنطقة التي جرت فيها الغزوة، حيث جرت الغزوة في منطقة تسمّى ذات الرقاع؛ نسبةً إلى ما فيها من الجبال المختلطة ألوانها بين السواد والحُمرة والبياض، وتلك الألوان تنتشر في جبال تلك المنطقة على شكل بقع، لذلك أخذت الغزوة اسم المنطقة لهذا السبب
قال ابن هشام : وإنما قيل لها : غزوة ذات الرقاع، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع : شجرة بذلك الموضع يقال لها : ذات الرقاع.
وفي حديث أبي موسى: إنما سميت بذلك لما كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق من شدة الحر
الصعوبات
ــــــــــ دخل رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بجيشه من المدينة ، واتضحت منذ البداية الصعوبات التي تنتظرهم ، فهناك نقصٌ شديد في عدد الرواحل ، حتى إن الستّة والسبعة من الرجال كانوا يتوالون على ركوب البعير.
ومما زاد الأمر سوءاً وعورة الأرض وكثرة أحجارها الحادّة ، التي أثّرت على أقدامهم حتى تمزّقت خفافهم ، وسقطت أظفارهم ، فقاموا بلفّ الخِرَق والجلود على الأرجل ؛ ومن هنا جاءت تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم ، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : «"وكنا نلفّ على أرجلنا الخِرَق ، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع "». ] قال ابن هشام : «"وإنما قيل لها : غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع : شجرة بذلك الموضع يقال لها : ذات الرقاع "»
الأحداث
سار النبي محمد صلى الله عليه وسلم متوغلاً في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نَخْل، ولقي جمعاً من غطفان، إلا أنه صلّى بالصحابة صلاة الخوف لأول مرة في الإسلام، فعن جابر قال: «"خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نَخْلٍ، فلقي جمعاً من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضاً، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف"» رواه البخاري.
لمّا وصل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ومن معه إلى مشارف موضع غطفان سمعت تلك القبائل بهم، فدبّ الرّعب في قلوبهم، وأصابهم الخوف والفزع، وتيقّنوا أنّ الأمر جلل، وأنّ ما عزموا عليه أصبح الآن حقيقةً لا فكرة، فهرب رجالهم إلى رؤوس الجبال، وتركوا خلفهم النساء، والأبناء، والذرية، والأموال، وفي تلك الأثناء أدركت الصلاة المسلمين، فهمّوا بأدائها؛ وكان ممّا يخشاه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حينها أن يعود الرجال إلى جيش المسلمين، فينقضوا عليهم على حين غفلةٍ وهم يؤدّون صلاتهم، فنزلت آية صلاة الخوف التي تشرح للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- الكيفية التي يؤدي بها الصلاة، مع حفظ الأمن للجيش، وعدم المخاطرة به، قال الله تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا).
انتهت الصلاة ولم يحصل ما كان يخشاه النبي صلّى الله عليه وسلّم،
فلما علمت قبائل غطفان بقدوم المسلمين هربت، فلم يقع قتال، وعاد المسلمون منتصرين. وفي طريق العودة اشتد الحر عليهم، وجاء وقت القيلولة فنزلوا في وادْ كثير الأشجار، وتفرق المسلمون يستظلون فيه. وقد نام الرسول تحت شجرة وعلق سيفه بها، فإذا بأعرابي كافر يأتي فيأخذ السيف، فشعر به الرسول، واستيقظ من نومه، فقال الأعرابي: «"من يمنعك مني؟ فقال رسول الله: "الله". وإذا بالأعرابي يرتعد ويسقط السيف من يده، فأخذه النبي ثم عفا عن الأعرابي وتركه"» [متفق عليه]. وقد نزلت في هذه الحادثة الآية الحادية عشرة من سورة المائدة : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، حيث روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلاً من محارب يقال له: غَوْرَث بن الحارث قال لقومه من بني غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمداً؟ قالوا: نعم، وكيف تقتله؟ قال: أَفتِك به. فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حِجره، فقال: يا محمد، انظر إلى سيفك هذا. قال: نعم. (فأخذه) فاستله، ثم جعل يهزّه ويهمّ به فيكبته الله عز وجل، ثم قال: يا محمد، ألا تخافني؟! قال: لا. قال: ألا تخافني وفي يدي السيف؟! قال: يمنعني الله منك. ثم أغمد السيف وردّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله هذه الاية.
عزم على العودة إلى دياره بعد أن رأى أنّ المقصود من الغزوة قد تحقّق بتأديب غطفان، وإدخال الرّعب في قلوبهم، وفي أثناء عودته وقبل أن يغادر تلك البقعة حلّ عليهم الليل، فخيّم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع جيشه في منطقةٍ قريبةٍ، ووضع حراسةً على المعسكر، وبعد أن أشرقت الشمس واصل الجيش مسيره باتجاه المدينة، وبعد تلك الحادثة لم تجرؤ غطفان أو غيرها من الأعراب على التّعرض لأهل المدينة أو المسلمين بسوءٍ، بل علموا عظيم قدر النبي وأصحابه، كيف وصلوا إليهم، وأحاطوا بأبنائهم وذرياتهم، ولكنّهم لم يمسّوهم بسوء
وكان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب ، فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها، بل استكانت حتى استسلمت، وأسلمت، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين، وساد الأمن والسلام ربوع المنطقة، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ، لتبليغ الإسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 13-9-2019
تعدّ الغزوات الإسلامية التي شارك فيها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه، بوابة الفتح للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى الدعوة إلى الله بالوسائل الأخرى، والناظر في التاريخ الإسلامي يجد أنّ معظم الغزوات التي شارك فيها المسلمون بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو أحد قادة الجيوش الإسلامية من كبار الصحابة يدرك أنّ المسلمين إنّما أُلجئوا إليها إلجاءً، بعد أن استنفذوا جميع الوسائل للبعد عن القتال، تماماً كما حصل في معركة بدر، وأُحد، وغيرهما، ومع ذلك فإن الغلبة غالباً ما كانت تكون للمسلمين بفضل عقيدتهم الصلبة، وتأييد الله لهم، ومن بين الغزوات التي شارك فيها المسلمون غزوة ذات الرقاع؛ وهي تُمثّل استعادة المسلمين لحقوقهم، والانتقام للغدر الذي حصل بعد معركة الأحزاب
غزوة ذات الرقاع هي غزوة قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة للهجرة ضد بني ثعلبة وبني محارب من غطفان بعد أن بلغه انهم يعدون العدة لغزو المدينة فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين، وقيل في سبعمائة، واستخلف على المدينة أبو ذر الغفاري
اختلفت أقوال العلماء في توقيت حدوث غزوة ذات الرقاع، فمنهم من قال أنّها وقعت في السنة الرابعة للهجرة، بعد غزوة الخندق، ومنهم من قال بعد غزوة خيبر، ومن بين من قال بذلك البخاري رحمه الله، ومنهم من قال أنّها وقعت في السنة الخامسة للهجرة، وقال آخرون أنّها وقعت في السنة الرابعة للهجرة، بعد إجلاء بني النضير من المدينة المنورة
سبب التسمية
ــــــــــــــ ورد في سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بذلك عدّة أقوال، فبين قائلٍ أنّ السبب يعود إلى المنطقة التي جرت فيها المعركة، إلى قائلٍ بأنّ سبب ذلك يختلف تماماً عن اسم المكان، إنّما كان لأمرٍ آخر، وفيما يأتي بيان سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم مع بيان وقت حدوث تلك الغزوة من أقوال العلماء.
يوجد العديد من الأقوال في تسمية غزوة ذات الرقاع بذلك، ومن بين تلك الأقوال:
يرى بعض العلماء أنّ سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم أنّ الصحابة رضي الله عنهم، وفي أثناء مسيرهم لتلك الغزوة جُرحت أقدامهم من المسير، والحجارة، والأشواك التي قابلتهم في رحلتهم، فرقوعها بالخرق، ولفّوها بها حتى يتوقف تدفّق الدماء منها، وحتى يصلوا إلى وجهتهم، لذلك سميت الغزوة بذات الرقاع.
يرى فريق آخر من العلماء أنّ سبب تسمية غزوة ذات الرقاع يعود إلى المنطقة التي جرت فيها الغزوة، حيث جرت الغزوة في منطقة تسمّى ذات الرقاع؛ نسبةً إلى ما فيها من الجبال المختلطة ألوانها بين السواد والحُمرة والبياض، وتلك الألوان تنتشر في جبال تلك المنطقة على شكل بقع، لذلك أخذت الغزوة اسم المنطقة لهذا السبب
قال ابن هشام : وإنما قيل لها : غزوة ذات الرقاع، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع : شجرة بذلك الموضع يقال لها : ذات الرقاع.
وفي حديث أبي موسى: إنما سميت بذلك لما كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق من شدة الحر
الصعوبات
ــــــــــ دخل رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بجيشه من المدينة ، واتضحت منذ البداية الصعوبات التي تنتظرهم ، فهناك نقصٌ شديد في عدد الرواحل ، حتى إن الستّة والسبعة من الرجال كانوا يتوالون على ركوب البعير.
ومما زاد الأمر سوءاً وعورة الأرض وكثرة أحجارها الحادّة ، التي أثّرت على أقدامهم حتى تمزّقت خفافهم ، وسقطت أظفارهم ، فقاموا بلفّ الخِرَق والجلود على الأرجل ؛ ومن هنا جاءت تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم ، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : «"وكنا نلفّ على أرجلنا الخِرَق ، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع "». ] قال ابن هشام : «"وإنما قيل لها : غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع : شجرة بذلك الموضع يقال لها : ذات الرقاع "»
الأحداث
سار النبي محمد صلى الله عليه وسلم متوغلاً في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نَخْل، ولقي جمعاً من غطفان، إلا أنه صلّى بالصحابة صلاة الخوف لأول مرة في الإسلام، فعن جابر قال: «"خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نَخْلٍ، فلقي جمعاً من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضاً، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف"» رواه البخاري.
لمّا وصل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ومن معه إلى مشارف موضع غطفان سمعت تلك القبائل بهم، فدبّ الرّعب في قلوبهم، وأصابهم الخوف والفزع، وتيقّنوا أنّ الأمر جلل، وأنّ ما عزموا عليه أصبح الآن حقيقةً لا فكرة، فهرب رجالهم إلى رؤوس الجبال، وتركوا خلفهم النساء، والأبناء، والذرية، والأموال، وفي تلك الأثناء أدركت الصلاة المسلمين، فهمّوا بأدائها؛ وكان ممّا يخشاه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حينها أن يعود الرجال إلى جيش المسلمين، فينقضوا عليهم على حين غفلةٍ وهم يؤدّون صلاتهم، فنزلت آية صلاة الخوف التي تشرح للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- الكيفية التي يؤدي بها الصلاة، مع حفظ الأمن للجيش، وعدم المخاطرة به، قال الله تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا).
انتهت الصلاة ولم يحصل ما كان يخشاه النبي صلّى الله عليه وسلّم،
فلما علمت قبائل غطفان بقدوم المسلمين هربت، فلم يقع قتال، وعاد المسلمون منتصرين. وفي طريق العودة اشتد الحر عليهم، وجاء وقت القيلولة فنزلوا في وادْ كثير الأشجار، وتفرق المسلمون يستظلون فيه. وقد نام الرسول تحت شجرة وعلق سيفه بها، فإذا بأعرابي كافر يأتي فيأخذ السيف، فشعر به الرسول، واستيقظ من نومه، فقال الأعرابي: «"من يمنعك مني؟ فقال رسول الله: "الله". وإذا بالأعرابي يرتعد ويسقط السيف من يده، فأخذه النبي ثم عفا عن الأعرابي وتركه"» [متفق عليه]. وقد نزلت في هذه الحادثة الآية الحادية عشرة من سورة المائدة : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، حيث روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلاً من محارب يقال له: غَوْرَث بن الحارث قال لقومه من بني غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمداً؟ قالوا: نعم، وكيف تقتله؟ قال: أَفتِك به. فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حِجره، فقال: يا محمد، انظر إلى سيفك هذا. قال: نعم. (فأخذه) فاستله، ثم جعل يهزّه ويهمّ به فيكبته الله عز وجل، ثم قال: يا محمد، ألا تخافني؟! قال: لا. قال: ألا تخافني وفي يدي السيف؟! قال: يمنعني الله منك. ثم أغمد السيف وردّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله هذه الاية.
عزم على العودة إلى دياره بعد أن رأى أنّ المقصود من الغزوة قد تحقّق بتأديب غطفان، وإدخال الرّعب في قلوبهم، وفي أثناء عودته وقبل أن يغادر تلك البقعة حلّ عليهم الليل، فخيّم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع جيشه في منطقةٍ قريبةٍ، ووضع حراسةً على المعسكر، وبعد أن أشرقت الشمس واصل الجيش مسيره باتجاه المدينة، وبعد تلك الحادثة لم تجرؤ غطفان أو غيرها من الأعراب على التّعرض لأهل المدينة أو المسلمين بسوءٍ، بل علموا عظيم قدر النبي وأصحابه، كيف وصلوا إليهم، وأحاطوا بأبنائهم وذرياتهم، ولكنّهم لم يمسّوهم بسوء
وكان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب ، فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها، بل استكانت حتى استسلمت، وأسلمت، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين، وساد الأمن والسلام ربوع المنطقة، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ، لتبليغ الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق