الخميس، 11 يوليو 2019

أمل الياسري.. تكتب... علياء ورقصة الأسماء

علياء ورقصة الأسماء
ما زالَتِ الكلماتُ تترددُ في أُذني، وهيَ تقولُ: (أنا لا أحملُ في داخليّ أكثرَ من أسفٍ عميقٍ، وقد أرهقتْني الدروبُ التي كانَ بعضُها مأهولاً بالخيبةِ، والبناتُ الخمسُ يمرْنَ أماميّ، كما لو أنَّ نزيفاً هادئاً يسري في جسديّ: (آية، أمنية، بنين، ولاء، رقية على ما أعتقدُ) فأجيبُها علياء: لا ترهقي نفسَكِ بكثرةِ التفكيرِ، المهمُ أنْ تزدادي ثقةَ وإيماناً بقضاءِ اللهِ وقدرهِ وقولي: الحمدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
غبْتُ عنها شهراً كاملاً لم ألتقِ بها، وصادفَ أنْ ذهبَتُ الى صالونِها التجميلي فلم أجدْها، واكتشفْتُ أنَّ طريقَ علياءَ كمَنْ يسيرُ في دائرةٍ، وبرفقةِ أشخاصٍ لا يقدّرونَ وجودَها، والسببُ أنَّ بناتِها الخمسَ ما زلنَ صغيراتٍ، ووالدتُها امرأةٌ هرمةٌ تعاني الزهايمرَ، والزوجُ راقدٌ في مقبرةِ السلامِ منذُ سنواتٍ مضَتْ ولأسبابِ مجهولةٍ، والوالدُ الذي رحلَ فجأةً بعدَما سمعَ بمرضِ إبنتِهِ.
عدْتُ الى البيتِ وأنا قلقةٌ على صحةِ علياءَ، فهيَ رغمَ تعاطيها العلاجَ الكيماويَّ كانَتْ تضعُ قناعاً، وتأتي لتلتقيَ صديقاتِ العمرِ، لكنَّ مشاعرَ حارقةً ظلَّتْ محبوسةً بداخلها، والمرضُ يأخذُ من جمالِها بإعوجاجٍ مستقيمٍ، وكنْتُ أقولُ لها: هذا الصبرُ سيثمرُ في زمنٍ من الأزمانِ تماسكي، وكوني صابرةً محتسبةً عندَ اللهِ.
ذهبْتُ لرؤيتِها في المستشفى، وبذورُ السعادةِ بدأَتْ تموتُ بداخلِها شيئاً فشيئاً، وأمسَتْ توصي ببناتِها الخمسِ، وكأنَّهنَّ رقصةُ للأسماء فتطربني ومرَّتْ على وجنتيَّ أسوءَ عاصفةٍ من الدموعِ، لأنَّها وصفةُ مخلوطةٌ بينَ حقدي على زوجِها الثاني، الذي لم يحركْ ساكناً لترطيبِ خاطرِها بكلمةِ إيمانٍ واحدةٍ، ولا بحضورٍ يفي بالمطلوبِ ويهدأُ النفوسَ عندَ جلساتِها الكيماويةِ، وبينَ كلماتِها التي قالتَها قبلَ أيامٍ من رحيلِها، رغمَ أنَّها لم تتعودِ الكلامَ عن زوجِها الشابِ الجديدِ، لكنَّها قالَتْ لي: سنواتٌ وأنا أعملُ على تجميلِ الوجوهِ، وقدْ صارَ الاعتناءُ بوجهي يتبعُني كثيراً، فكانَ اللهُ في عونِ زوجيّ الذي يرتدي أقنعةً كثيرةً طوالَ اليومِ، ودعتْني وقالَتْ: (أحمقٌ مَنْ يظنُ أنَّ الدنيا تلتقطهُ بالأحضانِ، ولكنْ مَنْ سيلتقطُ بناتي؟)
اليوم علياء في ذمة الله...
أمل الياسري/ العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...