الأحد، 2 سبتمبر 2018

_الـــرُّوح الوفيَّـــــــة ........: القريب البعيد


_الـــرُّوح الوفيَّـــــــة :
القريب البعيد
_لؤي كان شابًّا نقِيَّ السريرةِ وقمَّةً في الأخلاق الحميدة إضطرَّته لقمةُ العيشِ إلى كثرة الترحال بين قرى ومدن البلاد سعياً وراء كسبٍ حلالٍ يبني عليه مستقبلاً يرجوه سعيداً قريبَ المنال.
ذات يومٍ إنتقل إلى قرية نائيَّةٍ بعيدةٍ كلَّ البعد عن المدينة هذه المرَّة،حتى أنّـه كان يُضطرُّ للمشي على قدميه من مسكنه الجديد إلى مقر عمله في الظلام ،كان طريقه محفوفاً بأشجار الزيتونِ المتعانقةِ الأغصانِ فوق الدَّرب على طول المسارِ.
توالَت الأيَّام واعتاد لؤي على بيته ووضعه الجديد لكن مالم يستطع أن يألفه أو يفسره باديء الأمر هو ذلك الشعور الغريب عند الإقتراب من مكان محدَّد،إذ كانت كل شعرةٍ على بدنه تنتصب وكأنَّه يدخل مجالاً مغناطيسيًّا ما ترافقه قشعريرة مع إحساس غريب يجتاحه فجأةً ودونَ سابقِ إنذارٍ،كلُّ ذلك عند بلوغِ شجرةٍ معيَّنةٍ على دربه،لكن سرعان ماتبدّد إستغرابه عندما تطوَّر الوضع ذات يوم ليلمح عند نفس المكان إمرأةً تقف مرتديةً البياض بشعرٍ أسودٍ مُسدَلٍ إلى الرُكَب،ذُهِلَ لؤي وتخشَّبت رُكبتاه،وبدت لحظة مروره أول مرة أمامها دهراً بأسره،مرَّت الأيَّام وتكرَّر المشهد مع فجر كل يومٍ جديد،وظلَّ ذلك سِرًّا يؤرٍّق الفتى كلَّ ليلةٍ مع كَمٍّ هائلٍ من التساؤلات التي لاتعد ولاتحصى،عن ماهية تلك المرأة أهي بشرٌ أم جَان،وعن سبب ترصُّدها له هو بالتحديد،
دام الوضع على هذه حال فترة من الزَّمن ولؤيٍّ يعتقد بأمرين أوَّلهما أنه الوحيد الذي يعرف بأمر هذه المرأة الشَّبح التي تظهر من العدم وتختفي بلمح البصر،والثاني هو إيمانه الراسخ بأنَّ هناك سبباً مقنعاً يستحقُّ أن يقِفَ من أجله إنسِيٌّ أو جنيٍّ في هذا الزَّمانِ والمكان تحديداً دونما سواه.
مضت الأيَّام وعقد بطَلُنا صداقاتٍ مع جيرانه الجُدُد وبعض أهالي القرية الطيِّبين ليصبح واحداً منهم،وذات يوم دُعِي إلى مأدبةِ عشاءٍ أُقيمَت على شرفه لدى أحد الأصدقاء وبعد أحاديثٍ وحواراتٍ عن أحوال وانشغالات الحياة والعمل سأله المضيف الطيب:أظنَّ أنك قد سمعت بقصَّة الرُّوح الوفيَّة؟.
_لؤي:في الحقيقة لا،ليسأل وهو لم يعرف بعد بأنَّ الرُّوح المقصودة هي المرأة التي تنتظر مروره كلَّ فجر.
_لؤي:ماقصة هذه الرُّوح؟،أخبرني.
_المُضِيف:إنها قصة حقيقية جرت أحداثها هنا،واشتهرت بها قريتنا منذ زمن بعيد،أستغرب أنك لم تسمع بها،ألم ترى يوماً إمرأة تلبسُ ثوباً أبيضاً في دربك إلى العمل صباحا؟!.
_لؤي:آه،في إستغراب،تقصد تلك المرأة؟،ماقصتها؟؛أهي مريضة؟.
_المُضِيف:هههه.
في الحقيقة المرأة ميتة منذ زمنٍ بعيدٍ جدًّا .
_لؤي:ياإلهي!,(هذا يفسر إنتصاب شعيرات جسدي والإحساس بالبرودة المفاجئة,يقول في نفسه).
_المُضيف:هي فتاة وفيَّة من أهالي القرية تزوجت بشابٍّ كانت تحبُّه جدًّا،لكن صبيحة عرسهما بدأت تعبئة رجال الإحتياط من الجيش لأن البلد دخلت في حالة حرب حينها إن كنت تذكر طبعاً،وكان حُبُّ حياتِها من بين من تم إستدعاؤهم للتعبئة،وهكذا لم يدم زواجها سوى ليلةٍ واحدةٍ،كان الأمر يقضي بالخدمة لمدة سنةٍ واحدةٍ على التخوم التي تم الإعتداء عليها،وبعد صبرٍ طويلٍ على شوقِ وحنينِ سنةٍ كاملةٍ ويومَ عودة الحُبِّ المسروق،إستيقظت قبل الفجر وقصدت الشَّجرة التي رأيتها عندها بالثوب الأبيض ذاته وانتظرت عودته،هو لم يعد أبداً ذلك اليوم،حتَّى أنَّه لم يعُد للأبد لأنَّه فقد حياته في كمين بآخر ليلة له على الحدود،لكنها ظلت كل فجر تعود لإنتظاره تحت نفس الشَّجرة وبنفس الثوب ،وفي نفس التوقيت إلى أن فقدت عقلها هناك وظلَّت رغم ذلك مُرابِطةً تحتها لمايزيد عن ثلاث سنواتٍ،وإذا أخذوها تهرب لتعود من جديدٍ إلى أن أسلمت رُوحَها إلى بارئِها،وروحها المعذَّبة مازالت ترقُب عودةَ الحبيبِ المفقود إلى اليوم.
_لؤي:قصَّةٌ محزنةٌ فعلاً،ماأوفاها من روح مازالت تنتظر حتى بعد رحيلها من هذا العالم.
القريـــــب البعيـــــد
٠٢/٠٩/٢٠١٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...