السبت، 26 أكتوبر 2019

بركات الساير العنزي... يكتب... أنوار وأشراف

الكاتب القاص :
بركات الساير العنزي
أبو مروان العنزي
المموعة  القصصية الاولى
الحلم ط.دار نوفا بلاس..الكويت
حوارات وأفكار
الحلم 3 - أنوار  وأشرف
.... بدأ خوفي يتصاعد على أشرف ، أيقنت أن صاحبي وقع في الحب بعد هذا العمر ، وأن ماكان يخفيه ما هو إلا رماد تحت الجمر .... قلمي غدا متشوقا لقصته ، وراح ينصت باهتمام لكل كلمة يبوح بها صدر أشرف .
....كعادتي حاولت الحضور مبكرا إلى المكان ، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فقد ضربت معي العجلة الأمامية للسيارة على الدائري الرابع وسترني الله ، وتأخرت حتى إصلاحها .. وقد استفسرت أنوار عن تأخري فأعلمتها بما حدث .
عندما وصلت استقبلتني بابتسامة عريضة ، بدت من خلالها أسنانها اللؤلؤية ، وتوردت وجنتاها وبادرتني بالكلام :
 عيناك تريد الحديث فقل ما تشاء .
-قلت : ليس بسر أخفيه ، شعور بخافقي يتلجلج ، أردت أن أكبح جماحه ، ولكنه فوق طاقتي ،لو زدت من معارضته ، لقتلني أو اعتقلني .. وكلما التقيتك زاد من ثورته ... ظننته خداعا، أفاقا .. ولكني وجدته صادقا ، أبيض كبياض الثلج ... قالوا لي : إياك أن تقع في المحظور .... ووجدت نفسي مثل الفراشة تتبع النار لتحترق بلظاها ...
- لقد قلت الكثير وعبرت بمرارة , ولكن لا تستعجل فمن الجميل التمهل ،       
 كن صديقا ، أو أخا ، كن مثل النخلة بعيدة عن الحقد ، تضربها بالطوب فتعطيك أطيب الثمار ... أسمع كلماتك المتوهجة فتنبض بعروقي ... قلت لك أنا بحاجة لدواء ودوائي يكمن بالكلمة العذبة ،ألا يكفيك إذا قلت لك ( أحبك ) .. دعك من هذا وكلمني عن حياتك .
- قلت ولكني بشوق لمعرفة بقية الحديث عن الأم العظيمة ، وما جرى بعد موتها .
- قالت : اليوم دورك ، أريد أن تحدثني عن نفسك .لابد من تطابق بيني وبينك ، هكذا أشعر ولم يخب حدسي يوما ما ، لكني أحيانا أخالف حدسي وأقول هذه خرافة
-حسنا ، هل أبدا من النهاية أم من البداية ؟ ولكن هذا لايهم ، لأن النتيجة واحدة . ارتبطت بأمي ارتباطا وثيقا ، كانت روحي في الحياة ولا زالت ، حفظها الله وأبقاها
.. فتحت عيني على الدنيا وأنا أكره أبي ، بل أمقته ، كم كنت أتمنى لو كنت كبيرا فأوقفه عند حده !،جرح طفولتي ، ونما الجرح مع الكبر ، كان يضرب أمي بسبب وبلا سبب ، يريد إثبات رجولته أمام المرأة ، ولم يحترم مشاعرنا..ولم يقدر حب الطفل لأمه .. ازداد تعلقي بأمي كلما ازدادت شراسة أبي، وتعلقت أمي بنا.
تحملت الإهانة من أجل ولدين وابنة واحدة... لم يكتف بذلك فطلقها وعمري عشر سنوات وتركنا دون معيل ، وتزوج امرأة ثانية أصبح عبدا لها ، لم تكن أجمل من أمي ولا أفضل منها ...
راحت أمي تعمل بالحقول فلاحة لتقدم المساعدة لنا، وكان عندها بقرة واحدة تطعمنا من حليبها ، وتبيع الباقي .. أصرت أن نكمل دراستنا ، طلبت منها أن أترك المدرسة وأعمل في الحقول لأساعدها ولكنها لم توافق، وصممت على إكمال دراستي ..ورفضت الزواج وقد تقدم لها الكثير من الرجال ، وكانت على جانب كبير من الجمال ، وصاحبة أخلاق عالية ، ولكنها أبت إلا خدمة أولادها
 .. لم أر أمي يوما تقف أمام المرآة لتزين نفسها ، لم ترتد الثياب الجميلة ... فهمت ذلك بعد أن كبرت ..لا تريد أن ينظر إليها الرجال ومن في نفسه طمع .. طاهرة طهارة الملائكة. وتكبر في عيني كل امرأة تعتز بشرفها وطهارتها ...
بعد نجاحي في المدرسة الإعدادية انتقلت إلى مدينة المياذين ،استأجرت غرفة صغيرة .. حيث التحق أخوتي بعدي للدراسة في المدينة ... كانت أمنا أقوى من الرجال ، تقدم لنا بسخاء وعطاء دون كلل أو ملل ، لم تشتك يوما ولم تذرف دمعة ، والبسمة دائما بادية على محياها، تعتز بنا وتقول : هؤلاء كنزي من الدنيا لا أريد شيئا آخر في الحياة .. درست الثانوية ..ونجحت فيها بتفوق .ثم التحقت بمعهد المعلمين ، وبعد عامين أصبحت معلما في مدينة الميادين ،لم تستطع أمي أن تخفي فرحها وسعادتها بعد تخرجي وتعييني ، ولأول مرة رأيت أمي بثياب جميلة ،رأيت أمي وهي تهتم بمظهرها فبدت في أحلى هيئة ، وقلت لها مازحا : يا أم أشرف رجعت عشر سنوات إلى الوراء ، أنت في عز الشباب . سيتقدم إليك العرسان !! . ابتسمت ابتسامة عريضة ونظرت إلي ، ووضعت يدها في يدي ، ومشت بي داخل الغرفة وقالت : جاء الزمن الذي أفرح به، أنتم الأمل الذي ينير حياتي .من خلالكم أرى سعادتي . تركت الدنيا من أجلكم . ألا يحق لي الآن أن أفرح بكم ؟!                   
 اسمع يا أشرف أريد أن أفرح بك فرحتين ، هل توافقني؟
-قلت وهل أرفض طلبا لأمي ؟!- أريد أن أزوجك وأحتفل بنجاحك .. أريد أن أقيم حفلا كبيرا .. أدعو إليه القاصي والداني ، الصديق والعدو .. ليرى العالم ثمرة أم أشرف وليعرف الناس قدركم يا بني !
أردت أن أعارض أمي في الزواج ، لأني كنت مشتت الأفكار من ناحية الزواج ،  إذ أبعدت الفكرة عن دماغي ، ولم أفكر بامرأة أثناء دراستي . وإن كنت أختلس النظرات إلى ريما ابنة جيراننا .. كلما رأيتها تمر في الشارع ،بل أجعل وقت خروجي إلى المدرسة مع توقيت خروجها ، لأنعم بنظرة أو ابتسامة جميلة ، لم تكن تبخل علي بهما .. شعرت أنها قريبة من قلبي ، ولكن آه لقلب حرمته من الإحساس والعواطف . أحسست أنها تنتظر كلمة مني ، أو إشارة صغيرة ، ولكن عيني ترتد إلى الأرض إذا ما فاجأتني بنظرة ساحرة . لم أتجرأ بكلمة معها ، بادرتني مرة بالسلام ، فارتبكت وشعرت بالدماء تنزف من عروقي ، وتلعثمت في الرد ، واصطكت قدماي، ابتسمت لي ، ومضت ، ولا أعرف إن كانت سمعت رد سلامي الخافت . وكل يوم أنعم منها بسلام يثلج الصدر ويفتح النفس .. أصبح سلامها زادا لروحي .. وفهمت يومها ،أني بحاجة إلى نصف يكملني !!!
رحلت ريم وتزوجت بسرعة ، يومها بكيت بصمت ، وشعرت بالحزن وحدي ..كنت عاجزا في مواجهة نفسي . وعرفت بعدها أن الحب يرحل عندما تموت الكلمة ، وأن النحلة ترحل إذ لم تجد في الزهور رحيقا.
سلبت نظراتي ، وسلبت قلبي ، وأخذت أول حب في حياتي .
هل تلوميني في ذلك يا أنوار ؟
-لا كنت في موقف صعب ، وظروفك لا تسمح لك ، وأن تقدم لأمك ثمرة جهدها ، والحب غريب عليك في هذا الطور .
- سميت أول ابنة لي ريما ، كم هي جميلة !، أحس بجمال الدنيا .. عندما تكون إلى
جانبي .. لا أحد يعرف السبب في اختيار الاسم، ولكنه يذكرني بأول بسمة حب في حياتي . أقامت أمي خيمة كبيرة استقبلت الزوار والأقارب ، وأقامت حفلا كبيرا لمدة أسبوع .. تصوري لم يحضر أبي الحفل .. ولم يبارك لنا .. ربما كان خجلا لقد حرمنا حتى من الميراث .. سجل أغلب أملاكه باسم زوجته وأولاده .. وحرمنا من حق شرعه الله لنا ..
- وهكذا زوجتني من ابنة خالتي ، كانت زوجتي على جانب كبير من الأدب والحشمة والخلق ، ثقافتها في المرحلة المتوسطة ... هادئة الطباع ، يزينها المرح والشقاوة أحيانا ، ..أحببت أن أترك لديها بصمة جميلة تتذكرني من خلالها . أعطيتها الحب والوفاء، وهذا أقل ما أعطيه لأمي . مع الزمن كانت وفاء خير معين لأمي ، وقفت معها في كبرها وضعفها، وأدركت سر اختيار أمي لها. فعاملتها أحسن معاملة. وقد رزقني الله منها بأربعة أطفال.
.. ولم تقصر من ناحيتي أبدا نعم الزوجة المطيعة حنان ، لن أنسى حبها أبدا ولن أغدر بها مهما طال الزمن ...أكن لها كل احترام وتقدير. صممت أن لا أغيضها في يوم من الأيام .
... رأيت الدموع تنهل من عيون أنوار ، ولم أشعر بها فقد كنت منفعلا بحديثي .. فسكت ورأيت ابتسامة مخنوقة على شفتيها . مسحت دموعها وقالت : لو كنت أعرف أني سأثير أشجانك ما طلبت منك الكلام .. ولكن صدقني فقد غسلت قلبي من أحزانه .. أرجوك يكفيني هذا ! . نادت على النادل الهندي وقالت له : احجز هذا المكان لنا للأربعاء القادم ... ثم التفتت إلي بعينين أجمل ما رأيت وقالت بابتسامة ساحرة : موعدنا الأربعاء القادم إلى اللقاء يا أشرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...