# قصة قصيرة
سأحكي لك يا جدتي !
جدتي تركية كانت الى وقت قريب تؤنسنا بحكاياتها الجميلة ، لكن ما إن دخل التلفاز بيتنا ودخل معه الضجيج والفوضى فلم يعد أحد منا يأنس لحكاياها ، أخذت الشاشة وقتنا وإنتباهنا بل اخذت عقولنا ،حتى جدتي المسكينة وعلى كبرها صارت مدمنة مسلسلات ،بدأ جو جديد يخيم على البيت ،لم نعد نجتمع على مائدة الطعام وصرنا نتعارك من اجل إختيار القنوات ،فهذا يحب الرياضة وذاك يحب الأخبار ،أما الصغيرة فتعشق الرسوم المتحركة
وأخريات يعشقن المسلسلات فأصبحت الشاشة الواحدة لاتكفي لأسرتنا التي تشتتت وإختلط الحابل بالنابل ،اما انا فقاطعت الشاشة اللًعينة التي فرقت لمتنا واصبح الصراخ يملأ بيتنا ،فعكفت على مكتبتي انهل منها ، كانت جدتي تزورني في خلوتي بمكتبتي من الحين إلى الآخر والدموع تملأ مآقيها لما آل عليه حالنا ،جدتي لم تجد حلا للمشكلة وهي تعود بذاكرتها الى ذلك الزمن الجميل عندما كانت البيوت الطينية التي نسكنها عامرة بالحب ،كنا نسأل عن احوال بعضنا ونجتمع على المائدة ثلات مرات في اليوم،وحتى قهوة المساء بعبقها الطيب الجميل كانت تدعونا الى مؤانسات جميلة نتبادل فيها الآراء والإنشغالات والحكايا ،كنًا على قلب رجل واحد ...
أتذكر حينها ان جدتي كانت بعد الغروب تحضر نفسها لتحكي لنا ماتجود به مخيلتها من حكايات بديعة مرة عن جحا ومرة عن عنترة ومرة...ومرة ،كانت حكايات جدتي تأسرنا بل تأخذ عقولنا ...عندما تمرض جدتي كان الحزن يخيم على بيتنا ،إيييه يازمن !!؟
واليوم شاخت جدتي وغابت ملامح وجهها الجميل الذي غطته التجاعيد ،وبدأت ذاكرتها تضعف يوما بعدالآخر حتى أسماءنا بدأت تنسى بعضها ،شاب شعرها وصارت حركتها بطيئة بطيئة ،إلا انها لم تنسى حكايا الوطن وما عانته إبان سنوات الثورة ،وكيف كانت تحضر الطعام للثوار وتخيط الرايات الوطنية ،كنت أكتب كل كلمة تحكيها جدتي في مجلد أعددته لهذا الغرض ،وقد كنت بين الحين والحين اسرد عليها بعضا منها فكانت تفرح لذلك ايما فرح ....
تتأسف جدتي لما آل عليه حالنا وحال إخوتي البطالين ،لكن ماباليد حيلة ....
هذا المساء الماطر وأنا عائد من وسط المدينة التي شهدت مسيرة تطالب بتغيير مسؤولي البلاد وجدت جدتي وهي تضع يدها على رأسها وهي تناديني بأعلى صوتها:
ماذا حدث يا حسام ؟
فقلت لها سأحكي لك ياجدتي بعد قليل لكن دعيني أرتاح قليلا ...
دخلت غرفتي لأتمدد على السرير ،فلحقتني كظلي لأنها لم تطمئن لما سمعت عن الوطن :
خير إن شاء الله يابني ،مالذي حصل ؟؟
-- خيرا ياجدتي ...فقط شباب اليوم خرجوا لأجل الوطن يريدون نفسا جديدا للبلاد ويطلبون عملا وسكنا ومستقبلا زاهرا يعم الجميع..
سمعتني جدتي فبكت وقالت:
لله دركم يابني جيلكم جيل عجيب
جيل السراويل الممزقة والشعور الطويلة صنع للوطن مالم نصنعه نحن لتحريره يابني ..
ثم رفعت يدها الى السماء وهي تدعو الله ان يحفظ هذا الجيل الذي تاهت به السبل وان يرفع عنا هذا الجو الذي صار فيه كل منا يسير في طريق لايعلم أين منتهاه
حفظ الله الجزائر وأبناء الجزائر
وعاش الوطن
حركاتي لعمامرة. بسكرة22 مارس 2019
سأحكي لك يا جدتي !
جدتي تركية كانت الى وقت قريب تؤنسنا بحكاياتها الجميلة ، لكن ما إن دخل التلفاز بيتنا ودخل معه الضجيج والفوضى فلم يعد أحد منا يأنس لحكاياها ، أخذت الشاشة وقتنا وإنتباهنا بل اخذت عقولنا ،حتى جدتي المسكينة وعلى كبرها صارت مدمنة مسلسلات ،بدأ جو جديد يخيم على البيت ،لم نعد نجتمع على مائدة الطعام وصرنا نتعارك من اجل إختيار القنوات ،فهذا يحب الرياضة وذاك يحب الأخبار ،أما الصغيرة فتعشق الرسوم المتحركة
وأخريات يعشقن المسلسلات فأصبحت الشاشة الواحدة لاتكفي لأسرتنا التي تشتتت وإختلط الحابل بالنابل ،اما انا فقاطعت الشاشة اللًعينة التي فرقت لمتنا واصبح الصراخ يملأ بيتنا ،فعكفت على مكتبتي انهل منها ، كانت جدتي تزورني في خلوتي بمكتبتي من الحين إلى الآخر والدموع تملأ مآقيها لما آل عليه حالنا ،جدتي لم تجد حلا للمشكلة وهي تعود بذاكرتها الى ذلك الزمن الجميل عندما كانت البيوت الطينية التي نسكنها عامرة بالحب ،كنا نسأل عن احوال بعضنا ونجتمع على المائدة ثلات مرات في اليوم،وحتى قهوة المساء بعبقها الطيب الجميل كانت تدعونا الى مؤانسات جميلة نتبادل فيها الآراء والإنشغالات والحكايا ،كنًا على قلب رجل واحد ...
أتذكر حينها ان جدتي كانت بعد الغروب تحضر نفسها لتحكي لنا ماتجود به مخيلتها من حكايات بديعة مرة عن جحا ومرة عن عنترة ومرة...ومرة ،كانت حكايات جدتي تأسرنا بل تأخذ عقولنا ...عندما تمرض جدتي كان الحزن يخيم على بيتنا ،إيييه يازمن !!؟
واليوم شاخت جدتي وغابت ملامح وجهها الجميل الذي غطته التجاعيد ،وبدأت ذاكرتها تضعف يوما بعدالآخر حتى أسماءنا بدأت تنسى بعضها ،شاب شعرها وصارت حركتها بطيئة بطيئة ،إلا انها لم تنسى حكايا الوطن وما عانته إبان سنوات الثورة ،وكيف كانت تحضر الطعام للثوار وتخيط الرايات الوطنية ،كنت أكتب كل كلمة تحكيها جدتي في مجلد أعددته لهذا الغرض ،وقد كنت بين الحين والحين اسرد عليها بعضا منها فكانت تفرح لذلك ايما فرح ....
تتأسف جدتي لما آل عليه حالنا وحال إخوتي البطالين ،لكن ماباليد حيلة ....
هذا المساء الماطر وأنا عائد من وسط المدينة التي شهدت مسيرة تطالب بتغيير مسؤولي البلاد وجدت جدتي وهي تضع يدها على رأسها وهي تناديني بأعلى صوتها:
ماذا حدث يا حسام ؟
فقلت لها سأحكي لك ياجدتي بعد قليل لكن دعيني أرتاح قليلا ...
دخلت غرفتي لأتمدد على السرير ،فلحقتني كظلي لأنها لم تطمئن لما سمعت عن الوطن :
خير إن شاء الله يابني ،مالذي حصل ؟؟
-- خيرا ياجدتي ...فقط شباب اليوم خرجوا لأجل الوطن يريدون نفسا جديدا للبلاد ويطلبون عملا وسكنا ومستقبلا زاهرا يعم الجميع..
سمعتني جدتي فبكت وقالت:
لله دركم يابني جيلكم جيل عجيب
جيل السراويل الممزقة والشعور الطويلة صنع للوطن مالم نصنعه نحن لتحريره يابني ..
ثم رفعت يدها الى السماء وهي تدعو الله ان يحفظ هذا الجيل الذي تاهت به السبل وان يرفع عنا هذا الجو الذي صار فيه كل منا يسير في طريق لايعلم أين منتهاه
حفظ الله الجزائر وأبناء الجزائر
وعاش الوطن
حركاتي لعمامرة. بسكرة22 مارس 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق