الجمعة، 31 أغسطس 2018

...

من الإنعاش : أرشيف .
    وأنا أقرأ بيت الشعر هذا:
كأنهم والماء من حولهم # ناس قعود وحولهم ماء.
لم أصدق ما قرأت ، وحاولت أن افهم شيئا فلم أفلح.
وفاجأني غثيان من شعر وشعراء هذا الزمن الرديء
وما قبله بقليل... وتفقدت ساحة الشعر فوجدتها تعج
بالشعراء ، حيث بات كل من هب ودب ينشر في الصباح وفي المساء : فتتهاطل التهاني ، والتعليقات
الممجدة ، فانكفأت على نفسي أرثي الشعر ، وابكي الصورة الشعرية والخيال المتدفق في الشعر العربي .
       وأنا كذلك إذ بنزار قباني يهتف بي : ألم اقل لك ذلك من زمن....... فقلت : لقد نسيت ، فذكرني.... فقال:
لم يبق في دار البلابل بلبل
          لا البحتري هنا..... ولا زرياب
شعراء هذا اليوم جنس ثالث
          فالقول فوضى... والكلام ضباب
يتهكمون على النبيذ معتقا
          وهم على سطح النبيذ ذباب..... .........انتهى.
فقلت: صدقت.
ويهزني الشوق إلى الكلمة العذبة ، والصورة الأخاذة
فأركب قطار الزمن ، وأوغل في بلا العرب فاصطدم
بعدي بن ربيعة التغلبي ، يحضن زق الخمر بين ذراعيه ، وهو يرثي أخاه : وائل بن ربيعة بقوله:
دعوتك يا كليب ، فلم تجبني
            وكيف يجيبني البلد القفار
أجبني يا كليب خلاك ذم
            لقد فجعت بفارسها نزار
خذ العهد الاكيد علي عمري
            بتركي كل ما حوت الديار
وهجري الغانيات وشرل كأس
            ولبسي جبة لا تستعار
ولست بخالع درعب وسيفي
            الى ان يخلع الليل الىنهار................... انتهى.
ولما كانفي في حالة متقدمة من السكر، تركته وواصلت طريقي.... وحططت الرحال في... نجد.
وظهر لي هودج : عنيزة..... يسير الهوينى ، وهي تردف ابن عمها : امرأالقيس... الذي سمعته يتمقها ويتودد اليها ، بقوله :
تقول وقد مال الغبيط بنا معا
           عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
فقلت لها : سيري وأرخي زمامه
          ولا تبعديني عن جناك.... المعلل............ انتهى
وكانت عنيزة.... تدافعه بغنج ودلال ضاحكة وهي تقول : لك الويلات يا امرا القيس انك مرجلي..... فاستحييت من هذا الوضع الغرامي جدا واكملت طريقي... وتراءت لي خيمة كبيرة.... قصدتها ، فإذا بشاعرالفخر بلا منازع: عمر بن كلثوم ، وسمعته يردد:
ملأنا البر حتى ضاق عنا
            ووجهالبحر نملؤه سفينا
متى بلغ الفطام لنا رضيع
            تخر له الجبابرة ساجدينا.............. انتهى.
ولكن اي اابحر يا سيدي..... فقال: لا عليك، سنصنعه.
في الخارج اسمع جلبة وضوضاء..... فأسأل عن ذلك
فيقال لي : إنه فارس بني عبس: عنترة بن عمر بن شداد  ، فيفعني الفضول لرؤيته..... فاذا هو عاى صهوة الأدهم وهو يهدر:
خلقت من الحديد اشد قلبا
            وقد باي الحديد وما بليت
وإني قد شربت دم الأعادي
            بأحقاف الرؤوس وما رويت. .....انتهى.
اقتربت منه ووضعت يدي على قربوس سرجه ، وسالته : هل صحيح ما يروى عن حبك لعبلة بنا مالك
......تامل الفارس الافق البعيد ، وكانني اثرت شجونه فراح دون وعي ينشد:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني
           وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لانها
            لمعت كبارق ثغرك المتبسم...........انتهى.
تركت عنترة يحلم.......وتوجهت نحو شيخ يستظل
نخلة.... سلمت عليه وسالته : ما قصتك مع الرسول-ص-.... يا ابا ليلى ؟تبسم مزهوا..... وقال : لقد انشدته قصيدتي التي مطلعها :
بلغنا السماء مجدا وجودا وسؤددا
            وإنا لنبغي فوق ذلك  مظهرا......
فتبسم الرسول-ص- وسالني : الى اين يا ابا ليلى...  
فاستحييت منه واستدركت: إلى الجنة معك يا رسول الله..فاقرها الرسول بقوله: لا فض فوك.... يا ابا ليلى.
.....وأنا مار بقرب احدى المقابر.... عرفت : رهين المحبسين..... وهو يتحسس القبور بعصاه وهو يقول:
صاح هذي قبورنا تملأ الرحب
               فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم
               الارض الا من هذه الاجساد........... انتهى.
فشكوت له حالنا وحال الشعر ، فقال متحسرا:
اذا وصف الطائي بالبخ نادر
               وعير قسا بالفهاهة باقل
وقال السها للشمس انت خفية
وقال الدجى يا صبح لونك حائل
فيا موت زر ان الحياة ذميمة
ويا نفس جدي ان دهرك هازل.....   .انتهى....
سمعت آهات داخل احدى الخيام فقصدتها..... فاذا بعمتي: الخنساء.... تماضر بنت عمرو..... وهي مازالت  تبكي صخرا:
أعيني جودا ولا تجمدا # الا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجواد# الا تبكيان الفتى السيدا
رفيع العماد ، طويل النجاد# ساد عشيرته امردا..  
......لا فض فوك يا خنساء : قلت....... تعالي اقيمي على الشعر في عصرنا مناحة مشابهة...... فتبسمت رغم ألمها..... وقالت : وهل عندكم شعر ؟
.....وانا عائد ، استوقفي المتنبي... واردفني وراءه
وراءه...... وفجأة اوقف جواده في شعب بوان على تخوم بلاد فارس.... وراح يرتجل:
مغاني الشعب طيبا في المغاني
          بمنزلة الربيع من الزمان
ولكن الفتى العربي فيها
          غريب الوجه واليد واللسان
ملاعب جنة لو سار  فيها
          سليمان لسار بترجمان
طبت فرساننا والخيل حتى
          خشيت وان كرمن من الحران
يقول بشعب بوان حصاني
          أعن هذا يسار الى الطعان
ابوكم آدم سن المعاصي
          وعلمكم مفارقة الجنان....... انتهى.......
ثم التفت الي وقال.... هل اوصل الى مقصدك....
فقلت : نعم.... يا مالئ الدنيا وشاغل الناس......
ووجدت نفسي امام باب مدينتنا.... ولفت انتباهي
ملصوقة...... معلقة على جميع ابواب المدينة: تعلن عن القصيدة الفائزة بمسابقة الشعر.... ونالت المرتبة
الاولى...... وكان مطلعها:
الضفدع في السيارة
يدخن سيجارة...
اشواقي تلملمها الاوراق وتلتهم الشفق
بعض نتف القمر..... تلعب الورق البعيد....
لم اكمل....  ..لانني فتحت عيني في : غرفة الانعاش

____    ____    ________ هارون قراوة.
Haroune.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...