الجمعة، 6 أبريل 2018

د. غالب القرالة:
الحب في الشعر العذري

- خلاصة القول في الشعراء العذريين انهم طائفة من الشعراء خلقوا بوجودهم جميعا زمان واحد وبيئة واحدة باشتراكهم في سمات نفسية وفنية خاصة ظاهرة ادبية فريدة جديدة في الشعر العربي مهما يكن لها من جذور في حالات فردية عند الجاهلين والشعراء في صدر الاسلام .
ويصور هؤلاء الشعراء تجربة عاطفية تتسم بما يشبه الزهد ويعبرون فيها عن اشواقهم وحرمانهم ورضاهم ممن يحبون باقل القليل وضيقهم بما يلقون من وطاة الاهل والرقباء والمجتمع .
ومع ان هذا الشعر شعر عاطفي في المقام الاول يحس قارئه بما فيه من تجريد للاشواق والحرمان وتصوير مطلق لعاطفة الحب بان وراء معاني ومشاعر اخرى يمكن ان تكون عاطفة الحب رمزا لها دون كثير من الشطط او التعسف في التاويل .فقد نجد فيه رموزا الى الياس عند الحجازين والنجدين وحزنهم لما فاتهم من سلطان بانتقال الحكم الى الاموين في الشام فقد نجد فيه اشارات الى مواقف رافض سلبي لتقاليد المجتمع الانفصالي الذي يفرض على الشاعر هذا الحرمان .وعل اننا نستطيع بعد ذلك ان نرى فيه رمزا كبيرا عاما لتلك النقلة الحضارية الكبيرة التي كان على العربي فيها ان ينسلخ عن عاداته وتقاليده ونمط سلوكه ومعيشته ليواجه حياة جديدة فيها كثير من ضروب المتع والراحة والتحضر .لذلك وجد نفسه مشدودا بين هذين النمطين من الحضارة كما يحدث عادة في فترات الانتقال الحضارية الكبرى –فاسقط- هذا الموقف الحائر على الحب والمراءة .
وقد كان للعذرين دور كبير في تطور الشعر العربي في ذلك العصر من حيث بناء القصيدة العام ومن حيث لغتها وصورها الشعرية اما بناء القصيدة فقد اصبح تعبيرا متكاملا عن تجربة شعورية تقتضي وحدة بين اجزاء القصيدة حتى ليمكنفي كثير من الاحيان ان نضعها تحت عنوان خاص يلخص طبيعة تجربتها كما يفعل شعرؤنا المعاصرون وكما فعل بعض من حقق دواوين هؤلاء العذرين انفسهم في عصرنا الحديث .ولك يكن هذا –بالطبع – شيئا جديدا كل الجدة على الشعر العربي لكنه بما اتخذ من وضع الظاهرة المطردة كان مخالفا لطبيعة القصيدة القديمة بوجه عام .على ان هذه الوحدة وان تحققت في الشكل العام للقصيدة لم تكن شديدة التماسك في ابيات القصيدة نفسها فان كثيرا من الابيات مجرد خطرات ولفتات شعورية متناثرة يمكن اعادة ترتيبها على اكثر من وجه كما نرى في كثير من القصائد التي يرويها الرواة القدماء بترتيب مختلف للابيات وقد عللنا ذلك بطبيعة التجربة المجردة الخالية من المواقف عند هؤلاء الشعراء مما جعل الحب لديهم مجرد صور مطلقة لاتتلون بطبيعة اللحظات او الظروف الخاصة او الاوضاع المميزة لكل تجربة عند كل شاعر .
لذلك اختلط شعر بعضهم بشعر بعض ونسب اليهم كل مايدور في فلك هذه الصفة المجردة المطلقة للحب . ومن هنا كان تفلك الصور الشعرية داخل القصيدة الواحدة وان كان للقصيدة جوها العاطفي العام دون ان تنتقل من موضوع الى موضوع شان كثير من القصائد الطويلة في الشعر الجاهلي والاسلامي والشعر الاموي نفسه عند غير العذرين من امثال جرير والفرزدق والاخطل وغيرهم اما لغة هذا الشعر فقد سارت بذلك التطور الذي لاحظناه في الشعر الاسلامي شوطا بعيدا حتى اصبح ظاهرة ملموسة واضحة السمات .فقد مضى هؤلاء الشعراء في اسقاط كثير من الالفاظ المتصلة بوصف الرحلة والرواحل وحيوان الصحراء مما عرف بعد بالغريب حتى كاد شعرهم يخلو منه الا حين يخلو لبعضهم احيانا ان يقف في بضعة ابيات على طلل او يصف – على سبيل التشبيه- بعض الظباء او القطا او غير ذلك من حيوان الصحراء وطيورها .
وكذلك استخدم هؤلاء الشعراء طائفة كبيرة من الالفاظ المتصلة بالعواطف والمشاعر مما هو شائع مشترك بين الناس بحكم اشتراكهم في تلك العواطف والمشاعر وممارستهم لها وتعبيرهم عنها في حياتهم اليومية فاصبحت اساليبهم اكثر – سلاسة – ووضوحا واقتربت لغتهم من اللغة العربية التي نعرفها في حديث الناس واسمارهم وحوارهم كما تصورها بعض الكتب الادبية التي تؤرخ لذلك العصر .
ويعمد هؤلاء الشعراء الى اكثر الالفاظ قدرة على التعبير عن العواطف الحادة فيحشدونها في صورهم الشعرية مؤكدين ايحاءاتها ورموزها عن طريق التكرار وكانهم يستعيضون بها عما نلاحظه من غيبة كثير من الصور المجازية والبيانية المالوفة في الشعر العربي القديم .
فلم يكن هؤلاء الشعراء من ذوي الخيال المحلق ولعلنا نستطيع ان نقول ايضا انهم لم يكونوا مواهب شعرية – عظيمة – ولكنهم مع ذلك قدقاموا بدور خطير في تطور الشعر العربي وخلق معجم شعري جديد وعبروا عن ذواتهم وروح عصرهم تعبيرا فنيا مازال يهزنا الى اليوم بما فيه من حرارة العاطفة وصدق الشعور واحتماله لاكثر من مستوى للتلقي والتذوق وبما في الفاظه من قدرة فائقة على الايحاء والرمز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صراع بين الناس..بقلم الشاعر/كمال الدين حسين

 صداعُ الفكرِ في أُذني ورأسي أتاني منْ صراعٍ بين ناسٍ فلا عادَ الأنامُ على وصالٍ مع الأصحابِ في زمنِ المآسي فصارَ الكلُّ مشغولاً بنفعٍ لهمْ ...