دور المراة في الفتوحات الاسلامية
ــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي 30-5-2018
لو رجعت إلى كتب السيرة وكتب الإسلام القديمة لوجدت أن المرأة شاركت في الكثير من الأعمال التي كانت صعبة عليها في ذلك الوقت، فنجد السيدة اسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه تخرج من بيتها كل يوم أثناء اختباء النبيّ وصاحبه في غار ثور من أجل أن تنقل لهم الطعام والشراب، وتقدم لهم المساعدة في كل ما يحتاجونه، وعندما تسأل عن أبيها وصاحبه تنكر معرفتها بمكانهما، فكانت قادرة على إخفاء السر بدون أن يشك في نواياها أحد، حتى أنّها لم تكن تخاف أن تتسلق الجبال، وكان في بالها أنّ هذا هو العمل المقدّر لها، وأنّ الله قد أعاطاها هذا الشرف، ولن تتنازل عنه مهما كلّف الأمر. لا يمكننا أن ننسى أم سليم التي شاركت مع النبيّ في الغزوات، والتي عملت على صد العديد من الضربات عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد توفيت في ساحة الوغى كالكثير من الرجال، وذكرها التاريخ بالمرأة المناضلة التي لم تتوقف للحظة على تأمين النبيّ ولم تتوانى في خدمة الدعوة الإسلامية ، وكانت أم سليم مثالاً حقيقياً ما زال العرب يضربونه حتى اليوم، فقد كانت نعمة الزوجة ونعم الأم التي قدمت التضحيات في سبيل الدعوة الإسلامية وحاربت مع النبيّ جنباً إلى جنب، ولم تكن تخشى شيئاً، وكل خشيتها كانت على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن يصاب بمكروه وهي تقف وتنظر، ورغم أنها كانت امرأة طاعنة في السن، إلّا أنّها لم تتخلَّ عن هذا الشرف الرفيع، وحاولت بكل الطرق أن تبقى واقفة وصامدة، وشاركت في معظم الغزوات حتى توفاها الله في إحدى حروب الفتوحات الإسلامية ونالت شرف أن تفني حياتها بجانب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ولا ننسى أم ياسر، التي كانت أول من أسلمت من النساء، والتي حاولت أن تخفي سر إسلام عائلتها وزوجها وأبنائها، ولكن ما أن عرف الكفار بهذا الأمر حتى أنزلوا عليهم العقاب، ومن أجل ذلك أن يتوقف طالبوها بأن تتنازل عن الدين وتعود لرشدها ولكنها أصرّت أن تكون واقفة وصامدة على الدين الحنيف لتقتل ظلماً وبهتاناً، ويهتك بيتها وأهلها، ويموتون جميعاً في سبيل الدعوة الإسلامية التي أراد الله أن تنتشر رغم حقد الحاقدين، وتكون هذه علامة من علامات قوة الدين الحنيف، والقدرة الإلهية التي حمت هذه الأمثلة من النسوة العظيمات اللواتي حافظن على أنفسهن، وعملن بكل جد واجتهاد من أجل إعلاء راية الحق والدين الحنيف، ويكون الدين لله مرتفعاً، وعلمه خفاقاً، ويبعد عنه حقد الحاقدين ممن أرادوا بالدين أذىً. ..
دأبت المرأة العربية على المشاركة في الحروب منذ فجر التاريخ و قبل الإسلام، حيث نذكر مقولة هند بنت عتبة “ نحن بنات طارق نمشي على النمارق ، إن تقبلوا نعانق وإن تدبروا نفارق، فراقاُ غير وامق “عندما قام المشركون باصطحاب النساء معهم في غزوة بدر من أجل شحذ عزيمة الجنود ومنعهم من التخاذل أو الفرار. وعندما أشرقت شمس الإسلام في الجزيرة العربية ،و منذ بواكير حروب الدولة الإسلامية لم تتأخر المرأة عن الجهاد و مزاحمة الرجال طمعاً بأحد الحسنيين، فكان لها دورٌ لا يغفل ، فقد كانت تحمل السلاح وتقاتل كما يفعل الرجال، وكانت تقوم بالأعمال المساندة؛ كالتمريض، وعلاج الجرحى، ونقل الماء والسلاح، وإعداد الطعام للجيش، وحراسة الأسرى، وغير ذلك من الأعمال التي تستلزمها الحرب.
جهاد المرأة في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نسترشد على مدى تشوّق المرأة المسلمة للجهاد، ومعرفتها لشرفه وفضله، وغبطتها للرجال الذين فضلهم الله بهذه الفريضة ، عندما جاءت أسماء بنت يزيد بن السكن نائبة عن النساء إلى رسول الله تكلمه في أمر الجهاد قائلة: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، لقد بعثك الله إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومَقْضَى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع والجَماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفلا نشارككم في هذا الأجر والخير؟”
“فالتفت النبي صلي الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مقالتها في أمر دينها من هذه؟
فقالوا يا رسول الله: “ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا!!”
“فالتفت النبي صلي الله عليه وسلم إليها فقال: افهمي أيتها المرأة، واعلمي من خلفك من النساء، أن حسن تبعل المرأة لزوجها (يعني حسن عشرتها له) وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله، فانصرفت المرأة وهي تهلل”.
في غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة و بسبب ظروف المعركة الكبرى الأولى لم تشارك المرأة المسلمة، حيث استعجل النبي صلي الله عليه وسلم الخروج حتى يتمكّن من اللحاق بقافلة أبي سفيان، لدرجة أن بعض الرجال لم يستطع التجهز لهذه المعركة ناهيك عن النساء، غير أن أم ورقة سألت النبي صلي الله عليه وسلم الخروج مع الجيش لمداواة الجراح، ولعل الله يهدي إليها شهادة، فلم يأذن لها النبي صلي الله عليه وسلم للسبب الذي ذكرته، مع قوله لها إن الله مهدٍ إليك شهادة.
ولكن غياب المرأة هذا عن غزوة بدر لم يكن غياباُ كلياً، صحيح أنها بجسدها لم تكن حاضرة المعركة، لكنها حضرت بأبنائها، وزوجها، وأبيها، وإخوتها، وقرابتها من الرجال، وخير مثال على ذلك الصحابية الجليلة عفراء بنت عبيد بن ثعلبة التي بعثت إلى المعركة بسبعة أبناء هم فلذات كبدها، نال الشهادة اثنان منهم.
في يوم أحد كانت السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها، وأم سليم زوجتي النبي صلي الله وسلم وأم سليط وحمنة بنت حجش، رضي الله عنهن أجمعين، كنّ يسقين العطشى ويداوين الجرحى. جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان رسول الله يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار، ليسقين الماء ويداوين الجرحى”.
وقال ابن مسعود: “إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين”. ولما اختلف الحال، وخان النصر المؤمنين جاءت صفية بنت عبد المطلب شاهرة سيفها تضرب به في وجه القوم قائلة انهزمتم عن رسول الله، قاصدة بث روح الجهاد فيهم، ومقوية عزائمهم. ولم تكن أم أيمن بأقل منها شأناً في هذا المجال، حيث كانت تحثو التراب على بعض المنهزمين وتقول: هاك المغزل فاغزل به.
وكانت المرأة ممن ثبت عند انهزام الرجال يوم أحد، حيث دافعت عن الرسول في وسط الشدة والبأس، كأشجع الرجال، وأثبت الفرسان، ومن هؤلاء أم عمارة نسيبة بنت كعب، التي قال فيها رسول الله “ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني”.
أما في غزوة الخندق سنة خمس للهجرة فقد اشتغل رسول الله وكل القادرين من الرجال في حفر الخندق، ومن ثم حصار بني قريظة، ثم حصار الأحزاب للمدينة وكل ذلك استمر حوالى شهرين تقريباً. وفي هذه الحالة والمشركون يحاصرون المدينة كان لا بد للمرأة أن تكون مشاركة في هذا الجهاد بشكل فاعل، ومما قامت به النساء في هذه الغزوة:
1ـ القيام بالأعمال التي كان يقوم بها الرجال المنشغلون مع الرسول بحفر الخندق ومجابهة الأعداء.
2 ـ تزويد الجيش بالمؤن.
3 ـ الدفاع عن مؤخرة المسلمين.
4 ـ مراقبة الأوضاع الداخلية وتفقد أحوال المجاهدين.
ومن الأسماء التي برزت في هذه الغزوة ابنة بشر بن سعد، وزوجة جابر بن عبد الله، التي كان لكل واحدة منهن كرامة خاصة في إعداد طعام الجند في ذلك الوقت، ومنهم صفية بنت عبد المطلب التي قتلت يهودياً كان يطوف بأحد الحصون التي لجأ إليها بعض النساء والصبيان، وألقت برأسه إلى من كانوا معه أسفل حصن ففروا جميعاً ظناً منهم أن الحصن يحرسه الرجال، قتلته خشية أن يدل بني قومه على نساء المسلمين وصبيانهم فيغيرون عليهم، ورجال المسلمين مشغولون بالقتال.
وكذلك كان الحال في غزوة بني قريظة،وغزوة الحديبية، وفتح مكة، وغزوة حنين، كان للمسلمات حضور يشهد على اجتهادهن في القيام بما يمكن أن يقمن به من أعمال الجهاد مع الجيش المسلم، سواء بالقتال مباشرة، أو بالمساندة، أم بالمشورة وغير ذلك.
جهاد المرأة في عهد الخلفاء الراشدين والفتوحات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بعد ان انتهى أبو بكر(رض) من حروب الردة، بعث إلى المسلمين في كل البلاد أن يقدموا إليه من أجل تجهيز الجيوش للفتوحات التي كانت بعد ذلك، و التي استهلوها بفتح الشام، وبالفعل فقد بدأ يتوافد على أبي بكر المسلمون من كل مكان، ومن ضمن من جاءوا قبيلة حمير من اليمن، فلما رآهم أبو بكر تهلل وقال: “ألم نكن نتحدث ونقول إذا أقبلت حمير تحمل أولادها ومعها نساؤها نصر الله المؤمن وخان الكافر، فأبشروا أيها المسلمون قد جاءكم النصر”. لم تكن حمير وحدها التي جاءت بأبنائها ونسائها، فقد كان أغلب من قدم على أبي بكر من الوفود يحملون معهم ذراريهم من النساء والأولاد، حيث جاء عن المواردي قوله إن حروب المسلمين في عهد الفتوحات الإسلامية ما كانت تخلو من النساء والذراري.
ويذكر الطبري أن عدد النساء اللواتي شاركن في فتح العراق، حوالى سبعمائة امرأة من (النَخَع) وألف امرأة من (بُجيلة)، وهذا إن دل فإنه يدل على حجم مشاركة النساء في هذه الحروب التي امتدت سنين طويلة، ووصلت إلى ما وصلت إليه من أرجاء المعمورة.
جهاد المرأة في العصر الحديث والحاضر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أما في عصرنا الحاضر الذي شهد استعمار الدول الإسلامية والعربية في بدايته، فقد ضربت المرأة المسلمة أروع الأمثلة في الجهاد والتضحية، خصوصاً في مقاومتها للمحتل الذي يحتل أرضها، ويسلب خيراتها، فكانت تشارك مع الرجال في شتى صنوف المقاومة، وكذلك كان لها مشاركات في حروب التحرير جنباً إلى جنب مع الرجل.ومن الأمثلة على ذلك الحرب التي خاضها الشعب الليبي بقيادة المجاهد عمر المختار، وكيف شاركت المرأة الليبية فيها ، حيث كانت تقوم بحمل السلاح والجهاد مباشرة، ثم تهريب الأسلحة ونقلها للمجاهدين، و تمريض المجاهدين وإعداد الطعام لهم، وسقيهم، وغسل ملابسهم، وغير ذلك من الأعمال المساندة للمجاهدين.ولا ننسى دور المجاهدات الجزائريات امثال جميلة بوحيرد ..ولا ننسى دور المرأة الفلسطينية فمنذ أن بدأت انتفاضة المساجد في عام 1987م، وحتى يومنا هذا، والمرأة تضرب كل يوم أروع الأمثلة في البطولة والاستشهاد دفاعاً عن وطنها وعرضها ودينها وأبنائها, فقد مارست المرأة في هذه المرحلة كل صنوف النضال الوطني، بدءاً من مقارعة العدو الصهيوني بالحجارة السلاح الأكثر انتشاراً في هذه الانتفاضة، ومروراً بعراك جنود الاحتلال بالأيدي ووجهاً لوجه، وكذلك قيامها بمنع جنود الاحتلال من اعتقال المقاومين عن طريق تمويه الأمر عليهم والتصدي لهم وجهاً لوجه، بل وعن طريق تخليص كثير من شباب الانتفاضة من أيدي جنود الاحتلال، وانتهاء بالعمليات الاستشهادية التي قامت بها العديد من النساء الفلسطينيات . وفي السنين الاخيرة لا ننسى دور المراة العراقية والسورية واليمنية وصلابتها في مواقفها ومشاركتها الرجال في كل الميادين ... لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ و لم يحرمهم من فضل الجهاد و خصهم بأجر الحمل والرضاعة و تربية الأبناء فالأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق فهي مفطورة على الجهاد سواء في الحرب أو في السلم ، فألف تحية لكل امرأة ولكل نساء الأرض. واخيرا لنا في قول الشاعر في ابياته هذه ..
الأم مدرســـة إذا أعـددتـــها .... أعـددت شــعباً طـيب الأعـراق .
ــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي 30-5-2018
لو رجعت إلى كتب السيرة وكتب الإسلام القديمة لوجدت أن المرأة شاركت في الكثير من الأعمال التي كانت صعبة عليها في ذلك الوقت، فنجد السيدة اسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه تخرج من بيتها كل يوم أثناء اختباء النبيّ وصاحبه في غار ثور من أجل أن تنقل لهم الطعام والشراب، وتقدم لهم المساعدة في كل ما يحتاجونه، وعندما تسأل عن أبيها وصاحبه تنكر معرفتها بمكانهما، فكانت قادرة على إخفاء السر بدون أن يشك في نواياها أحد، حتى أنّها لم تكن تخاف أن تتسلق الجبال، وكان في بالها أنّ هذا هو العمل المقدّر لها، وأنّ الله قد أعاطاها هذا الشرف، ولن تتنازل عنه مهما كلّف الأمر. لا يمكننا أن ننسى أم سليم التي شاركت مع النبيّ في الغزوات، والتي عملت على صد العديد من الضربات عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد توفيت في ساحة الوغى كالكثير من الرجال، وذكرها التاريخ بالمرأة المناضلة التي لم تتوقف للحظة على تأمين النبيّ ولم تتوانى في خدمة الدعوة الإسلامية ، وكانت أم سليم مثالاً حقيقياً ما زال العرب يضربونه حتى اليوم، فقد كانت نعمة الزوجة ونعم الأم التي قدمت التضحيات في سبيل الدعوة الإسلامية وحاربت مع النبيّ جنباً إلى جنب، ولم تكن تخشى شيئاً، وكل خشيتها كانت على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن يصاب بمكروه وهي تقف وتنظر، ورغم أنها كانت امرأة طاعنة في السن، إلّا أنّها لم تتخلَّ عن هذا الشرف الرفيع، وحاولت بكل الطرق أن تبقى واقفة وصامدة، وشاركت في معظم الغزوات حتى توفاها الله في إحدى حروب الفتوحات الإسلامية ونالت شرف أن تفني حياتها بجانب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ولا ننسى أم ياسر، التي كانت أول من أسلمت من النساء، والتي حاولت أن تخفي سر إسلام عائلتها وزوجها وأبنائها، ولكن ما أن عرف الكفار بهذا الأمر حتى أنزلوا عليهم العقاب، ومن أجل ذلك أن يتوقف طالبوها بأن تتنازل عن الدين وتعود لرشدها ولكنها أصرّت أن تكون واقفة وصامدة على الدين الحنيف لتقتل ظلماً وبهتاناً، ويهتك بيتها وأهلها، ويموتون جميعاً في سبيل الدعوة الإسلامية التي أراد الله أن تنتشر رغم حقد الحاقدين، وتكون هذه علامة من علامات قوة الدين الحنيف، والقدرة الإلهية التي حمت هذه الأمثلة من النسوة العظيمات اللواتي حافظن على أنفسهن، وعملن بكل جد واجتهاد من أجل إعلاء راية الحق والدين الحنيف، ويكون الدين لله مرتفعاً، وعلمه خفاقاً، ويبعد عنه حقد الحاقدين ممن أرادوا بالدين أذىً. ..
دأبت المرأة العربية على المشاركة في الحروب منذ فجر التاريخ و قبل الإسلام، حيث نذكر مقولة هند بنت عتبة “ نحن بنات طارق نمشي على النمارق ، إن تقبلوا نعانق وإن تدبروا نفارق، فراقاُ غير وامق “عندما قام المشركون باصطحاب النساء معهم في غزوة بدر من أجل شحذ عزيمة الجنود ومنعهم من التخاذل أو الفرار. وعندما أشرقت شمس الإسلام في الجزيرة العربية ،و منذ بواكير حروب الدولة الإسلامية لم تتأخر المرأة عن الجهاد و مزاحمة الرجال طمعاً بأحد الحسنيين، فكان لها دورٌ لا يغفل ، فقد كانت تحمل السلاح وتقاتل كما يفعل الرجال، وكانت تقوم بالأعمال المساندة؛ كالتمريض، وعلاج الجرحى، ونقل الماء والسلاح، وإعداد الطعام للجيش، وحراسة الأسرى، وغير ذلك من الأعمال التي تستلزمها الحرب.
جهاد المرأة في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نسترشد على مدى تشوّق المرأة المسلمة للجهاد، ومعرفتها لشرفه وفضله، وغبطتها للرجال الذين فضلهم الله بهذه الفريضة ، عندما جاءت أسماء بنت يزيد بن السكن نائبة عن النساء إلى رسول الله تكلمه في أمر الجهاد قائلة: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، لقد بعثك الله إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومَقْضَى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع والجَماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفلا نشارككم في هذا الأجر والخير؟”
“فالتفت النبي صلي الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مقالتها في أمر دينها من هذه؟
فقالوا يا رسول الله: “ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا!!”
“فالتفت النبي صلي الله عليه وسلم إليها فقال: افهمي أيتها المرأة، واعلمي من خلفك من النساء، أن حسن تبعل المرأة لزوجها (يعني حسن عشرتها له) وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله، فانصرفت المرأة وهي تهلل”.
في غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة و بسبب ظروف المعركة الكبرى الأولى لم تشارك المرأة المسلمة، حيث استعجل النبي صلي الله عليه وسلم الخروج حتى يتمكّن من اللحاق بقافلة أبي سفيان، لدرجة أن بعض الرجال لم يستطع التجهز لهذه المعركة ناهيك عن النساء، غير أن أم ورقة سألت النبي صلي الله عليه وسلم الخروج مع الجيش لمداواة الجراح، ولعل الله يهدي إليها شهادة، فلم يأذن لها النبي صلي الله عليه وسلم للسبب الذي ذكرته، مع قوله لها إن الله مهدٍ إليك شهادة.
ولكن غياب المرأة هذا عن غزوة بدر لم يكن غياباُ كلياً، صحيح أنها بجسدها لم تكن حاضرة المعركة، لكنها حضرت بأبنائها، وزوجها، وأبيها، وإخوتها، وقرابتها من الرجال، وخير مثال على ذلك الصحابية الجليلة عفراء بنت عبيد بن ثعلبة التي بعثت إلى المعركة بسبعة أبناء هم فلذات كبدها، نال الشهادة اثنان منهم.
في يوم أحد كانت السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها، وأم سليم زوجتي النبي صلي الله وسلم وأم سليط وحمنة بنت حجش، رضي الله عنهن أجمعين، كنّ يسقين العطشى ويداوين الجرحى. جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان رسول الله يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار، ليسقين الماء ويداوين الجرحى”.
وقال ابن مسعود: “إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين”. ولما اختلف الحال، وخان النصر المؤمنين جاءت صفية بنت عبد المطلب شاهرة سيفها تضرب به في وجه القوم قائلة انهزمتم عن رسول الله، قاصدة بث روح الجهاد فيهم، ومقوية عزائمهم. ولم تكن أم أيمن بأقل منها شأناً في هذا المجال، حيث كانت تحثو التراب على بعض المنهزمين وتقول: هاك المغزل فاغزل به.
وكانت المرأة ممن ثبت عند انهزام الرجال يوم أحد، حيث دافعت عن الرسول في وسط الشدة والبأس، كأشجع الرجال، وأثبت الفرسان، ومن هؤلاء أم عمارة نسيبة بنت كعب، التي قال فيها رسول الله “ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني”.
أما في غزوة الخندق سنة خمس للهجرة فقد اشتغل رسول الله وكل القادرين من الرجال في حفر الخندق، ومن ثم حصار بني قريظة، ثم حصار الأحزاب للمدينة وكل ذلك استمر حوالى شهرين تقريباً. وفي هذه الحالة والمشركون يحاصرون المدينة كان لا بد للمرأة أن تكون مشاركة في هذا الجهاد بشكل فاعل، ومما قامت به النساء في هذه الغزوة:
1ـ القيام بالأعمال التي كان يقوم بها الرجال المنشغلون مع الرسول بحفر الخندق ومجابهة الأعداء.
2 ـ تزويد الجيش بالمؤن.
3 ـ الدفاع عن مؤخرة المسلمين.
4 ـ مراقبة الأوضاع الداخلية وتفقد أحوال المجاهدين.
ومن الأسماء التي برزت في هذه الغزوة ابنة بشر بن سعد، وزوجة جابر بن عبد الله، التي كان لكل واحدة منهن كرامة خاصة في إعداد طعام الجند في ذلك الوقت، ومنهم صفية بنت عبد المطلب التي قتلت يهودياً كان يطوف بأحد الحصون التي لجأ إليها بعض النساء والصبيان، وألقت برأسه إلى من كانوا معه أسفل حصن ففروا جميعاً ظناً منهم أن الحصن يحرسه الرجال، قتلته خشية أن يدل بني قومه على نساء المسلمين وصبيانهم فيغيرون عليهم، ورجال المسلمين مشغولون بالقتال.
وكذلك كان الحال في غزوة بني قريظة،وغزوة الحديبية، وفتح مكة، وغزوة حنين، كان للمسلمات حضور يشهد على اجتهادهن في القيام بما يمكن أن يقمن به من أعمال الجهاد مع الجيش المسلم، سواء بالقتال مباشرة، أو بالمساندة، أم بالمشورة وغير ذلك.
جهاد المرأة في عهد الخلفاء الراشدين والفتوحات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بعد ان انتهى أبو بكر(رض) من حروب الردة، بعث إلى المسلمين في كل البلاد أن يقدموا إليه من أجل تجهيز الجيوش للفتوحات التي كانت بعد ذلك، و التي استهلوها بفتح الشام، وبالفعل فقد بدأ يتوافد على أبي بكر المسلمون من كل مكان، ومن ضمن من جاءوا قبيلة حمير من اليمن، فلما رآهم أبو بكر تهلل وقال: “ألم نكن نتحدث ونقول إذا أقبلت حمير تحمل أولادها ومعها نساؤها نصر الله المؤمن وخان الكافر، فأبشروا أيها المسلمون قد جاءكم النصر”. لم تكن حمير وحدها التي جاءت بأبنائها ونسائها، فقد كان أغلب من قدم على أبي بكر من الوفود يحملون معهم ذراريهم من النساء والأولاد، حيث جاء عن المواردي قوله إن حروب المسلمين في عهد الفتوحات الإسلامية ما كانت تخلو من النساء والذراري.
ويذكر الطبري أن عدد النساء اللواتي شاركن في فتح العراق، حوالى سبعمائة امرأة من (النَخَع) وألف امرأة من (بُجيلة)، وهذا إن دل فإنه يدل على حجم مشاركة النساء في هذه الحروب التي امتدت سنين طويلة، ووصلت إلى ما وصلت إليه من أرجاء المعمورة.
جهاد المرأة في العصر الحديث والحاضر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أما في عصرنا الحاضر الذي شهد استعمار الدول الإسلامية والعربية في بدايته، فقد ضربت المرأة المسلمة أروع الأمثلة في الجهاد والتضحية، خصوصاً في مقاومتها للمحتل الذي يحتل أرضها، ويسلب خيراتها، فكانت تشارك مع الرجال في شتى صنوف المقاومة، وكذلك كان لها مشاركات في حروب التحرير جنباً إلى جنب مع الرجل.ومن الأمثلة على ذلك الحرب التي خاضها الشعب الليبي بقيادة المجاهد عمر المختار، وكيف شاركت المرأة الليبية فيها ، حيث كانت تقوم بحمل السلاح والجهاد مباشرة، ثم تهريب الأسلحة ونقلها للمجاهدين، و تمريض المجاهدين وإعداد الطعام لهم، وسقيهم، وغسل ملابسهم، وغير ذلك من الأعمال المساندة للمجاهدين.ولا ننسى دور المجاهدات الجزائريات امثال جميلة بوحيرد ..ولا ننسى دور المرأة الفلسطينية فمنذ أن بدأت انتفاضة المساجد في عام 1987م، وحتى يومنا هذا، والمرأة تضرب كل يوم أروع الأمثلة في البطولة والاستشهاد دفاعاً عن وطنها وعرضها ودينها وأبنائها, فقد مارست المرأة في هذه المرحلة كل صنوف النضال الوطني، بدءاً من مقارعة العدو الصهيوني بالحجارة السلاح الأكثر انتشاراً في هذه الانتفاضة، ومروراً بعراك جنود الاحتلال بالأيدي ووجهاً لوجه، وكذلك قيامها بمنع جنود الاحتلال من اعتقال المقاومين عن طريق تمويه الأمر عليهم والتصدي لهم وجهاً لوجه، بل وعن طريق تخليص كثير من شباب الانتفاضة من أيدي جنود الاحتلال، وانتهاء بالعمليات الاستشهادية التي قامت بها العديد من النساء الفلسطينيات . وفي السنين الاخيرة لا ننسى دور المراة العراقية والسورية واليمنية وصلابتها في مواقفها ومشاركتها الرجال في كل الميادين ... لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ و لم يحرمهم من فضل الجهاد و خصهم بأجر الحمل والرضاعة و تربية الأبناء فالأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق فهي مفطورة على الجهاد سواء في الحرب أو في السلم ، فألف تحية لكل امرأة ولكل نساء الأرض. واخيرا لنا في قول الشاعر في ابياته هذه ..
الأم مدرســـة إذا أعـددتـــها .... أعـددت شــعباً طـيب الأعـراق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق